إنجاز المنتخب المغربي بقطر يدفع المغاربة للاعتزاز بوطنيتهم والدفاع عن قيمهم

أعادت مشاركة المنتخب الوطني في مونديال قطر الحديث عن معنى الانتماء والاعتزاز بالهوية بأبعادها الوطنية والثقافية والاجتماعية، حيث ظهر خطابات تدعم الشعور بهدا الانتماء وتعلن الافتخار به أمام المنجز الكروي المبهر الذي قدمته النخبة الوطنية في المونديال القطري بعدما تبارى الفريق الوطني في مستويات متقدمة من هذا الدوري الكروي العالمي، ما يطرح السؤال حول مسبات هذا الاعتزاز والفخر العلنيين الذي ظل لعقود يبقى حيس محطات ومناسبات متفرقة هنا وهناك لا تتجاوز السويعات.

وفي هذا السياق، قدم مصطفى الشكدالي الباحث المتخصص في علم النفس الاجتماعي تحليلا دقيقا لهذا الاعتزاز بالانتماء الذي تشارك فيه الكبار والصغار والرجال والنساء، وقال في تصريح لهبة بريس :”قدم المنتخب الوطني عرضا جميلا جدا تجاوز حتى حدود الرقعة الجغرافية بالنسبة للانتماء واعطى معنى أوسع وأرحب للانتماء في جميع الأقطار ليس فقط العربية ولكن ربما حتى المناطق التي تدخل في إطار دول الجنوب او ما كان يسمى بالعالم الثالث”.

وشدد الشكدالي على أنه يجب أن ننظر إلى كرة القدم على هذا المستوى، مستوى المونديال، فهي ليست مجرد لعبة أو تباري رياضي بل ربما نسبة الرياضة قد تكون نسبة ضئيلة جدا، لذلك فالرياضة بصفة عامة والثقافة خاصة السينما والمسرح تدخل الآن في إطار ما يسمى بمفهوم soft power أو القوى الناعمة، لأن الهجوم على الآخر واكتساح الاخر الآن، لم يعد واردا كما كان بالذبابات والأسلحة النارية أو القوة الاقتصادية الصرفة، ولكن كذلك الان من خلال هذه القوة الناعمة، فالاكتساح يأتي عن طريق الأفكار والريادة في الرياضة والخلق والإبداع وإعطاء سمعة معينة للانتماء، وهو ما تحقق ربما في هذا المونديال، وأنا دائما أسمي ذلك ب “بين عودة المكبوت وعودة الموروث”.

فعودة المكبوث، يضيف الباحث، لاحظناه في الدفاع عن المثلية، والمكبوت هنا أقصده بالمعنى التحليلي خاصة التحليل النفسي، وكذلك عودة الموروث مثلا في البر بالوالدين ولاحظناه في المنتخب الوطني، وخلق نموذجا إدراكيا على مستوى القدوة خاصة على مستوى التنشئة الاجتماعية.

وقبل المونديال كانت هناك نماذج هشة “مغنيين ساقطين، الترويج للحشيش للمثلية الخ..” ولكن المنتخب الوطني جاء ليعيدنا إلى الموروث لأن البر بالوالدين هو شيء موروث، وهدا الانتماء بالرجوع إلى الهوية بهذه الطريقة كان إيجايبا جدا.
وتابع قائلا :”هناك أيضا المفهوم الذي ظهر مع وليد الركراكي المتمثل في “النية”، وربما كنا نعطي لهذه الكلمة، صبغة فيها نوع من الابتدال، بمعنى أن الإنسان النية هو الإنسان المغفل، ولكن إذا ترجمنا الكلمة إلى اللغة الفرنسية سنجد أنها l’intension ، وفي علم النفس الايجابي la psychologie positiveفهي تعني القوام، فإدا لم تكن النية فلن يكون اي شيء، فالنية بهذا هي الإصرار هي الروح التي تحرك الأفراد والجماعات للوصول إلى هذف معين، وبالتالي فالنية كذلك هي كفكرة جاءتنا من ثقافتنا، ومن هذا الانتماء، وحتى عندما تقول للانسان نويت ان نقوم بكذا، أو النية أبلغ من العمل فإن النية هي أصل كل شي لأنه لكل امرئ ما نوى كما هو معروف في المأثور.

إذن فعلى المستوى الثقافي-الرمزي هناك أشياء عديدة ظهرت على المستوى الكوني، فالمونديال ليس الملايين الذين يشاهدونه، ولكن الملايير بمعنى أنه حدث عالمي، لذلك يستحيل أن نتحدث فقط عن كرة القدم، والجمهور يكون حاضرا ليس لمتابعة الفرجة فقط، ولكن للتأسيس لهذه الفرجة، ولاحظنا الجمهور المغربي ولاحظنا في مقابلات معينة أشياء قادمة من ثقافتنا وبرزت وأعطت هذا النموذج وهذه العودة الى هذه الأصول والأشياء التي أتت من ثقافتنا قديما هو في حد ذاته يرسخ لهذه الهوية، ويعيد ترسيخها من جديد، إلا أن ما يمكن أن نقوله حتى لا نظل في الانفعال، لأنه لحد الآن نحن منفعلون ولسنا فاعلين، ربما فاعلين طبعا بالإنجاز الكروي وفاعلين بتشجيعات الجماهير وهناك بعض القضايا قد تأتي نقيض ما ذهبنا اليه كما وقع بالنسبة للتذاكر والزيادة على مستوى الأسعار في المقاهي وهي كلها مظاهر سلبية ولكن المظاهر الايجابية هو هذا الشعور بالانتماء الى ثقافة متجذرة، إلى ثقافة ربما كادت أن تحجبها عنا التفاهات التي أصبحت واردة في كل لحظة وحين عبر الوسائط الرقمية وبالتالي كيف يمكن أن لا ننهزم؟.

وأبرز المتحدث، ربما انهزما في مباراة بفعل فاعل ولا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع، ولكي لا ننهزم يجب أن نحول الانفعال إلى فعل ونؤسس لهذه النية انطلاقا من الغايات الكبرى للتربية ومن الغايات الكبرى للتنشئة الاجتماعية، وأنا أعتقد أن الأساسي هو أن لا نقول كان انتماء بطريقة انفعالية، ولكن أن نؤسس له انطلاقا من هذه القوى الناعمة في مجالات متعددة وأن نعطي القدوة وهذا النمودج الادراكي لهؤلاء الشباب الذين منحونا نمودجا إدراكيا جديدا، ليس فقط لشباب المغرب ولكن لشباب هذا الذي يسمونه ظلما بالعالم الثالث في مناطق مجاورة وفي مناطق أبعد وبالتالي هذا فخر لنا ويجب أن لا نتنازل عن هذا الفخر وأن نؤسس له من جديد، على مستوى النظم التربوية والإدراكية والاجتماعية حتى يمكن أن نحققه على أرض الواقع وبطريقة دائمة، ويجب أن لا نعيش ديمومة المؤقت، وأن تكون هذه اللحظة مؤقتة وتنتهي بنهايتها، ولكن أن نتجه في هدا السياق وان نؤسس لتنشئة اجتماعية تخرجنا من التنشئة الاجتماعية المعطوبة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى