الربيع العربي والحكومات الإسلامية.. هل هي بداية الخريف؟

لا يختلف اثنان ولا تتناطح عنزتان عن كون رياح ما باتت تعرف الربيع العربي قد رسمت خارطة طريق سياسية بعالمنا العربي، وأفزرت نخبا سياسية استطاعت أن تنال حصتها من الكعكة السياسية على ظهر الأحداث المتسارعة التي خيمت على المشهد السياسي سواء اقليميا أو دوليا.

الشرارة التي انطلقت من تونس الجميلة عبر ثورة الياسمين التي عصفت بنظام بن علي الذي عمر طويلا لينتهي المشوار السياسي به هربا، انتقلت حينها لتحرق الأخضر واليابس ببعض الدول، ومن بين ثنايا ذلك كان للأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية النصيب الأوفر، مستغلة هامش الحريات وتصاعد الاحتجاجات المطالبة بتغيير الوجوه القديمة، وبالتالي قادت التجربة الربيعية.

هذه الأحزاب ذات المرجعيات الاسلامية، تقلدت زمام أمور تدبير الحكومات وتقلدت المناصب الحساسة، مستفيدة من انهيار أنظمة سياسية كالنموذج المصري والتونسي والليبي… لكن سرعان ما اتسعت رقعة دائرة عدوى الاحتجاجات الربيعية ليطال حريقها بلدان عربية أخرى كسوريا مثلا وما تلاه من تسارع للأحداث بها البلد العربي أدخله في دوامة الفوضى.

المغرب في سياق الأحداث المتسارعة ذاتها، كانت له رؤية أخرى ومنهج آخر استطاع من خلاله تجنيب البلاد والعباد ويلات الحروب والتطاحنات القادمة بطعم الشعارات الفضفاضة المزيفة بلون الحرية والتحرر.

فكانت الرؤية الملكية الحكيمة للعاهل المغربي محمد السادس حفظه الله، كافية لقلب الموازين، وخلق بيئة سياسية ديمقراطية أطرتها مضامين دستور 2011، الذي جاء متقدما ونال ثقة المنتظم الدولي، دستور ضمن الحقوق والحريات ولبي جميع المطالب والشعارات التي رفعت إبان رياح الربيع العربي.

التجربة السياسية التي قادتها هذه الأحزاب السياسية ذات المرجعيات الاسلامية ببلداننا المغاربية والعربية، تميزت بالضبابية وعدم وضوح الرؤى، وبدأ مواطنو هذه الدول يفقدون الأمل رويدا رويدا، لاسيما وأن الإصلاحات التي تبنتها بعض من هذه الأحزاب الإسلامية لم تبلغ مبلغ المطالب والانتظارات التي كانت سببا مباشرا في خروج الأصوات للشوارع.

من هنا، بدأت تتشكل تيارات وأصوات مطالبة بالتعجيل بتنزيل الاصلاحات، وبعد توالي السنوات، بدأت هوة الثقة بين المواطنين والنخب السياسية والطبقة الحكومية بمرجعياتها الاسلامية تتسع، وتفقد بريقها، وأضحى رأي المتتبع السياسي يجزم بأن هذه التجربة السياسية لا محالة سيكتب لها الفشل.

لم ينتظر الشارع المصري حينها طويلا حتى خرج مغيرا _ على الرغم من أن هذا الطرح خلق جدلا_، لكن في عموميته بدى الشارع شبه موحد على إزالة التجربة الاسلامية، ذات الطرح، بدت عليه الشقيقة تونس، بدورها تدخل رئيسها قيس سعيد، ليضع حد لما وصفه بالفوضى داخل المؤسسات التشريعية، فكان نصيب البرلمان منه أنه تم تعليق العمل به، وهو الذي كان بيد حزب النهضة ذات المرجعية الاسلامية..

المشهد السياسي هذا، حسب العديد من المتتبعين والمحللين، بدى وكأنه يوحي بنهاية دور هذه الأحزاب التي جاءت بها رياح الربيع العربي في تقلد مناصب القيادة، لتطوى بذلك مرحلتها بلار جعة بذات الأسلوب الذي جاءت به.

والمغرب على أبواب الاستحقاقات الانتخابية، يسود ترقب كبير حول مآل حزب العدالة والتنمية التي قاد التجربة الديمقراطية لفترتين متتاليتين، وهي التجربة المغربية الفريدة من نوعها مقارنة مع تجارب دول الربيع العربي، فالتجربة المغربية الديمقراطية ضمنها دستور 2011، عبر نتائج صناديق الاقتراع، فهل ذات الصناديق ستخلق الحدث وتفرز عن نتائج قد تعصف بالحزب الحاكم؟

سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الحالية، في لقاء صحفي على قناة مغربية، أشار أن حزبه سيلعب دوره في خدمة البلاد سواء من موقعه كمعارضة أو كأغلبية، لكن الرجل يبدو من خلال مداخلاته أنه يعي مايقول لاسيما وأن نظرته للمستقبل السياسي تؤطرها نتائج ممثلي اللجان الثنائية الأخيرة التي عاقبت ذراعه النقابي.

العثماني، بدى في الوقت متفائلا ومدافعا عن حصيلة حكومته وانجازاتها التي كان لها الفضل على الطبقة الاجتماعية، من قبيل الزيادة في الأجور والتعويضات، وكذا تشجيع الفئات الهشة والرفع من الدعم الموجهة إليها، لكن هذا الرأي لا يوافقه فيه كثيرون، ممن رأوا في القرارات الحكومية خلال الولايتين معا كان لها الوقع السلبي على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية من قبيل ارتفاع الاسعار مقارنة مع حجم التعويضات والزيادات في الأجور التي تحدث عنها الرجل.

كما لم يخف العثماني موقفه من التنسيق المبدئي مع حزب الأصالة والمعاصرة، على الرغم أن البعض وصفه بالتحالف، لكن الرجل جزم بأن ذلك لم يتجاوز حد التنسيق فقط، نافيا أن يكون حزبه قد تحالف مع غريمه بالأمس، وهو الذي كان يوصف بالخطوط الحمراء…لكن في السياسة يبقى كل شيء مباح حسب رأي كثيرين.

العثماني ظل على هامش هذا المستجد المتعلق بالتقارب مع حزب الجرار، متشبتا بقوله أن الأمر لايعدو سوى أن يكون اجتماعا بعيدا حتى عن التنسيق، مشيرا أن حزب الأصالة والمعاصرة هو من بدأ في محاربة حزب العدالة والتنمية، وبما أنهم أرادوا تغيير موقفهم من حزبنا فلا بأس، وعفا الله عن ما سلف، وكل ذلك يصب في مصلحة التحالفات بين الاحزاب.
فهل الربيع العربي الذي أتى بالحكومات ذات المرجعيات الإسلامية، قادر أن يتحول إلى خريف ينهي حصاد هذه الأخيرة، وبالتالي نكون أمام تجارب سياسية أخرى؟ ذلك ما ينتظره المنتظرون من نتائج صناديق انتخابات شتنبر المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى