من يحمي هواة القنص من رصاص بنادقهم؟

يبدو أن رخصة حمل سلاح القنص أصبحت تشكل خطرا على سلامة القناص بعينه، وذويه وعائلته وعشيرته وقبيلته، خاصة مع ارتفاع وثيرة الانتقام ببنادق الصيد التي باتت تؤتث المشهد على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الاعلامية.

اعتقدنا واعتقد معنا الجميع، أن منح رخص الصيد لأصحابها يأتي في إطار تمتيع هؤلاء بحقهم في ممارسة هواياتهم المفضلة في اقتناص طرائدهم حجلا وأرانب وحماما بالهضاب والجبال والمداشر الوعرة، اعتقد الجميع أن بهذه التسهيلات في منح التراخيص، يجد المرء ضالته في خلق أجواء من الفرجة والتعارف والترويح عن النفس وممارسة رياضة المشي بحذر في مطاردة طرائده، اعتقد البعض أن بمجرد الادلاء بالوثائق الرسمية والشواهد التي تثبت أحقية هاوي القنص في حمل هذا السلاح يكون المرء في مأمن…لكن الأحداث المتسارعة التي عرفها اقليمي برشيد وسطات في الآونة الأخيرة ما فتئت أن شكلت وبالا ونقمة على عشاق هذه الهواية، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى إعادة النظر في التعامل مع بنادقهم تجنبا للمساءلة القانونية، مما يفرض عليهم أن يبقوا حذرين متأهبين حريصين على وضع أسلحتهم في مكان آمن بعيدا عن أيادي المتسرعين، قبل وقوع الكارثة.

الأيام القليلة الماضية كانت حافلة بالأحداث الدامية في صفوف المواطنين بكل من اقليمي سطات وبرشيد، اندلعت أولى شراراتها مع اطلاق رصاصات قاتلة من بندقية صيد من عاصمة أولاد احريز وبالضبط من جماعة سيدي رحال الشاطئ، حين أقدم قاصر على توجيه فوهة بندقية صيد تعود لوالده صوب مجموعة من المواطنين بالشارع العام، أرسلت اثنين منهم للقاء الله عز وجل، وآخرين لتلقي الاسعافات الأولية بالمستشفيات، تاركا المكان عبارة عن مسرح لجريمة بشعة حولت الجماعة الشاطئية إلى قبلة للباحثين عن الخبر، ومجمعا للمحققين لجمع كافة المعلومات الكفيلة بفك كافة خيوط هذه الواقعة…اعتقل القاصر ووالده صاحب البندقية وفتحت محاضر الدرك في وجههما تحقيقا وتدقيقا استعدادا لتقديمهما إلى العدالة.

لم يجف حبر محاضر الدرك الملكي التابعة لسرية برشيد بالقيادة الجهوية للدرك الملكي بسطات، حتى جاء الخبر القادم من منطقة امزاب، وبالضبط من قلب جماعة النخيلة ضواحي ابن احمد، جاء وجاءت معه الحصيلة ثقيلة، شقيق وابنه وزوجة المشتبه فيه، كلهم إلى لقاء الله.

هنا، زمجرت محركات عربات الدرك الملكي لتغير وجهتها صوب دوار أولاد بوراية، حيث احتشد الجمع، ونصبت خيام المعزين من ساكنة الجماعة والدواوير المجاورة، وبدأت الألسن في حياكة الروايات ونسج فصولها، انطلاقا من تحديد هوية المشتبه فيه ومروروا باحصاء ضحايا هذه المجزرة التي كانت بندقية صيد مرخصة هي بطلة الأحداث فيها.

وقف محققو الدرك الملكي تحت اشراف قائد سرية سطات على مجريات البحث والتقصي والاستماع إلى شهود وأخذ العينات، ومن بين ثنايا ذلك، ارتفعت أصوات البكاء والعويل وضرب الأكف ببعضها حسرة وندامة….الكل يعيد الكلام وذات العبارات ” اللهم ارحمنا هذه علامات الساعة…”.

جيء بسيارات الإسعاف لنقل الضحايا اتباعا صوب مستودع الأموات بمستشفى الحسن الثاني بسطات…ثلاث جثت من عائلة واحدة، يتعلق الأمر بزوجة المشتبه فيه الأربعينية ” س.ف” تاركة وراءها طفلين، وشقيقه ” ع.ب” الذي لم يبلغ بعد سن السبعين، وابن شقيقه الأربعيني العازب” ج.ب”.

المعلومات الأولية، أفادت أن هذه الواقعة الدموية من المرجح أن يكون لها ارتباط بشكوك المشتبه فيه بخيانة زوجته له مع ابن أخيه، فيما ذهبت مصادر أخرى إلى حد القول بأن الجريمة قد لها علاقة بصراع عائلي حول الإرث، لتبقى التحقيقات التي تباشرها الجهات المختصة كفيلة بفك كافة خيوط هذه الفاجعة الدموية.

اعتقل المشتبه فيه وأحيل على أنظار الوكيل العام لدى استئنافية سطات لتوسيع دائرة التحقيق معه.

اعتبرت هذه الأيام بمثابة “أيام نحس” بالنسبة لحاملي رخص القنص بمختلف مدن المغرب، منهم من استنكر الواقعة وطالب بوضع حد للاستعمال العشوائي لهذه البنادق، فيما آخرون حملو المسؤولية كاملة لأصحابها ممن لم يلتزموا بالقواعد القانونية المتعارف عليها، وتركوا هذه الأدوات القاتلة في متناول الجميع دون وضعها في أماكن خاصة بحراسة خاصة، فيما طالب آخرون الجهات المعنية بتشديد الاجراءات القانونية أثناء منح التراخيص، وتطبيق الرقابة الصارمة على كل من يحمل رخصة سلاح للقنص، فيما اقترح آخرون أن يتم جمع جميع هذه البنادق وايداعها لدى السلطات المختصة، مع إعادة توزيعها على أصحابها خلال فترة انطلاق موسم القنص، وعدم تركها في متناولهم طيلة السنة حقنا لدماء الأبرياء، وحماية من سوء استعمالها من طرف أقاربهم.

الحادثان الدمويان المتفرقان اللذان خلفا اتباعا خمسة قتلى وجرحى بكل من اقليمي سطات وبرشيد، تحولا إلى مادة للنقاش العمومي على منصات التواصل الاجتماعي، حول ذات الطريقة التي تمت بها تصفية الضحايا باستعمال الرصاص من بندقيتي صيد، وهما الحادثان اللذان لا محالة سيفتحان باب النقاش على مصراعيه من جديد، قد تعيد النظر في الاجراءات والتدابير القانونية الموصى بها في منح رخص القنص حسب رأي كثيرين.

ومن المتتبعين، من طالب باخضاع حاملي هذه الأسلحة للتأطير والتكوين النفسي والسيكولوجي، لاسيما وأن حمل سلاح القنص هذا، أصبح يشكل خطرا على سلامة أصحابه وأقربائه وعموم المواطنين بالشارع العام.

ليبقى السؤال معلقا ومحيرا مفاده: من سيحمي يا ترى هواة القنص من بنادقهم؟

أسئلة وأخرى يجب على الجهات الوصية التفكير في إيجاد حلول آنية لمعالجتها والاجابة عنها بطرق مبتكرة ترفع من درجة اليقظة أثناء التعامل مع السلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى