كلبة شرسة تفترس مواطنا بالجديدة.. الجريمة المشهد الأكثر بشاعة واستهلاكا

حرصا على تجويد خدمات المرفق الشرطي بالجديدة، وحتى يكون هذا الجهاز الذي يغار عليه المغاربة، ويكنون له ولمديره العام عبد اللطيف حموشي كل الاحترام والتقدير، “في خدمة الوطن والمواطنين”، تعرض الجريدة دراسة بالتحليل والنقد ل”ما وراء جرائم نوعية”، وقعت بعاصمة دكالة، وتندرج أحداثها الدموية في إطار ما يعرف في علم الإجرام ب”الجريمة المشهد”، التي من خصوصياتها أنها بشعة، ويستهلكها الجمهور؛ ما من شأنه أن يخفض من منسوب “الإحساس العام بالأمن”.

جرائم “نوعية” أكثر استهلاكا:
مازال الرأي العام يتفاعل مع مقطع “فيديو”، مدته دقيقة و7 ثوان، انتشر كالنار في الهشيم، على مواقع التواصل الاجتماعي، سيما تطبيق “واتساب”؛ إذ تظهر بالصورة والصوت كلبة من فصيلة شرسة وهي تفترس، صبيحة الثلاثاء 18 أكتوبر الجاري، مواطنا في الشارع العام، وسط مدينة الجديدة.
الجريمة التي وقعت غداة تنظيم فعاليات معرض الفرس الدولي، والتي تندرج في إطار ما يعرف في علم الإجرام ب”الجريمة المشهد”، تأتي إثر سلسلة من الجرائم لا تقل بشاعة وإثارة، كإقدام ضابط أمن، مساء السبت 08 أكتوبر، على إطلاق عيارين ناريين من سلاحه الوظيفي، على فتاة ووالدتها، غير بعيد من مدخل سوق تجاري ممتاز بعاصمة دكالة، قبل أن يغادر مسرح الجريمة، على متن سيارته الخفيفة، إلى وجهة مجهولة.. ليتم العثور عليه، بعد حوالي نصف ساعة، بمدينة أزمور، جثة هامدة داخل عربته، جراء انتحاره بمسدسه الوظيفي.
جريمة محاولة الشرطي، من ولاية أمن الدارالبيضاء، تصفية الضحيتين، بالسلاح الناري، تابعت حشود من المواطنين ورواد السوق التجاري الممتاز، وقائعها، لحظة تنفيذها مباشرة من مسرح الجريمة (scène du crime)؛ كما تمت متابعتها والتفاعل مع أحداثها على نطاق واسع في المغرب وخارجه، على وسائل التواصل الاجتماعي (تطبيق واتساب..)، إثر التوثيق لها بالصورة والصوت، بالتقاط “فيديو” بواسطة هاتف نقال.
كما أن مقطع الجريمة المشهد المثيرة، التي اهتز على وقعها الرأي العام، تلته تباعا مقاطع “فيديو” تظهر العربة الخاصة، التي وضع داخلها الشرطي، مرتكب جريمة الاعتداء المزدوج(ة)، حدا لحياته، تم نقلها على المباشر (live)، من مسرح النازلة بأزمور، حيث احتشد العشرات من المواطنين؛ وهي مقاطع واكبتها تعليقات صوتية، تابعها من داخل وخارج أرض الوطن، رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ضمنها قناة تلفزية إلكترونية، تحظى بأكبر المشاهدات (..).
كما عاشت مؤخرا عاصمة دكالة، نقلا عن مصدر إعلامي، على وقع اعتداءات فتاة في عقدها الثاني، تحمل لقب “مولات المطرقة”، على النساء بحي المطار، كان آخرها، الخميس 13 أكتوبر، إثر إصابتها فتاة (26 سنة)، بجرح غائر في الرأس، بواسطة أداة حادة (مطرقة)، قبل أن يوقفها، الاثنين 17 أكتوبر، عون سلطة، ويسلمها للدائرة الأمنية السادسة، صاحبة الاختصاص الترابي.
وفي سياق الجرائم المشهد، أورد فاعل جمعوي في تدوينة نشرها على صفحته “الفايسبوكية”، أن نزاعا حصل مؤخرا بسوق لالة زهراء بالجديدة، بين شخصين؛ حيث نهش كلب أحدهما في كاحل رجله، كما أصيب الحيوان بطعنة بسكين (..).

ما وراء جريمة تحريض كلبة شرسة:
بعيدا عن عينة الجرائم “النوعية”، التي حدثت خلال شهر أكتوبر، في ظرف أقل من أسبوعين؛ وعن قضايا الاعتداءات على النساء، والضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض، وإحداث عاهات مستديمة.. غالبا ما تكون تحت تأثير المخدرات وأقراص الهلوسة “القرقوبي”، والتي تعج بها الغرف الجنائية والجنحية باستئنافية وابتدائية الجديدة؛ وبالوقوف على وقائع الجريمة المشهد، جريمة افتراس كلبة شرسة لمواطن أعزل، في الشارع العام، بقلب عاصمة دكالة، والتذكير بأحداثها الدموية، والتي ارتأت الجريدة تأجيل الخوض في تحليلها، إلى ما بعد إسدال الستار على فعاليات معرض الفرس الدولي، الذي تفضل ولي العهد الأمير مولاي الحسن، الاثنين 17 أكتوبر 2022، بإعطاء انطلاقة فعاليات نسخته الثالثة عشرة، والذي زاره على امتداد 9 أيام (من الاثنين 17 وإلى غاية الأحد 23 أكتوبر الجاري)، آلاف الزوار من داخل وخارج أرض الوطن، والذي حظي بمتابعة وتغطية عالمية، من قبل وسائل الإعلام والقنوات التلفزية والمحطات الإذاعية الدولية.. فإن عراكا بين شخصين في حالة غير طبيعية، حصل، حوالي الساعة الثانية و40 دقيقة من صبيحة الثلاثاء 18 أكتوبر الجاري، وسط مدينة الجديدة، عرض على إثره أحدهما غريمه لطعنات غائرة بسكين كان يتحوز به.. فيما تكلفت كلبة شرسة، بتحريض من المعتدي، بافتراسه بعد أن انهارت قواه ووقع على الأرض. ما اضطر شرطيا من فرقة الدراجيين، بغية تحييد الخطر القاتل، لإطلاق عيار ناري على الحيوان الشرس، الذي أودعته السلطة المحلية رهن إشارة المصالح البيطرية. هذا، فيما أحيل الضحية على قسم الإنعاش بالمركز الاستشفائي الإقليمي بالجديدة، حيث يخضع، إثر حالته الحرجة، للعناية الطبية المركزة.

الجريمة المشهد والإحساس بانعدام الأمن:
النازلة الإجرامية البشعة، التي تابع المواطنون مباشرة من مسرح الجريمة، أحداثها الدموية، تعتبر جريمة “مركبة”، ينطبق عليها وصف وتوصيف “الجريمة المشهد” (le crime spectacle)، والتي من خصوصياتها في علم الإجرام (la criminologie)، كونها بشعة ومركبة، كجرائم الدم، مثل القتل والضرب والجرح.. وهي جرائم تتضمن في الأن ذاته وتباعا أفعالا دامية، كالاعتداء بالسلاح الأبيض، وبثر الأطراف، وإلحاق جروح غائرة، والاستعانة بكلاب شرسة (..)؛ وتحدث وقائعها في فضاء عام أو فضاء مفتوح.. في مكان تتطلع إليه أنظار الجمهور، ويستهلكها عدد كبير من المواطنين. ما يكون سببا في رفع منسوب “الإحساس العام بانعدام الأمن” (sentiment d’insécurité).
و(الجريمة المشهد) هي بذلك، تتناقض وعرض المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN)، التي تشتغل، بمختلف مكوناتها ومصالحها المركزية واللاممركزة، وبمديريتها العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST)، وفرقها الوطنية والجهوية للشرطة القضائية، على الرفع لدى المواطنين والأجانب والمقيمين، من منسوب “الإحساس العام بالأمن”.
هذا، فإن مثل الجريمة المشهد، التي هزت عاصمة دكالة، والتي أصدرت بشأنها المديرية العامة للأمن الوطني بلاغا مديريا في حينه، والتي يمتنع بالمناسبة “يوتوب” و”فايسبوك”.. عن نشرها، والتي قد تعدت مشاهدة أحداثها الدموية، واستهلاكها، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي (تطبيق واتساب..)، من خلال “فيديو” تم التقاطه بالهاتف النقال، مباشرة من مسرح “الجرم المشهود” بمقتضى حالة التلبس (le flagrant délit)، حتى حدود المغرب، قد تخضع وقائعها للتحريف والتضخيم والتهويل، لغايات وأغراض مبيتة، من قبل أعداء الوطن، وأشباه الحقوقيين والجمعويين، وجهات تشتغل “تحت الطلب”، وتتلقى دعما ماليا من الخارج، وكذا، من قبل بعض وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، و”تجار الإجرام والعنف والرعب” والمؤثرين سلبا، الذين لا تخضع للمراقبة “منابرهم الإعلامية “، التي تكاثرت كالطفيليات، والتي تشتغل دون حسيب أو رقيب، في خرق صارخ لمقتضيات قانون الصحافة والنشر، وحتى القانون الجنائي.
والخطير أن بعض عديمي الضمير عمدوا لتوهم إلى الفبركة والخلط بين ضحية نازلة الاعتداء بالسلاح الأبيض، وتحريض كلبة شرسة عليه، وبين ضحية آخر، وذلك بنشر صور تظهر إحداها، الضحية الثاني، والذي قدم على أنه الضحية الأول، وهو ملقى على سرير في المستشفى، وذراعه اليمنى مبتورة منها يده، وفي صورة ثانية، تظهر اليد المبتورة خلف ظهره، فوق السرير.. ناهيك عن تداول “فيديو” يصب بنية سيئة مبيتة في الاتجاه ذاته.
كما أن مثل هذه الجرائم المشهد يعقبها عن قصد أو غير قصد، سيما كلما طويت المساحات، وتباعدت عقارب الساعة، الإشاعات والتعليقات المغلوطة والآراء المغرضة، وتغيير الوقائع والأحداث الأصلية، وتضخيمها وتهويلها. ما قد يرفع من منسوب “الإحساس العام بانعدام الأمن”.
التجويد رهين بتفعيل الاستراتيجية المديرية:
بغية استتباب الأمن والنظام العامين، الذي لن يتأتى إلا بمكافحة الجريمة تحت جميع أشكالها وتجلياتها، يتوجب إثارة مهام وأدوار الأمن الإقليمي، أمن الجديدة، وبالتحديد الأمن العمومي والشرطة القضائية، ومدى التقيد بتطبيق الاستراتيجية المديرية، التي تشتغل على الرفع لدى المواطنين والأجانب والمقيمين، من منسوب “الإحساس بالأمن”. ولعل ما يأتي في مقدمة ذلك، الكفاءات المهنية، والقدرة على تحمل المسؤولية، ووضع المسؤول المناسب في منصب المسؤولية المناسبة؛ وهذا ما فتئت تعمل عليه المديرية العامة للأمن الوطني، في عهد مديرها العام عبد اللطيف حموشي، الذي رفع، منذ أن تفضل جلالة الملك محمد السادس بتعيينه، سنة 2015، على رأس ال”دي جي إس إن”، شعار الإصلاح والتخليق والترشيد. وهذا ما يحتم وضع تحت المجهر التعيينات في مناصب المسؤولية، التي تمت باقتراح وتزكية من رئيس الأمن الإقليمي للجديدة السابق، المراقب العام (عزيز بومهدي).. وما يحتم تبعا لذلك، ترسيخا للاستراتيجية المديرية، فتح باب الترشح والتباري على تلك المناصب، في وجه موظفي الأمن الوطني، ممن تتوفر فيهم الكفاءات المهنية والمعرفية المميزة، بغية تدعيم المصالح الأمنية (مصالح الأمن العمومي والشرطة القضائية والاستعلامات العامة..)، سيما أن ثمة عمداء وضباطا للشرطة بأمن الجديدة، يتم الإبقاء عليهم، دون أسباب تذكر، “بدون مهمة”.. في وضعية “النقطة الميتة” (point mort).
هذا، وكانت الجريدة نشرت “تحقيقا صحفيا” تحت عنوان: “مناصب المسؤولية بالمصالح الأمنية اللاممركزة.. هل تخضع لمعايير الكفاءة وتكافؤ الفرص؟!”، يمكن، لكل من يهمه الأمر، وتعنيه مصلحة المرفق الشرطي، الرجوع إليه، لكل غاية مفيدة.
تفعيل مهام وأدوار الأمن العمومي:
إذا كان تدخل مصلحة الشرطة القضائية “بعديا”، لتفكيك لغز الجريمة، وإيقاف المتورطين، وإحالتهم على العدالة، فإن من المفترض والمفروض أن يكون تدخل الأمن العمومي، في لحظة وقوع الجريمة، أو “قبليا” و”استباقيا”، لردع الجريمة والحيلولة دون ارتكابها، من خلال تكثيف الدوريات الأمنية في الشارع العام، وانتشارها المعقلن.. غير أنه قد يكون ثمة أحيانا تقصيرا أو خللا ما، قد يكون سببا وراء حدوث الجريمة، كالجريمة المشهد، التي نفذها الجاني، صبيحة الثلاثاء الماضي، بسكين من الحجم الكبير، وبتحريض كلبة من فصيلة شرسة، يمنع القانون اصطحابها؛ الجريمة التي كان مسرحها الشارع العام، وسط عاصمة دكالة، وليس إحدى الدواوير الملحقة حديثا بالمدار الحضري، أو حيا من أحياء المدينة، المترامية الأطراف، أو مكانا بعيدا أو مظلما، تخلو فيه حركة السير والجولان!
هذا، وعقب هذه الجريمة المشهد، عرفت عاصمة دكالة، كما عاينت الجريدة، إعادة انتشار الدوريات الشرطية الراكبة، التي تجول طولا وعرضا الأحياء والتجمعات السكنية. انتشار يتعين أن يتسم بالمناسبة، من أجل نجاعته، بالاستمرارية في “الزمكان”، ليل-نهار، وطيلة أيام الأسبوع، وأن لا تطبعه الظرفية والمناسباتية.
مسؤول شرطي بمنصبين مختلفين:
منذ شهر فبراير 2018، وبعد مضي تحديدا 4 سنوات و8 أشهر عن تنقيل العميد الإقليمي (سيف الدين لعروسي)، إلى ولاية أمن بني ملال، قادما إليها من المنطقة الأمنية لسيدي بنور، حيث شغل رئيس فرقة الشرطة القضائية (BPJ)، وهذا المنصب ظل “شاعرا”، حيث كلف بتدبيره، منذ ذلك التاريخ، “بالنيابة” (par intérim) العميد الممتاز (صالح طالع)، الذي عينته المديرية العامة للأمن الوطني، شهر غشت 2017، بالمنطقة الأمنية لسيدي بنور، على رأس العمادة المركزية، باقتراح وتزكية من قبل المسؤول السابق (عزيز بومهدي)، الذي تربع، في حالة استثنائية غير معهودة، طيلة 8 سنوات، على الأمن الإقليمي للجديدة، الذي يشمل نفوذه الترابي إقليمي الجديدة وسيدي بنور، والذي يتكون بالمناسبة من أمن الجديدة، ومفوضيتي الشرطة بأزمور والبئر الجديد، والمفوضية الخاصة لميناء الجرف الأصفر (شرطة الحدود)، والمنطقة الأمنية الإقليمية لسيدي بنور، ومفوضية الشرطة بالزمامرة.
وهكذا، فإن المسؤول الأمني (صالح طالع) أصبح يؤمن في الآن ذاته تدبير منصبين شرطيين هامين وحساسين، وهما: منصب رئيس العمادة المركزية، الذي عين فيه رسميا، والتي تشمل الأمن العمومي، بدوائره الأمنية، وهيئته الحضرية.. ومنصب رئيس فرقة الشرطة القضائية “بالنيابة”، والتنسيق مع الفرقة المحلية للشرطة القضائية بمفوضية الزمامرة.. وكذا، مهمة مساعد رئيس منطقة سيدي بنور، في ظل صعوبة التوفيق بين هذه المصالح والمهام النوعية، المختلفة والمتعددة.. ما يحد من نجاعة معالجة القضايا والملفات، ومن جودة التدخلات والخدمات الأمنية والإدارية؛ وما قد ينعكس على المردودية المتوخاة، وبالتالي، على حسن تدبير وسير المرفق الشرطي. وقد كانت الجريدة نشرت “تحقيقا صحفيا” في الموضوع، تحت عنوان: “منصب رئيس الشرطة القضائية بسيدي بنور رسميا شاغر منذ 5 سنوات.. حتى إشعار آخر!”، يمكن الرجوع إليه لكل غاية مفيدة.
وعليه، فكيف لهذا المسؤول الشرطي (صالح طالع)، ودون التشكيك في نزاهته أو التقليل من كفاءته المهنية، أن يجري، بصفته رئيس الأمن العمومي، تدخلا أمنيا، لحظة وقوع جريمة، وينجز، وفق مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، إجراءات مسطرية جزئية، يتلقى بشأنها التعليمات من رؤسائه القضائيين، من النيابة العامة المختصة، ثم يحيلها، بصفته هذه، بعد التنسيق وتلقي التعليمات من النيابة العامة ذاتها، على نفسه، بصفته الثانية، صفة رئيس فرقة الشرطة القضائية، والذي دوره وتدخله يكون “بعديا”.. للاختصاص، لتعميق البحث..؟! إنه حقا أمر شبيه بما أقدم عليه رئيس جماعة ترابية، راسل، بصفته هذه، نفسه، بصفته الثانية، صفة مسؤول حكومي، بغية تخصيص عقار، لبناء مرفق عمومي..!

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى