الملاك دليلة مزروعي … صندوق الصبر الذي دل الحيارى على مزرعة الخير

حروفي شاردة ، وفمي يفتش عن فمي والمفردات حجارة وتراب ،،،، كيف لا ونحن في حضرة شخصية ربانية ، تنحني لها كل الكلمات والأرقام خجلا ، فالتاريخ ينصاع فقط لمن طلبوا من الله ثلاثا ، حسن الحياة ، وحسن الرحيل ، وجميل الأثر ، وهي الثلاثية التي تجملت بها قديستنا وهي تستقبل حياة أهل الله بكل إيمان ،،،، صحيح إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل …

إنها القديسة دليلة مزروعي ، فإسمها وحده يختزل مسار حياتها ، فهي الملاك الذي دل الحيارى على مزرعة الخير ، فالحكمة الأزلية التي تتجلى في سحنة محياها تقول ” لتعيش الحياة خذ من المسنين عقولهم، و من الاطفال قلوبهم، و من العظماء هيبتهم، و من المبتلين صبرهم .. ” … فدليلة صندوق صبر سرمدي ساحق ماحق متلاحق لاينفذ أبدا ،،، لأنها ببساطة حصلت على المقام الرفيع ، نعم حصلت على نعمة الاصطفاء ، فقد اختارها الله لتكون فاكهة الابتلاء ، ففي حضرة الابتلاء ، عليكم بكبح خاصية التحليل والنقد، لإنه حضور جليل يستحق الثناء … ” ففي مآسي الآخرين وانكسارهم، إياك أن تتعجب ، تأدب في حضرة الجُرح.. كن إنسانا أو مُت وأنت تحاول. ” …

دليلة تعرف أن “القلب جوهرة مظلمة مغمورة بتراب الغفلة، جلاؤها الفكر، ونورها الذكر،
وصندوقها الصبر ” … فالقدر إختار الابتلاء ودليلة استثمرته، لتنثر الحب في محيطها الكوني ” قصة دليلة وكيف تعرضت لحادث عانقته وصنعت معه التاريخ ، في أسفل هاته المقالة ، أما نحن سنسعى لتفجير معاني هاته المشهدية الربانية المباركة ” … دليلة الحسناء ، صاحبة الابتسامة الملائكية ، مخمومة القلب ، صدوقة اللسان ، محبة محبوبة ، فالمغاربة تفرقوا في كل شيء ، واجتمعوا على أنها كرامة حلت لتحل أغراض المسحوقين ….

دليلة عزيزتي بالله عليك ، مالذي بينك وبين الله ؟؟؟ حتى تحولي مصابك المؤلم ، إلى مصباح ينير ظلمة مدينة وجدة ، فيكفي أننا عندما نتجول في وطننا الحبيب ، لايمكننا أن نفتخر بباب سيدي عبد الوهاب ، وباب الغربي وو وكفى دون أن نصرخ في أذان الحيارى أننا ننحذر من مدينة دليلة مزروعي ، فأنت حزمة نياشين مرصعة بالالماس على صدورنا ، لم تعودي ملكا لنفسك فقط ، فأنت الآن رمزا كونيا حط بمدينتنا لكي يفرج الكرب ، وينشر ثقافة خدمة الآخرين ، والاحتراق من أجلهم … فلاتجزعوا ولاتتبرموا إنه الإسلام ياسادة ، فكما قال ابن رشد ” “للدين مائة روح، كل شيء إذا قضيَ، في المرة الأولى، فإنه سوف يموت الى الأبد، الى الأبد، إلا الدين، فإنه لو قضي عليه مائة مرة، فإنه رغم ذلك سيظهر وتبعث فيه الحياة بعد ذلك” ….

دليلة الوديعة ، تحمل كذلك نفسا قوية عظيمة ، واجهت بها أعداء الخير بصمود أنذر من الكبريت الأحمر ، فهي تنظر للحياة من زاوية لايصل إليها إلا المؤلفة قلوبهم ، ‏ففي الابتلاء تنكشف أصالة الطباع، وفي الفتن تنكشف أصالة الآراء، وفي الحكم ينكشف زيف الأخلاق، وفي المال تنكشف دعوى الورع، وفي الجاه ينكشف كرم الأصل، وفي الشدة ينكشف صدق الأخوة … فكل الأصدقاء مجرد معارف حتى تأتي الشدائد .

لقد تحول منزل دليلة الخير ، إلى مضجع للعطاء والإحسان ، فكل من انهار العالم من حوله ، وضاقت به الأرض، لاترده دليلة كسيفا أسيفا ، فما قدمته دليلة للمجتمع الوجدي والمغربي عامة ، لم تقدمه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، كما قال أحد الظرفاء ،،،، فعندما وقعت قديستنا في حب عزلتها ، اكتشفت أسرار غريبة تجمعها مع الله وتأكدت أن الله اختارها لخدمة الآخرين، ولتفجير المعاني حولها بأن الدنيا دار ابتلاء ، حاجزا لها مقعدا إلى جانب أمهات المؤمنين ، ولهذا إياكم أن تبحثوا عن الأنقياء في زحمةِ الحُشود ،،،، الأنقياء هناك في مُعتزلاتهم الجميلة ، أليس كذلك عزيزتي دليلة ؟؟؟ فأنت التي تعلمن منك أن العلاقات المسمومة لايليق معها إلا البتر فمجاملة الأفاعي جريمة ، فالاحسان في موطن الإحسان، والصرامة في موطن الخذلان ….وأن الترياق الشافي في كل هذا هو الاعتزال قدر المستطاع …

دليلة حولت الألم إلى أمل ، فلقد تابع الجميع الحرب الضروس ، الذي دارت رحاها بين القديسة دليلة ، وبين قوارع الألم ، وكيف افشلت كل خططه الجبانة ، وأردته قتيلا ، لقد راهنت الزمان بقلبها الذي رفض بعناده أن يكف عن النبض ، واستمسكت بالدعاء اناء الله وأطراف النهار ” لأن الله خلق الدعاء ليُخبركَ أن لا تتنازلَ عمّا ذهبتْ إليه روحُكَ حتى يأتيكَ به إنَّا رَادُّوه إليكِ”

حبيبتي ، عزيزتي ، أختي دليلة ، أطمع في دعواتك وأنت تمارسين طقوسك في عزلتك مع الله ، فدعواتك سهاما لا تخطأ ، فهذا ديدن الصالحين ، ودأب الفائزين بمحبة الله ….

– إليكم القصة الكاملة للحادث الذي خرج من بطنه ، فتاة أسعدت الناس ….لهذا تستحق أن تكون نصا في كتابنا ” فقه الظواهر ” حقا إن دليلة ظاهرة مكتملة الأركان :

حكاية واقعية مؤثرة تحكي قصة دليلة الحسناء التي كانت مدللة أسرتها ومحيطها وكلها طموح وتطلع لمستقبل مشرق وهي التي تحب الحياة حتى كادت تفقدها في حادثة سير مروعة قلبت حياتها رأسا على عقب وأصبحت اليوم واحدة من دوي الاحتياجات الخاصة ورغم ذلك لاتزال دليلة تتحدى الإعاقة والأقدار عازمة على معانقة الحياة بتلاوينها وفصولها وسلاحها التفاؤل والإيمان بالله سبحانه وتعالى والعزيمة والإرادة. في الحلقة الأولى هاته ستكون درسا للآخرين من الذين لايعطون قيمة للحياة.. إلى أولئك السائقين المتهورين والذين يقودون سيارتهم ولايأبهون بمخاطر الطريق.

لم ترغب دليلة في الذهاب مع عائلتها إلى مدينة الناضور للمشاركة في الكورطيج لإحضار العروس…لكن شاءت الأقدار أن تضطر لذلك لأن أحد أقاربها تخلف عن الذهاب بسبب حلم مزعج…

لم تستطع دليلة أن ترفض طلبه فوافقت على الذهاب رفقة أمه وامها…

أخذت سيارته “الاسبانية” و تركت له سيارتها لقضاء حاجاته…

بالفعل وصلت إلى بيت العروس و دخلت القريبات لكن دليلة رفضت النزول… كأنها متحمسة لأن تعيش قدرها….

انطلق الكورطيج ليلا لكن شاء الله أن تضيع دليلة في مدينة الناضور رغم انها كانت تعرف كل أزقتها….

اضطرت إلى مواصلة السفر، كان الليل موحشا والطريق ضيقا خاصة طريق زايو…

هبت رياح قوية ثم قطرات من المطر لكن دليلة لم تكترث فهي متعودة على القيادة منذ كانت بنت 18 سنة…

دقت ساعة الخطر وفوجئت دليلة بسيارة تمشي في الطريق المعاكس، فقد كان صاحب السيارة يجتاز سيارة اخرى (يدوبليها) حاولت دليلة أن تذهب يمينا ثم يسارا فاستسلمت فإذا بالسيارة تنقلب…

فقدت دليلة وعيها واستسلمت لقدرها….

قدر الله وما شاء فعل

قدر الله تعالى أن تتعرض دليلة إلى هذا الحادث في 10/8/2002 على الساعة 22h

انقلبت السيارة وارتمت دليلة عشرات الأمتار لتسقط قرب شجرة في أحد (الجنانات) القريبة من مدينة زايو، وهي فاقدة للوعي لا تعلم ما هو المصير الذي ينتظرها…

وصل رجال الدرك و أخرجوا قريبات دليلة اللواتي اصبن بكدمات بسيطة ، لكنهم لم ينتبهوا إلى وجود شخص مفقود يصارع الموت….

افاقت والدة دليلة من صدمة الحادثة فسألت عن دليلة لكن لم تجد جوابا…

طلبت من رجال الدرك أن يبحثوا عنها لكنهم لم يجدوها، فقرروا الذهاب متهمين الأم انها تهلوس بسبب الحادث…

أكدت الأم لأناس توقفوا من أجل المساعدة انها لا تهلوس وأنها متأكدة بأن دليلة كانت تقود السيارة وأنها في مكان ما….

بعد ساعات من البحث وجدوا دليلة حية وسليمة لا يوجد بها خدش واحد، وبسبب الجهل، ظنوا انه لا داعي لإحضار سيارة الاسعاف؛ فنقلوها في سيارتهم في وضعية الجلوس ظانين انها في حالة إغماء عادية…

اتجهوا إلى مستشفى مدينة الناضور الغير مجهز ثم ارسلت في حالة طوارئ إلى مدينة وجدة فأدخلت مباشرة إلى الإنعاش….

أكد الأطباء أن حالة دليلة خطيرة جدا ولا أمل في الحياة….

3 كسور في العظام

كسور في القفص الصدري

شقوق في الرقبة

نزيف داخلي

أعضاء توقفت وظائفها

احلام تضيع

وام تبكي

واخوات مصدومات

وأب عاجز عن مساعدة فلذة كبده

معاناة وابتلاء قدر الله أن تعيشه دليلة

اختارها من بين الناس

دليلة التي كانت اذا إصيبت ب”حبة ديال السخانة” تقيم الدنيا و تقعدها؛ هي الآن في العناية المركزة، فاقدة للوعي….

و أطباء وجدة كما تقول دليلة ينتظرون موتها دون بدل اي مجهود….

أكد أطباء وجدة أن دليلة لن تقاوم كثيرا، لكن الله أقوى من كل شيء، فورقتها لم تسقط بعد….

قرر والدها بعد استشارة اقربائه القاطنين بمدينة الدار البيضاء أن احسن مكان تعالج فيه دليلة هي العاصمة الاقتصادية ليشرف عليها أطباء محنكين.

لم يوافق الطبيب المسؤول بمستشفى الفرابي على نقلها لخطورة حالتها وأكد أنه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية نقلها إلى مدينة أخرى، لكن والد دليلة كان مصرا فكان الحل الوحيد هو أن يمضي تعهدا بأنه يتحمل المسؤولية في حال موتها…

لم يكن هذا بالأمر الهين، لكن يقينه بالله اولا وبقوة تحمل ابنته يفوق الحدود… فهو لم يتحمل رؤية ابنته المدللة تموت ببطء دون أن يفعل شيء.

بدأت التجهيزات ، رحلة دليلة الطويلة وحالتها الحرجة تستلزمان سيارة إسعاف مجهزة ؛ وهذا لم يكن متوفرا حينها في مدينة وجدة. شارك الاهل و المعارف في البحث فوجدوا سيارة بالمواصفات المطلوبة عند شخص في مدينة بركان يدعى توفيق القراط، فسيارته تتوفر على سرير “كوكي” وهو أهم شيء لإمكانية نقلها دون إلحاق أضرار أخرى…

ابتدأت الرحلة ودليلة بين الحياة والموت، وبجانبها فوزية اختها والممرض المرافق، يراقبان في كل حين صوت أنفاسها.

وصلت دليلة إلى المستشفى الجامعي ابن رشد واستقبلها الطبيبان اللذان تكن لهما دليلة الكثير من الامتنان: البروفسور العاشوري والبروفسور بارو.

قاموا اولا بعملية “الدريناج” اي إفراغ الدم الناتج عن النزيف من الصدر؛ ثم أشعة IRM التي خلالها سقط الانبوب الخاص بالتنفس فاضطرت دليلة أن تواجه الموت مرة أخرى….

بعد ساعات من التشخيص قام الأطباء بإجراء عملية جراحية دقيقة لدليلة التي ساعدتهم بقوتها وعزمها على التغلب على الموت و بشغفها على الحياة…..

قاومت و قاومت وقاومت فنجحت العملية….

لكن الفرحة لم تكتمل، فقد أصيبت المسكينة بفيروس انتقل إليها خلال العملية.

إصابة دليلة بالفيروس لم يكن متوقعا، فقد زاد في الطين بلة… فحرارة دليلة باتت مرتفعة وبالتالي ظلت فاقدة للوعي لكن لا تزال بداخلها قوة عظمى تساعدها على مقاومة الموت.
اضطر الأطباء إلى تزويدها بكميات من الدم و إعطائها كمية هائلة من الأدوية و وضع قطع الثلج على جسمها حتى تنخفض حرارتها …
دليلة و ان كانت لا تعي بمن حولها إلا أنها كانت قريبة من الله تعالى، فقد كانت ترى أشياء يصعب وصفها، ففي أحد الأيام رأت جدتها و جارتها -وهما متوفيتان منذ وقت طويل – ورأت غرفة بجانبها غرف و ابواب كثيرة.
جاءت السيداتان لأخذ دليلة لكنها رفضت بقوة وصرخت و فكت أنابيب كانت ملتصقة بجسدها لتسمع صوتا سيعيدها إلى الواقع؛ صوت الطبيبة: “دليلة لا تنزعي أنبوب الأكسجين ساعدينا، نحن نريد مساعدتك”
كانت كلمات لا تنسى على مر الزمن…
اضطر الأطباء بعد ذلك إلى ربط يديها لأن ذلك تكرر مرات عدة.
دليلة كانت تستعيد وعيها لوقت وجيز لترى عائلتها خلف زجاج غرفة الإنعاش و هم يبكون على فراقها…
وصديقاتها و معارفها بوجوه شاحبة متألمين و متدمرين…
كانت أيضا ترى أسرابا من الأطباء ملتفين حولها البعض من أجل العلاج والبعض من أجل الدراسة و آخرين للاطلاع على الحالة فقط…
لم تكن حينها دليلة تفكر في شيء، لم تكن خائفة من الموت ؛ كان فكرها مشلول كجسمها تماما.
كل ما كان يخرجها أحيانا من عتمة الظلام هو صوت قوي يقول لها: “دليلة رددي الشهادة، دليلة انت مؤمنة، دليلة ربي بغاك، دليلة كوني قوية سوف تشفين، هناك حالات كانوا أسوأ منك وهم اليوم في صحة جيدة … ”
كأن دليلة موجودة في بئر مظلم و هذا الشخص بسط يده حتى يخرجها…
فتحت دليلة عيناها لترى رجلا بلحية والنور ينبعث من وجهه ملابسه ناصعة البياض ؛ لعله ملاك… إنه فعلا ملاك الرحمة :الممرض المشرف على قسم الإنعاش.
بدأت دليلة تردد الشهادة و بدأت تستوعب ما هي فيه؛ استرجعت شريط حياتها، “يا رب لم أفعل ما يغضبك ، كنت دائما سباقة لفعل الخير و ان فعلت شيئا اغضبك فأنت غفور رحيم”

رأت دليلة الموت فدعت ربها سائلة إياه أن يمد في عمرها لا لشيء إلا لفعل الخير.
استجاب الله لدعائها وبدأت تتجاوب و تستفيق بعد شهر من الغيبوبة….
الحمدلله اجتازت دليلة الخطر ليست الآن مهددة كما في السابق وهي تستطيع التحدث إلى عائلتها…
جاء وقت الخروج من المستشفى، أحضرت شقيقة دليلة جواربا طبية لكي تستعملهما للخروج فهذا سيسهل الدورة الدموية وهنا كانت صدمة العمر؛ فقد صرخ الطبيب في وجه فوزية وتورية -اختي دليلة – من طلب منكما الجوارب؟؟؟ احضرا الكرسي المتحرك فاختكما لن تمشي على رجليها…
كأن الزمن توقف، كيف؟ هكذا وبدون مقدمات؟ كيف سنخبر دليلة؟ وكيف ستتقبلها؟
دليلة المرحة على كرسي متحرك!!!!
دليلة الجميلة على كرسي متحرك!!!
دليلة المدللة على كرسي متحرك!!!

كان الخبر كالصاعقة؛ اختا دليلة لم تتحملا الخبر خاصة وأن الطبيب استعمل أسلوب قاس جدا…
خرجت البنتان وهمهما الكبير هو كيفية إخبار دليلة…
لم تذكر دليلة كيف تقبلت الأمر تقول انها تقبله هكذا؛ ربما تدريجيا ….
حيث أنها كانت لا تقوى على الحركة بسبب الكسور الموجودة على مستوى الظهر و القفص الصدري.
ظنت دليلة أن الكرسي المتحرك ضرورة مؤقتة؛ لكي تتعود على وضعية الجلوس التي كانت تحس خلالها بآلام و وجع فقد أخبرها البروفسور العاشوري أن كل شيء بيد الله وحده… أخبرها بضرورة استعمال الكرسي المتحرك مقدما لها باقة من الورود الجميلة وعيناه مليئة بإحساس من الشفقة ترجمته دليلة بأنه احساس بالأمل…
خرجت من المستشفى و اضطرت إلى المكوث عند أحد الأقارب في الدار البيضاء، رفقة فوزية التي لم تكن تفارقها ابدا، لأن وجدة لم يكن متوفرا فيها المروضين والأجهزة المطلوبة…
بعد اسبوع قرر والدا دليلة الانتقال إلى البيضاء و استئجار شقة لمساندة ابنتهم و توفير كافة احتياجاتها المادية و المعنوية.
والدها رحمه الله هو من تكفل بجميع التكاليف الباهظة اما شركة التأمين فهي لم تحرك ساكنا…

ابتدأت رحلة الترويض المكلفة جدا والمؤلمة كان الجزء السفلي مشلولا تماما و كانت هناك صعوبة في التنفس و صعوبة في الجلوس وفي تحريك الجزء العلوي…
في يوم قررت عائلة دليلة استشارة طبيب عسكري بروفيسور في رتبة كولونيل ؛ فقال لدليلة في وجهها و بقسوة وصرامة: لن تمشي على رجليك ابدا…
كانت أول مرة تسمع فيها دليلة هذا الخبر الأليم، الواقع الجديد الذي لا بد أن تتقبله وتتعايش معه.
حياة جديدة و احساس غريب و فقدان للاستقلالية و الخصوصية. دليلة لن تتمكن من العيش دون مساعدة الغير…. يا له من احساس….
بحثت دليلة لشيء يخرجها من هذا الظلام فلم تجد احسن من القرآن الكريم الذي آنس وحدتها وأنار دربها…
صبرت دليلة و احتسبت ووكلت أمرها إلى مدبر حكيم.
دليلة استسلمت لقدرها وامتثلت للعلاج و كانت تمضي وقتها في سماع القرآن الكريم و مشاهدة البرامج الدينية…
صبر جميل يا دليلة لقد اختارك الله تعالى من بين العباد بيده المرض وبيده الشفاء فقد قال الله تعالى: (( وَإِنْ يمسسكَ اللهُ بضرٍّ فلا كاشفَ لهُ إِلا هوَ وَإِنْ يرِدْكَ بخيرٍ فلا رَادَّ لفضلهِ يصيبُ بهِ منْ يشاءُ منْ عبادِهِ و هوَ الغفورُ الرّحيم )) . (يونس-107)
ابشري يا دليلة و احمدي ربك فلازلت تتمعين بنعم أخرى و زادك الله عقلا و ذكاءً وحكمة بالإضافة إلى حب الناس .

دليلة أصبحت من ذوي الاحتياجات الخاصة، انه واقعها الجديد، حياتها الجديدة وهي مضطرة التأقلم معها…
دليلة تعلم أنها ستعاني لكنها لم تفقد الأمل رغم ما قاله الاطباء، فهي على يقين أنها ستقف و تمشي على رجليها كما في السابق…
دليلة ليست هي البطلة الوحيدة في هذه القصة، هناك أبطال آخرين تقاسموا الأحزان مع دليلة…
فوزية اخت دليلة و أصغر منها بقليل، استطاعت أن تتحمل الصدمات وهي في مقتبل العمر خاصة في غياب الأب الذي كان لا يستطيع الغياب عن اعماله، والأم التي كانت مريضة و مصدومة بسبب ما حدث .
فوزية رافقت اختها في جميع المراحل، كرست كل وقتها لمساندة اختها.
كانت تبكي بدل الدموع دما لكن عند مواجهة دليلة تطبع ابتسامة عريضة على وجهها مليئة بالحب والأمل والتفاؤل…
كانت أولى الصدمات، حين أخبرها الطبيب القاسي عن عدم قدرة دليلة على المشي، تألمت و بكت لكنها اخفت الأمر على اختها المريضة.
بالإضافة إلى كل هذه المعاناة كانت المسؤولة عن نقل الأخبار إلى الوالدين و مواجهة ردود أفعال كل شخص على حدة.
في أحد الأيام كانت لا تزال دليلة في المستشفى دخل الممرض ليقوم بعملية “طواليطاج” وهي عملية إخراج الفضلات من جسم دليلة ؛ كان يقوم بهذه العملية باستعمال آلة لكن في أحد الأيام قرر القيام بذلك دون استعمال الآلة اي يدويا وطلب من فوزية مراقبته ومساعدته لتتعلم التقنية لتقوم بها بعد الخروج من المستشفى.
انها الصدمة الثانية، وتصفها فوزية على أنها أقوى صدمة، دليلة إلى جانب عدم قدرتها على المشي فهي أيضا لن تتمكن من قضاء حاجتها بشكل طبيعي…
يا له من خبر!! كيف ستتقبله دليلة؟؟ و ابويها؟ و اخوانها؟؟؟
يا رب العالمين ساعدنا…
يا مغيث أغثنا…
يا رحيم ارحمنا…
فوزية تروي معاناتها و تبكي بحرقة، لا زالت تبكي حتى بعد مرور أكثر من 14 سنة و حين كانت تسأل عن سبب احساسها بثقل في رجليها كانت تخبرها بأن السبب هي الكسور و العملية و انها ستعافى قريبا…
لا زالت فوزية تستغرب كيف أن دليلة تقبلت حياتها الجديدة، دليلة التي كانت تهتم بنظافة جسمها بشكل مفرط تتقبل الوضع و تتعايش معه…
كانت فوزية تقوم بجميع المهام: كانت المرافقة و الطباخة و الممرضة و الطبيبة النفسية…
أيضا تورية التي كانت تقوم بنفس دور اختها حين يستلزم الأمر…
حياة فوزية الجديدة بعد إعاقة اختها علمتها أشياء كثيرة و مصطلحات جديدة. تعرفت على les escarres وهو ما نسميه بالعامية: “الطياب” وهو يصيب الجلد بسبب قلة الحركة و النوم بوضعية واحدة ، تعرفت على كيفية وضع خرطوم التبول ونزعه وضرورة مراقبته ، تعرفت إلى كيفية إخراج الفضلات من الجسم….
دليلة، فوزية، تورية، معاناة، دموع، صدمات.
الحمد لله على الابتلاء عزاؤهم هو أن دليلة حية، تتحدث معهم و موجودة بينهم.
انتهت رحلة العلاج بمدينة الدار البيضاء دون تحسن كبير في حالة دليلة، فقررت العائلة أن تجمع الشمل في مدينتهم وجدة بعد غياب دام قرابة العام…كان رجوع دليلة إلى بيتها مؤلما، فبعد ان كانت اميرة البيت؛ عصفورة تحط هنا وهناك، بعدا ما كانت سند والدها و عون أمها أصبحت لا تقوى حتى على خدمة نفسها أو التنقل من غرفة إلى أخرى…كما هو متوقع فكل العائلة جاءت لزيارتها دليلة و الاصدقاء و الجيران، كل من يعرف دليلة من قريب أو من بعيد، الكل تعاطف مع حالتها و جاء للتخفيف عنها.لكن دليلة كانت تعيش معاناة نفيسة خاصة و انها كانت تجد في بعض عبارات المواساة قسوة كبيرة خاصة من قبل النساء المسنات اللواتي يجهلن أن بعض العبارات قد تكون جارحة خاصة في مثل هذه الحالات…و زاد حالة دليلة سوء خبر الإشاعات التي انتشرت عن الحادث، فقد علمت من صديقاتها أن الناس قالوا أشياء كثيرة عن الحادث لا أساس لها من الصحة. قيل إنها تشوهت و قيل أن “مخها تشتت ” وقيل انها لم تكن رفقة عائلتها بل كانت….كل هذا ادخل دليلة في حالة اكتئاب حادة؛ لكن بمساعدة عائلتها التي لم تبخل عليها بالغالي و النفيس استطاعت تخطي ذلك.والدها لم يبخل و باع بعض املاكه لتوفير علاج ابنته، و الأم الحنون كرست لها حياتها؛ الاخوة زادوها حبا و دلالا، الأخوات الثلاث: فوزية و تورية و امال تقاسموا المهام، فهاته تطبخ وتلك تهتم بنظافة دليلة و الأخرى تهتم بترتيب الغرفة…لم يكن ذلك سهلا على البنات خاصة و أنهن كن صغيرات جدا خاصة امال التي فتحت عيناها على هذا الوضع.لقد رتبن حياتهن على ذلك، فكانت الأولوية لدليلة و متطلباتها ثم بعد ذلك حياتهن …. ان سمح لهن الوقت بذلك.كما سبق الذكر فقد تم توفير كل احتياجات دليلة بما في ذلك سرير خاص و باهض الثمن لكي لا تصاب بالتقرحات الجلدية.كانت دليلة لا تقوى على الجلوس فكانت عند الأكل تحتاج إلى ثلاثة أشخاص وللانتقال من مكان لآخر تحتاج إلى أربعة أشخاص…كانت دائما الأخوات موجودات للمساعدة على النوم على جنب آخر، لتغيير الملابس ، للاستحمام…وفوق كل هذا كانت تعاني من صعوبات في التنفس…
دليلة بدأت تتعود على روتينها اليومي، زوار في كل الاوقات، ضحك و مزاح مع الصديقات، كأنها مريضة بشيء بسيط و ستعافى….
بيتها تحول إلى مزار، لم تكف الزيارة و تعب أهل البيت في استقبال الزوار إلا بعد مرور سنة كاملة.
استمرت دليلة في تلقي الترويض اللازم حيث أن أخواتها تعلمن كيفية القيام به، واستمرت في أخذ الأدوية خاصة مضادات الاكتتاب و مراقبة التقرحات التي قد تصيبها في الجزء المشلول و تحدث حفرة قد تهددها بالاستئصال إلى جانب التأثيرات الجانبية لانبوب التبول الذي كان يحدث لها الالتهاب الذي كان ينتج عنه ارتفاع كبير في حرارة الجسم فتضطر إلى أخذ كم هائل من المضادات الحيوية…
في أحد الأيام و بعد أن أصبحت دليلة تتحكم جيدا في جزئها العلوي قررت أن تتحدى الشلل وتحاول ان تقوم بعملية الترويض دون مساعدة و بعدها قد تستطيع تحريك ارجلها… فلا بد أن تعتمد على نفسها، فإلى متى ستبقى حياتها متعلقة بأشخاص آخرين.
احست دليلة أن الوقت قد حان لأن تعتمد على نفسها فاستغلت انشغال الأخوات في اشياء خارج الغرفة و اخذت الوسادات ووضعتهم وراء ظهرها في محاولة لمس قدميها كان ذلك أصعب مما تصورته؛ لم تستطع الحفاظ على التوازن فكادت تقع، لولا الوسادات كررت المحاولة ولمست رجليها لكنها لم تستطع تحريكها ولا حتى القيام بحركات الترويض لوحدها.
بعد أن بدلت مجهودا كبيرا لامساك رجليها أدركت انه لا مجال للمحاولة فاستسلمت مرة أخرى…
لم تخبر أحدا عن محاولتها الفاشلة لكن أخواتها لاحظن انتفاخ على مستوى الرجل، وبعد زيارة الطبيب تبين أن رجلها مكسورة.
نعم كان ثمن محاولتها هو كسر في قدمها، والمضحك المبكي في الأمر أن دليلة لا تتحمل ” الجبص”
نعم يا سادة لم يقم الطبيب بشيء لحالتها سوى بأنها لا يجب ان تحرك أو تثني الرجل المصابة والا فقد تتعفن و تقطع…
هذا ما كان ينقص دليلة مرض فوق مرض….
واقعة كسر قدم دليلة جعلت عائلة دليلة حرصا عليها فلازموها دائما خوفا من ان تؤدي نفسها….
ففي مرة، كانت دليلة تستعمل شمعة للقراءة، خاصة و انها تعشق الشمع، فسقطت الشمعة وكادت تسبب حريقا لولا دخول تورية.
أشياء كثيرة حدثت لدليلة بسبب الشلل، ففي يوم قررت الاستحمام بمساعدة أخواتها كالعادة ولم تنتبه إلى أنها صبت فوق جزئها المشلول ماء ساخنا؛ ولم تنتبه للأمر إلى أن ظهرت آثار الحريق الذي تطلب وقتا وجهدا للعلاج.
قصص دليلة لا تنتهي.
معاناة ليس بعدها معاناة.
معاناة دليلة التي قضت أجمل أيام حياتها ممددة على سرير غرفتها أو على كرسي متحرك في حين تزوجت اخواتها وقريناتها واحدة تلو الأخرى…
دليلة لا تحزني
بصبرك لك جائزة
جائزة تختبئ بين طيات الأيام
فالمستقبل مشرق
وانت تفوقت في الصبر
و نجحت في الامتحان

عائلة دليلة لم تكن كباقي العائلات، فقد كان أفرادها كالجسد لكل وظيفته التي تكمل باقي الوظائف.
تماما كروح واحدة، لا مجال للخصام أو الجدال، فالهدف واحد و هو إرضاء دليلة.
دليلة التي لم تكن مريضة عادية بل هي متطلبة، فلا تفوتها تفصيلة واحدة….
تحب أن تستحم في كل وقت، وتغير ثيابها باستمرار…
إذا كانت الغرفة غير مرتبة يظهر عليها الاستياء، و إذا اتسخت ملابسها تغير فورا…
لا تحب ان تأكل في أواني غير متشابهة بل تلزمهم بإعداد طاولة متناسقة…
وكانت تحب الاعتناء بجمالها و بشرتها ويديها…
لا تتحمل اي شيء ليس في مكانه ،تحب أن يكون كل شيء منظم حولها وهذا واضح وضوح الشمس من خلال اناقتها.

دليلة تحب أيضا “الماركات” والأشياء الجميلة “الكلاس” فتطلب الاكسسوارات و نظارات الشمس الغالية…
لم يبخل عليها والدها بالمال ولا أخواتها بالجهد ، فكانت كل طلباتها مجابة، فالكل يريد ارضاءها و رؤية الابتسامة الجميلة التي لم تكن تفارقها…
عائلتها كانت الأكثر إدراكا لمعاناتها و المها لذلك قرروا أن يكونوا في خدمتها خاصة البنات.
حتى فوزية رفضت الزواج بسبب انشغالها التام بدليلة حين كانت في الإنعاش.
لكن عندما حان الوقت و بدأ الخطاب يطرقون باب الحاج المزروعي مرة تلوى الاخرى لطلب يد ابنته المصون ، التي كانت سند دليلة، علمت هذه الأخيرة أن الفراق آت لا محالة… فلا بد لاخواتها أن تعشن الحياة وتتزوجن و تنجبن… لكن دليلة ما مصيرها؟ من سيهتم بها؟
فوزية رفضت الزواج خوفا على توأم روحها أن تقاسي. استمر الرفض الغير المبرر إلى أن جاء شاب مناسب جدا، و في نفس الوقت شاب آخر لتورية…
لم توافق البنتان فأمال لن تتمكن من قضاء كل حاجات دليلة لوحدها.
أقنعت دليلة اختيها بالزواج، انها سنة الحياة فدليلة أيضا تريد ان تفرح وان ترى من حولها في سعادة.
بالفعل وافقت فوزية على الزواج وتورية أيضا وافقت لكن بشرط أن تزيد سنة أخرى مع اختها حتى لا تكون الصدمة قوية. فراق واحدة ارحم من فراق الاختين معا، خاصة وأنهما ستسكنان في مدينة الدار البيضاء.
بدأت التحضيرات لعرس فوزية.

يااااااااااه سوف يعرف بيت دليلة الفرح.
بعد اربع سنوات من الدموع .
بعد الألم والحزن والمعاناة.
فوزية ألم تعلمي أن الله سيكافئك و يجازيك على ما قمت به.
ألم تعلمي أن بعد العسر يسرا.
الزوج الصالح في انتظارك.
و ترزقين إن شاء الله البنون والبنات.
وتعيشين السعادة و الهناء.

دليلة فرحت لفرح اختها لبست احلى ” تكشيطة” كانت كالقمر المنير في حفل الزفاف، جمالها جعلها تخطف الأنظار….

ذهبت فوزية إلى الدار البيضاء و بعدها جاء فراق تورية التي تزوجت بعد ذلك بسنة.

جاء دور امال لتحمل المسؤولية كلها، امال التي تفانت في خدمة اختها إلى أن جاء موعد فراقها هي الأخرى فتزوجت أيضا.

لم يبق لدليلة سوى والديها، الأب يغمرها بالحب والدلال كأنها طفلة و الأم تهتم بكل احتياجاتها اليومية.

و بعد أن فقدت دليلة الأمل في النهوض تعرفت على البروفسور محمد امين العمري، الذي تبنى حالتها و ارجع إليها الأمل و رد إليها الروح.

تغيرت حياة دليلة بعد ذهاب أخواتها فاعتمدت على نفسها و أعطت مساحة أكثر لصديقاتها فبدأت تخرج من البيت و ساعدها الفيس بوك أيضا على التعرف على اصدقاء جدد.

انهمكت دليلة في مشاكل صديقاتها، فكانت الصديقة الوفية النصوح، لا يرتاح بالها حتى يحل المشكل. فكم من مطلقة عادت إلى زوجها بفضل دليلة….

دليلة أصبحت بفضل حكمتها محبوبة من طرف الجميع، حتى الاطفال يحبونها بجنون و ينتظرون الأذان ليدعون لها بالشفاء…

دليلة تغلبت على الإعاقة حتى بعد وفاة والدها رحمه الله و اسكنه فسيح جناته؛ وضعت لنفسها هدفا في الحياة و هو إسعاد من حولها.

قامت بإنشاء مجموعة على الفيس بوك جمعت من خلالها سيدات وبنات من المنطقة الشرقية اصبح على كل لسان يتعاونون على البر و الاحسان. و كل ما يخص الحياة اليومية دليلة اصبح اسمها على كل لسان عوضها الله بالقبول في الارض و قضاء حواءج الفقراء و الضعفاء على يدها

دليلة ليست فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي هي في حاجة إلى عطف، دليلة هي من يحتاج الناس عطفها.

دليلة هي بلسم كل من يعرفها، دليلة هي بركة كل من تبرك بها، دليلة هي كالماس البراق لا يملكه أحد لكنه يسعد كل من رآه …

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. دليلة الخير مل شيء يغرفها فالجهة الشرقية ونبغيوها على قوتها وخيرها ساعداتنا منساوش خيرها بنت الخير مترد حتى واحد بلاش الله يشافيها ويعافيها يارب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى