مدارس الفاتح بالمغرب.. في صالح من يستمر الإغلاق رغم رحيل الأتراك؟‎

قبل حوالي سنة من الأن ، أصدرت السلطات المغربية قرارا مفاجئا بإغلاق مجموعة مدارس الفاتح التركية بالمغرب و سحب رخص التدريس منها بسبب ما اعتبره البلاغ الصادر أنذاك بأنها “تجعل من الحقل التعليمي والتربوي مجالا خصبا للترويج لأيديولوجية هذه الجماعة ومؤسسها، ونشر نمطٍ من الأفكار يتنافى مع مقومات المنظومة التربوية والدينية المغربية”.

وحسب البيان الصادر أنذاك من وزراة الداخلية المغربية فإن مسؤولي المدارس المذكورة لم يستجيبوا لتنبيهات وزارة التربية الوطنية من أجل تصحيح الاختلالات والتلاؤم مع المقتضيات القانونية والمناهج التعليمية المعمول بها، ولهذا تقرر إغلاق جميع تلك المؤسسات التعليمية، قبل أن تتدخل وزارة التربية و التعليم لتؤكد إلحاق كافة التلاميذ الذين يتابعون دراستهم بهذه المؤسسات التعليمية بمدارس أخرى.

مؤسسات الفاتح بالمغرب و وفق المعطيات التي تحصلت عليها هبة بريس، كانت متخصصة في المستويات التعليمية من الابتدائي حتى السلك الثانوي و تقدم خدماتها لما يزيد عن 2500 طالب منهم 2470 تلميذا مغربيا والباقون أتراك، حيث انطلقت مدارس “محمد الفاتح” في المغرب سنة 1993 ولها ثمانية فروع في مدن طنجة والدار البيضاء وفاس وتطوان والجديدة، و كان المغاربة يشكلون ضمن هيئة التدريس نحو 90%، في حين يتكفل الأتراك بتدريس المواد العلمية في مستوى البكالوريا الدولية باللغة الإنجليزية.

التعليم بالمغرب .. كارثة تسير بالبلاد نحو الهاوية

عرف قطاع التعليم بالمغرب، منذ فجر الاستقلال إلى اليوم، عدة إصلاحات، بتعاقب الحكومات والأجيال المتوالية، شكلت على إثرها العديد من اللجان، انكبت دراسة وتحليلاً على قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصورات وغايات متوسطة وبعيدة المدى لمنظومة التربية والتكوين.

كل هاته القرارات و البرامج سرعان ما انتهت بالفشل دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع الأصعدة الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية، طالما أن أي إصلاح تعليمي يتناول فقط، بالمعالجة والدرس والتحليل البرامج والمناهج والمقررات الدراسية والكتب المدرسية، ويرفع شعارات، ويقدم إنشاءات شمولية وفضفاضة، لن يجدي نفعا، ولن يتجاوب مع الغايات المرجوة وطموحات المواطن المغربي.

“إن مؤشرات وتقارير عالمية تجعلنا نفهم ونعترف كم نحن فاشلون”، هاته الجملة التي قالها ذات يوم الوزير رشيد بلمختار حين كان مسؤولا أولا في تلك الحقبة على قطاع التعليم بالمغرب تجعلنا فعلا ندرك أن التعليم بالمغرب يعيش وضعية صعبة و دخل في غيبوبة متقدمة إن لم نقل أنه الأن بمرحلة الإنعاش يحتضر و يجتر أخر الأنفاس.

و كانت أخر التقارير الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي قد صنفت المغرب في المرتبة 101 من بين 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم، بمعدل 3.6 نقطة من أصل 7، مسبوقا بكولومبيا ومتبوعا بدولتي أدربيدجان وبوتسوانا، لينضاف هذا التقرير حول التنافسية العالمية إلى تقارير أخرى جعلت المغرب في آخر ترتيب جودة التعليم.

المدارس الخصوصية .. بديل للرفع من جودة التعليم و مستوى المتعلم

يعتبر التعليم الخصوصي شريكا أساسيا للدولة، ومكونا من مكونات المنظومة التربوية، بعد أن بات يشهد، في السنوات الأخيرة، إقبالا متزايدا من قبل الأسر المغربية على الرغم من تكلفته التي ترهق كاهل أولياء الأمور.

وترى بعض الأسر التعليم الخصوصي بديلا أنسب لضمان تعليم جيد للأبناء، عبر الانضباط في الوقت وعدم غياب الأساتذة، وتوفير شروط ملائمة لتعليم يواكب متطلبات العصر، ومنفتح على أنماط جديدة ومتنوعة، تساهم في تثقيف التلاميذ وتطوير ملكاتهم وصقل مواهبهم.

و نظرا للإقبال المضطرد في نسب تسجيل الأبناء بالمدارس الخاصة ، لجأ العديد من رجال الأعمال المغاربة للاسثتمار في قطاع التعليم عبر ضخ رساميل ضخمة بالملايير لتشييد مؤسسات تعليمية بمواصفات عالمية و تجهيزات عصرية و حديثة في قطاع التربية و التعليم خاصة بالمدن الكبرى كالدار البيضاء.

و من بين هاته المدارس التي صرفت عليها ميزانيات مهمة لتطوير و إصلاح قطاع التعليم الخاص ببلادنا نذكر تلك المؤسسات التي تم تفويتها بعقود كراء لمجموعة مدارس “الفاتح” التركية و التي أغلقتها فيما بعد السلطات المغربية دون أن تكلف نفسها عناء إيجاد حلول بديلة تضمن لهؤلاء المستثمرين ثقتهم في الاسثتمار بوطنهم و للتلاميذ و المدرسين بتلك المؤسسات كرامتهم و حقوقهم.

إغلاق مدارس الفاتح .. في صالح من يستمر هذا الإغلاق غير المبرر؟

رغم أن قرار السلطات المغربية بإغلاق مجموعة مدارس الفاتح بالمغرب قد تم قبل حوالي سنة و أغلقت فعلا تلك المدارس أبوابها و تم توزيع التلاميذ على باقي المؤسسات و ذلك وسط الموسم الدراسي بشكل لم يراعي مصالح هؤلاء المتمدرسين و لا أولياء أمورهم و لا حتى الهيئة التعليمية ، غير أنه و بعد مرور كل هذا الوقت ما تزال الجهة التي أصدرت القرار الأول تتخبط في ارتجالية كبيرة و ضبابية في الموقف بشأن مصير تلك المؤسسات.

رحلت إذن المجموعة التركية التي كانت تكتري تلك البنايات من أصحابها المغاربة الذين صرفوا الملايير على تشييدها ، و اختفت المناهج التركية التدريسية بشكل نهائي من المغرب ، لكن لماذا ظلت تلك المدارس مغلقة رغم أن أصحابها المغاربة راسلوا الوزارة المعنية لاستصدار تراخيص جديدة تحث على توفير مناخ تعليمي ملائم وفق المناهج المغربية و البيداغوجية التي تنص عليها الوزارة في مقتضياتها و دفاتر تحملاتها.

و رغم أن مالكي تلك البنايات و المؤسسات قد عبروا منذ الوهلة الأولى عن انخراطهم الإيجابي و تجاوبهم الفعلي الكلي مع كل قرارات الدولة خدمة لمصالح الوطن ، غير أن تعنت الجهات المصدرة لقرار المنع لحدود الساعة رغم رحيل الأتراك عن تلك المؤسسات يفتح باب التأويلات على مصراعيه ، ليظل السؤال العريض: “في صالح من تريد تلك الجهات استمرار قرار غلق تلك البنايات رغم تأكيد أصحابها الذين صرفوا عليها الملايير لتشييدها أنهم مستعدون لتغيير الإسم و البرامج و المناهج تماشيا مع قرارات الوزارة الوصية؟”.

رحل الأتراك و رحلت مناهجهم.. فهل تعيد السلطات الثقة و الحقوق للمسثتمرين؟

ضرر كبير ذاك الذي لحق المستثمرين المغاربة الذين يتوفرون على عقود ملكية تلك البنايات التي شغلتها مجموعة مدارس “الفاتح” بالمغرب بموجب علاقة كرائية لا أقل و لا أكثر ، حيث تم فسخ العقد الكرائي مباشرة فور صدور قرار السلطات بمنع الأتراك و مناهجهم من المدارس الخصوصية بالمغرب.

و الغريب في الامر أنه و في الوقت الذي تصرف فيه الدولة ملايير الدراهم لتحسين جودة التعليم عبر تغيير المناهج و المقررات و البرامج و المخططات التي من فرط عددها لم نعد ندرك ماذا يريد القائمون بالضبط على تدبير ملف التعليم بالمغرب من هذا القطاع ، نجد في الطرف الاخر أن هناك مسثتمرين و رجال أعمال خواص يساهمون بقدر إمكانياتهم في عمليات الإصلاح عبر تشييد مؤسسات توفر تعليما بجودة عليا لا تقارن بما تقدمه اليوم المدرسة العمومية و هذا واقع لا يمكن بأي حال من الأحوال إخفاءه.

و رغم أن منع المناهج التركية بالمغرب قد تم فعلا برحيل كل ما يمت لمجموعة مدارس الفاتح بالمغرب بصلة ، غير أن استمرار إغلاق تلك البنايات دون تقديم سبب مقنع يسائل هؤلاء الجالسين بمكاتفهم المكيفة بالرباط الذين يتهربون من المسؤولية بعبارة “القرار جاي من لفوق” ، و هو ما جعل مالكي تلك البنايات الذين يريدون تغييرها لمؤسسات تعليمية بمناهج مغربية في حيرة من أمرهم بعدما طرقوا كل الأبواب و لا أحد أراد أن يتحمل المسؤولية و لو بجزء يسير منها ، هي مجرد بنايات لا أقل و لا أكثر فلا تتحججوا بالمناهج و البرامج إن كانت فعلا نيتكم صادقة.

هذا الأمر ، يطرح من جديد إشكالية التخفي دوما وراء المصالح المركزية لتبرير القرارات التي دائما ما تحيط بها الضبابية و العتمة لدرجة أضحت عبارة “القرار جاي من لفوق” أسهل رد للتملص من المسؤولية رغم أن القوانين و الأعراف واضحة في مثل هاته الحالات ، فمن سيتحرك إذن لرد الاعتبار لهؤلاء المستثمرين و للتلاميذ الذين تم توزيعهم أو بالأحرى “تشتيتهم” على مختلف مدارس المغرب و تشريد هيئة التعليم التي كانت تعيل مئات الأسر، سؤال سيظل معلقا لأن يتحمل “أحدهم” مسؤوليته الأخلاقية قبل القانونية خاصة أن مصلحة البلاد التي اقتضت بالأمس منع الأتراك و مناهجهم هي ذاتها مصلحة البلاد التي تقتضي اليوم رد الاعتبار و الحقوق لأصحابها ضمانا لجودة أفضل في التعليم بهذا الوطن الذي يئن في صمت…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى