حكم ملف”طفلة تيفلت”: هل نبع من القانون أم كان تحت الضغط؟  

آن الأوان لمن “صعقهم” الحكم الجنائي الابتدائي في ملف “طفلة تيفلت”، ولمن “صدمهم” ولمن “لم يعجبهم” آن لهم الأوان أن يتنفسوا الصعداء، ويضحكوا ملء أضراس العقل، فالغرفة الجنائية الاستئنافية أشفت غليلهم…فإذا كان الفعل المنسوب للمتهمين قبيحا ومستقبحا ومرفوضا، وإذا كانت الضحية مجرد طفلة لا حول لها ولا قوة أمام ثلاث “ذكور” فعلوا فيها ما فعلوا، فإن شناعة الجريمة لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن تولد في نفوس البعض رغبة جامحة في الانتقام من الجناة، بمحاكمتهم خارج أسوار المحكمة، وبالتدخل في عمل القضاء حد عتابه وتقريعه، ما لم يصدر حكمه كما تمناه المتحمسون لوليمة الانتقام، الرافسون على قرينة البراءة، من ممثل الحكومة، والى ممثلين عن هيآت دستورية، ومن مجتمع مدني يتحين المصائب ليعلن عن وجوده، ومعهم شبح تجار الفواجع الذين يعشقون مص دماء الجرائم، والظهور في الصحافة بأنهم المنتظرون الذين سيخلصون الدنيا من الآثمين، ظهروا يقصفون روح القانون للمطالبة بتطبيق القانون، ويجعلون من الأحكام القضائية ما يشبه ثياب موضة تروق لهذا دون ذاك، وتصعق هذا دون الآخر، ويهتفون أن اضربوا فوق الأعناق واضربوا كل بنان.
إن جنوح الجناة وانعطافهم عن صراط المجتمع باقترافهم الجرائم ، مهما استبشعت نتائجها، ومهما تقوت أدلتها، لا يمكن أن يواجه بأسلوب التشفي والمطالبة برأس الفاعلين، انتقاما وثأرا، فالقوانين إنما سنت لحماية حقوق الجميع، ضحايا ومتهمين ومجتمعا، فإن زل الجاني فالقانون أفرد له مسطرة لمحاكمته، لأن الغاية المثلى من العقاب هي الإصلاح والتهذيب والتقويم والترميم، لإرجاع الجانح إلى قافلة المجتمع، ولم يكن العقاب مرادفا للانتقام والتشفي ونبش المخالب، وإن شيوع فكر دعم الضحايا ضدا في القانون وفي الاحترام الواجب للقضاء يهدد الدولة في كيانها ووجودها ، ويؤسس لدولة “الحياحة” ودولة “السيبة”، مثلما كان عليه حال الشعوب البدائية التي تنكل بالجناة وتقطع أوصالهم، بلا محاكمة أو بمحاكمة صورية، إننا بتنا نستشعر الكثير من الخجل الحقوقي حين نرى وزيرا يصرح أن حكما قضائيا “صعقه” ومسؤولا يطالب ب”ضرورة تصحيح الحكم” وثالثة سعيدة فرحانة بعد رفع العقوبة، فالسرعة التي تم بها تعيين الملف أمام غرفة الدرجة الثانية ، والسرعة التي تم بها مناقشته في يوم صيام، والنطق بالحكم في ساعة متأخرة من الليل، كل ذلك يوحي أن القضاء تحرك تحت ضغط الضاغطين، وصياح المتعطشين، وأنه سعى إلى إسكات تلك الأبواق، أكثر من سعيه إلى إحقاق الحقوق، وهنا يثور سؤال محرج، هل نبع الحكم من روح القانون أم جاء ليطمئن النفوس النافرة الجامحة؟ ثم أما كان القضاء ليقوم بدوره كاملا بدون وليمة اللطم والتباكي تلك؟ ثم أين هو المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ فهل أنزل الشراع وانحنى للعاصفة؟ لنخلص إلى أن مشكلتنا هي في حجم ثقتنا في قضائنا، فهل نصلحه بما يجعل من دخله كان آمنا مطمئنا، أم نحتاج نحن والقضاء معا إلى مصلح مقوم؟
في الأخير وكأب وإنسان أعلن تضامني مع أبوي الطفلة وأهلها، وكم أنا مغتم لحالها، لكن العاطفة تفسد العدالة، فلنكن عقلاء لأن التصدي للجريمة البشعة بالطريقة الخطأ، لا يقل بشاعة عن الجريمة نفسها، فنصبح جميعا مذنبين، فقط نتفوق على الجناة بامتلاكنا للجام القانون وسوطه وسلاحه.
 
 
 

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. ومند منى كانت هناك عدالة في خده البلاد
    فلولا الصغط لما تم تغيير الحكم في للاستىءناف “عدالة” تتماشى مع ما يصلها من ضغط الشارع او رنين هواتف العفاريت والتماسيح

  2. Les gens ont parlé pour exiger ce qui leur semble un jugement et des peines qui soient à la mesure des
    atrocités commises par ces monstres inhumains car la problème n’est pas dans la justice mais dans ceux qui l’appliquent dont ce juge qui annonce 2 ans de prison en considérant que 20 ans c’est seulement 2+0. C’est peut-être à cet honorable monsieur qu’il faut poser des questions

  3. لعل البعض يتذكر حكم الإعدام الدي صدر و نفذ في حق الكوميسير ثابث و الضغط الإعلامي و الشعبي الدي رافق تلك القضية

  4. و لمذا وجد القانون . نحن فقط دافعنا عن عدم تطبيقه . لو كانت ابنتك من اغتصبت لكان لك رأي اخر. نحن اصبحنا نواجه ظاهرة اجتماعية خطيرة و يجب تشديد العقوبات في حق كل من تطاول على الاطفال . شكرا لمحكمة الاستئناف على تدارك الموقف.
    اما انت فلا أعرف صراحة الى ما ترمي بهذا المقال.صحافة هاك عظم و ضرب الطم

  5. في الاول كان على القضاة ان يطبقو القانون ، لكن للاسف قضائنا وقضاتنا فاسدون اغلبهم تم التحايل على القانون برشاوي وتم هضم حق الطفلة للاسف لانها فقيرة ، 20 سنة يجب ان يحكم بها تلك القاضي الفاسد ،والذي له سوابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى