المرابط.. إرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر والنشيط أولى أولويات إصلاح منظومة التربية والتكوين

 

1. نص القانون الإطار 51.17 على تحديث برامج التوجيه المدرسي والمهني. ما هي مؤشرات هذا التحديث؟

بالنسبة للقانون الإطار 51.17 نجد أنه نص في المادة 34 على ضرورة مراجعة شاملة لنظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، كما أن هناك مقتضيات أخرى ذات الصلة بالمجال متفرقة في مجموعة من مواد هذا القانون. فالمراجعة الشاملة تعنى أنه هناك مجموعة من الأمور التي ينبغي أن يعاد فيها النظر، ومنها أساسا التنصيص على الطابع المستعرض لهذه النظام باعتباره يغطي جميع مكونات المنظومة. لهذا نجد أن القانون الإطار يتحدث عن نظام للتوجيه وليس عن أنظمة للتوجيه بالجمع. هو إذن نظام واحد للتوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي كنظام مندمج متكامل يغطي جميع مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في شموليتها، وهذا من الأوجه الكبرى لمؤشرات التحديث التي تفضلتم بطرحها في سؤالكم.

2. تلعب هيئة التدريس والإدارة التربوية دورا محوريا في عملية التوجيه. ما هو دور الأسر؟ وهل من استراتيجية للتواصل والتعبئة في هذا الاتجاه؟

قبل الحديث عن الأسر لابد من إشارة بسيطة لأدوار كل المتدخلين في عملية التوجيه لأننا عندما نتحدث عن نظام شامل للتوجيه فشموليته تكمن في تعدد وتنوع المتدخلين فيه. فالتوجيه كان ينظر إليه على أنه من مسؤولية المستشار في التوجيه التربوي، المسمى مجازا “الموجه”، في المؤسسات التعليمية الثانوية الإعدادية والتأهيلية، ولكن هذا المستشار ليس هو المسؤول الوحيد، وهذا أيضا من أوجه ودلالات تحديث نظام التوجيه؛ أي أننا أصبحنا نتحدث عن أبعاد متعددة لمنظومة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي: هناك بعد تربوي بيداغوجي يقع تحت مسؤولية هيئة التدريس عبر إكساب المتعلم لكفايات الاختيار التي تمكنه من تحديد اختياراته وتوجهاته في إطار مشروعه الشخصي؛ وهناك أيضا بُعد مسطري إداري وتقني وهو من مسؤولية الإدارة التربوية المدعوة إلى توفير المناخ والظروف والأنشطة التي من شأنها مساعدة المتعلمين على اختيار توجيههم في مجال الدراسات والتكوينات والمهن. كما أن للتوجيه بُعد تخصص يتجلى في أدوار المستشارين في التوجيه التربوي، كمتخصصين في المجال.
وينضاف إلى كل الفاعلين داخل المؤسسة بمختلف أدوارهم، الأسرة باعتبارها مؤسسة التنشئة الاجتماعية والمؤسسة التربوية الأولى التي تحتضن وتدعم وتؤثر على اختيارات المتعلمين. ومن ثم فأدوار الأسرة أساسية ومحورية، حيث يمكننا الجزم اليوم أن الأسر تتدخل في غالب الأحيان في اختيارات أبنائها إما سلبا أو إيجابا، حيث نجد العديد منها تختار بدلا عن أبنائها، ويمكن أن تؤثر هذه الاختيارات سلبا على مسارات المتعلمين، كما نجد في المقابل أُسرا تؤثر بشكل إيجابي على اختيارات أبنائها عبر دعمها، وهذا هو ما نطمح إليه بحيث نسعى أن تكون تأثيرات الأسر داعما إيجابيا للمشاريع الشخصية لأبنائها.
وعلى مستوى استراتيجية التواصل مع الأسر من خلال المشروع الذي نتحدث عنه، فقد أضفنا نتيجة خاصة من نتائجه تتجلى في تأطير علاقة المؤسسات التعليمية مع الأسر في كل ما يتعلق بمشاركتها في مواكبة المشاريع الشخصية لأبنائها. فليست للوزارة سلطة على هذه الأسر في علاقتها مع أبنائها، لكن جهودنا تنصب في تعزيز آليات وقنوات التواصل والانفتاح عليها عبر أنشطة تحسيسية تواصلية، إما عبر جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، أو عبر جمعيات المجتمع المدني من خلال ما تتيحه الشراكات، أو عبر آليات التواصل من بلاغات ومقالات صحفية توجه للرأي العام، أو من خلال إنتاج كبسولات ووصلات تحسيسية تذاع وتبث عبر القنوات والإذاعات الوطنية، أو عبر برامج تلفزية تربوية يسلط فيها الضوء على دور الأسرة في عملية التوجيه. وبشكل مؤسساتي، من المبرمج وضع آلية للإشراك المنتظم للأسر في مواكبة تمدرس وتوجيه أبنائها في إطار علاقة مباشرة مع المؤسسات التعليمية. واليوم، توفر تطبيقات “مسار موبيل” التي اعتمدتها الوزارة مؤخرا خدمات متعددة يمكن من خلالها التواصل الفعال مع الأسر في كل القضايا التي تهم أبناءها ومنها مسألة التوجيه.

3. ماهي الآليات الكفيلة بتفعيل مضامين المشروع ميدانيا، وخاصة الشق المتعلق بتفعيل المواكبة التربوية البيداغوجية ومبدأ الأستاذ الرئيس إلى جانب إرساء الفعل الجماعي للتوجيه بالمؤسسات التعليمية؟

أولا لابد من توضيح مفهوم “الأستاذ الرئيس”، حيث ينبغي أن لا يُفهم منه أنه أستاذ رئيس على زملائه أو شيئا من هذا القبيل، بل أستاذ يتولى مواكبة قسم إلى أربعة أقسام يدرسها بهدف مساعدة المتعلمين بها من رصد تعثراتهم وتجاوزها، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة المدرسية، وكذا مواكبتهم في سيرورة مشاريعهم الشخصية، عبر الحرص على اكتساب المتعلمين للمعارف والكفايات التي من شأنها جعلهم قادرين على بناء اختياراتهم وتحديد أهدافهم المستقبلية بكل يسر ووضوح، فباختصار هذه هي وظيفة الأستاذ الرئيس في إطار ما سميناه بالمواكبة التربوية البيداغوجية من زاوية الأستاذ دون أن يتعدى دوره إلى العمل التخصصي في مجال التوجيه الذي يبقى من اختصاص المستشار في التوجيه التربوي.
ولتفعيل آلية “الأستاذ الرئيس”، هناك أولا التكوين المستمر للأساتذة الرؤساء الذين بلغ عددهم هذه السنة ما يزيد عن 34200، حيث تم إصدار إطار منهجي في الموضوع واستفاد لحدود اليوم ما يقارب 10000 أستاذا رئيسا منه من التكوين في مواضيع متعلقة بتدبير المواكبة التربوية البيداغوجية التي تقوم خطة عمل مشتركة مع المتعلم ذاته، والتي تعتبر عَقد مواكبة بينه وبين الأستاذ الرئيس، والتي تتضمن التزامات المتعلم في ما سيقوم به من أنشطة، بمواكبة من طرف الأستاذ الرئيس. فالتكوين الذي يتلقاه هذا الفاعل التربوي هو تكوين معرفي يركز على كيفية اشتغال الأستاذ الرئيس مع التلاميذ.
وبالإضافة لآلية “الأستاذ الرئيس” كآلية جديدة، هناك حقيبة تربوية تتضمن مجموعة من الموارد والأنشطة التي ستمكن الأستاذ الرئيس من الاشتغال بها مع المتعلمين، وهذه الحقيبة المنجزة بدعم من مكتب منظمة اليونسيف بالرباط، من المنتظر أن تكون جاهزة ورهن إشارة مختلف المؤسسات التربوية بها مع مطلع الدخول المدرسي المقبل.

4. ما الأشواط التي قطعها نهج إرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر والنشيط المدرسي والمهني والجامعي؟

اليوم نقترب من مرور سنتين كاملتين من صدور القانون-الإطار الذي نص على مراجعة نظام التوجيه. لكن قبله، كانت هناك رؤية استراتيجية عززها هذا القانون، وكانت هناك عدة مشاريع إصلاحية لهذا النظام منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرورا بالبرنامج الاستعجالي، والتدابير ذات الأولية والمشاريع المندمجة، وصولا إلى مشاريع تفعيل أحكام ومقتضيات القانون الإطار التي نحن بصدد الحديث عنها اليوم.
وطيلة هذه السيرورة الإصلاحية، تم تفعيل العديد من التدابير التي من أجدِّها وأهمها اليوم، إرساء مبدأ “الأستاذ الرئيس”، حيث تم لأول مرة إشراك الأساتذة بشكل مؤسسي في دعم المشاريع الشخصية للمتعلمين عبر الدور الذي تحدثنا عنه سابقا.، كما أننا حققنا لغاية اليوم نسبا جد مهمة في إرساء هذا المشروع ميدانيا تتعلق أساسا بتكوين الأساتذة والفاعلين فيما يتعلق بالتوجيه، ومنها أيضا إدماج مجزوءات خاصة بتكوين مختلف الفاعلين المعنيين بالتوجيه على مستوى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، كما أننا قمنا بالرفع من عدد المستشارين في التوجيه التربوي ضمانا لتجويد فعال لخدمات التوجيه التخصصية على مستوى المؤسسات التعليمية، بحيث فوج مستشاري التوجيه لهذه السنة بلغ 350 مستشار ومستشارة، وهو رقم قياسي يسجل لأول مرة في تاريخ المنظومة، على أن يصل هذا الرقم سنة 2025 إلى مجموع 1400 مستشارا إضافيا، وهو ما من شأنه سد الخصاص وتغطية عموم الأقاليم والجهات. كما أن هناك تدابير وإجراءات أخرى تسير بخطى واثقة تتمثل أساسا في خلق فضاءات للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي داخل المؤسسات التعليمية، وتأطير العمل التخصصي، ورقمنة خدمات التوجيه عبر منظومة “مسار” أساسا إلى غيرها من الإجراءات والتدابير الأخرى.

5. ما هو الدور المحوري والأساسي الذي يلعبه التوجيه المدرسي والمهني والجامعي في المنظومة التربوية؟

بطبيعة الحال عندما نتحدث عن منظومة التربية والتكوين وعن وظائف المؤسسة التعليمية، نجد جملة من هذه الوظائف، ومنها الوظيفة التعليمية للمؤسسة القائمة على تعليم المتمدرسين العلوم واللغات والمعارف وإكساب الكفايات، والوظيفة التثقيفية المتعلقة بنقل الثقافة والهوية المغربية مع الانفتاح على الثقافات الأخرى، وهناك وظيفة التنشئة الاجتماعية التي تلعبها المؤسسات التعليمية إلى جانب الأسر من خلال مجموعة من المهارات الحياتية ومجموعة من القيم. وإلى جانب كل هذه الوظائف، تبقى الوظيفة التوجيهية للمؤسسة من أدق وظائفها، وهي التي تتجلى في إعداد المتعلمين للاندماج في الحياة العملية عبر تسليحهم بالمهارات والكفايات التي تيسر لهم ذلك بناء على ميولاتهم وقدراتهم وأهدافهم المستقبلية في إطار مشاريعهم الشخصية. ومن ثم، فمحورية منظومة التوجيه تكتسبها من أهمية مواكبة المتعلم حتى يصبح في نهاية المطاف قادرا على اختيار توجيهه بشكل سليم وفعال يراعي إمكاناته ومؤهلاته وميولاته الذاتية. فأهمية التوجيه تكمن في أهمية إحدى الغايات الأساسية من منظومة التربية والتكوين والتي هي مساعدة الأفراد على الاندماج في الحياة العملية بشكل ملائم.

6. ماهي تطلعاتكم من خلال هذا المشروع في أفق 2025؟

نحن محكومون بالقانون الإطار الذي خصص لمراجعة نظام التوجيه 6 سنوات، وهو وقت ضيق عكس باقي المشاريع الأخرى التي تمتد إلى غاية 2030، بحيث ينبغي أن يتم تنزيل التصور الجديد لهذا النظام في حدود سنة 2025، ونتمنى أن نوفق خلال هذه الفترة في إرساء وتفعيل آلية “الأستاذ الرئيس”، وأن نرتقي بجودة العمل التخصصي للمستشارين في التوجيه التربوي، وبأداء أطر الإدارة التربوية بانخراطها الفعال والإيجابي في تنزيل هذا التصور، وأن تعكس مشاريع المؤسسات جميع التوجهات الإصلاحية الكبرى في هذا المجال. وأخيرا لابد من إشراك حقيقي للأسر في نظام التوجيه عبر مختلف الأنشطة التربوية والتحسيسية والتواصلية.

الضيف: : عبد المجيب المرابط مكلف بتدبير الوحدة المركزية للتوجيه المدرسي والمهني لقطاع التربية الوطنية ومفتش في التوجيه التربوي وأستاذ سابق للتكنولوجيا الصناعي

المحاور : جواد جعواني

المرابط.. إرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى