بالخط الاحمر : هل تستمر أزمة الخطاب بين الاحزاب والشباب ؟؟

مع الاعلان عن موعد الانتخابات المقبلة ، بدأ مسلسل اللقاءات واجتماعات هيئات الاحزاب التقريرية، وصدور بيانات او ندوات صحفية عن بعد بسبب تداعيات جائحة ” كورونا” تضمنت تصورات تلك الاحزاب لاوضاع البلاد من موقعها في الاغلبية الحكومية ، او في المعارضة .

وليس هناك جدال في أن عَقْد الأحزاب السياسية لمؤتمراتها الوطنية، بشكل دوري ومنتظم، ضرورة تنظيمية وديمقراطية ينبغي الاحتفاء بها على الدوام. غير أن جائحة ” كورونا” حالت دون ذلك، مما جعل الاحزاب وهياكلها في جمود تام، من قبيل حزب الاصالة والمعاصرة والذي بقي بدوره جامدا منذ انتخاب رئيسه الجديد .
فجائحة ” كورونا” جعلت النقاش يبتعد داخلها بحكم عدم عقد إجتماعات أو لقاءات لهياكلها ، بل باتت الاجتماعات عن بعد هي السائدة، ولم يبقى حيز زمني كافي لتعميق النقاش عن طبيعة القيادة والمهام التي ينبغي أن تضطلع بها خلال المرحلة السياسية المقبلة، وهو ما يضفي عليه نوعا من ” الجمود” .

لذلك يبقى النقاش السياسي اليوم محصورا حول آهلية كل حزب لانتزاع أصوات تخول له انتزاع المراتب الاولى او على الاقل الحصول على مقاعد تخول المشاركة في إطار تحالفات خلال الانتخابات التشريعية والمحلية من أجل استشراف المستقبل ولو برؤية غير تشاركية في الوقت الحالي.

و على مستوى جوهري آخر، لا يمكن أن لا ننفي واقع اللاتطور في الخطاب السياسي للنخب المغربية منذ أكثر من عقدين من الزمن. قد يختلف المراقبون للحياة السياسية المغربية حول أسباب هذا الواقع ومدى رسوخه، وبالتالي حول شروط معالجته والعمل على تجاوزه، غير أنه واقع يفرض نفسه، رغم مختلف التسميات التي تطلق عليه، إذ يحمل في عمقه سمات اللاتطور هذا. لذلك فلا اختلاف في الجوهر بين الحديث عن الجمود الفكري أو التحجر السياسي أو حتى تهافت خطاب النخب السياسية، إذ تحيل كلها إلى هذا الواقع غير القابل للإنكار.

ومن هنا، فإن التفكير في واقع عدم قدرة الخطاب السياسي على مواكبة تطورات الواقع الاجتماعي والاقتصادي أمر ملح لكونه شرطا لا غنى عنه لفهم هذه الحالة، باعتباره شرط العمل على تجاوزها. ذلك أن خطابا متخلفا عن الواقع عاجز تماما عن استشراف المستقبل والمساهمة في مختلف عمليات التحويل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لكونها غاية كل خطاب سياسي يستحق هذا النعت.

وتزداد هذه الحالة تعقيدا بقدر عدم إدراك النخب السياسية لطبيعة هذا الواقع لأنه يحول دونها وكل عمل جاد في سبيل التجاوز.

يمكن رصد عدد من المعطيات الاجتماعية والسياسية التي تقدم صورة واضحة عن عدم قدرة الخطاب السياسي السائد لدى النخب على مواكبة التطور الفعلي للمجتمع المغربي ومدى رسوخ مقاربات غير متناسبة مع تلك المعطيات وعاجزة بالتالي، عن القيام بالنقلة الضرورية في الخطاب المدعو إلى قراءة الواقع والفعل فيه.

إن إدراك النخب السياسية لعدم إجرائية الأطر التقليدية في تصنيف التيارات الفكرية والسياسية بصورة دقيقة وبشكل حصري، إن لم تكن جلها متجاوزة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، حيث أن خطوط التضاد بين عدد من الأيديولوجيات السياسية لم تعد من الوضوح الذي كانت عليه في فترات سابقة، إلى درجة أن البعض أصبح يميل إلى نفي وجودها بين اليسار واليمين مثلا، بل وبين النظامين الاشتراكي والرأسمالي لوجود نقاط تقاطع كثيرة بينهما تجعل التمييز القاطع بين هذا وذاك من صميم الأيديولوجية بمعناها التضليلي بوعي أو دونه، فإن هذا الإدراك لم يترافق مع القدرة على بلورة الأطر البديلة التي من شأنها المساعدة على تقديم قراءة ملائمة مع الواقع ومعطياته، الأمر الذي عطل الفعل الإيجابي لذلك الإدراك في نهاية المطاف.

وفي الواقع هناك انفصام واضح وهوة عميقة بين ما هو سائد على مستوى تفكير شرائح واسعة من المجتمع المغربي وخاصة ضمن الشباب، وبين مقولات ومفاهيم الخطاب السياسي للنخب على مختلف المستويات. وقد ضاعف من هذا الانفصام نزوع شبه متأصل لدى فئة الشباب إلى تبخيس كل ما يصدر عن النخب من خطاب أو مبادرات حيث لا ترى في ذلك غير محاولات للاحتيال والنصب عليها، دون أن تكون قادرة على تقديم أي بديل مرحلي أو استراتيجي يمكن أن يكون رافعة لممارسة سياسية تساهم في تجاوز سلبيات الواقع الذي تنتفض عليه تلك الفئات.

وفي المقابل، فإن خطاب النخب الوطنية التقليدي لم يتمكن، إلى حد الساعة، من استيعاب جوهر رفض الشباب لهذا الخطاب والنظر إليه بريبة منهجية باعتباره الشرط الضروري لإقامة نوع من التمفصل بين مفاهيم خطاب النخب الذي ينهل من تجربة فكرية وسياسية ليس هناك مجال لإنكارها، وبين ما يكمن وراء تمرد أو انتفاضة الشباب من مطالب وتصورات لا يعني عدم وضوح معالمها وعدم رقيها إلى مستوى البديل الممكن أو الفعلي أنها متولدة من فراغ، وأنها لا تستحق الاهتمام. ذلك أن هذا السلوك غالبا ما يؤدي إلى تجذير تمرد هذه الفئات، ليس باتجاه بلورة بديل ما، وإنما باتجاه فوضوي مدمر متى أتيحت لها أدنى فرصة لذلك.

وبالنتيجة، فإن هذا العجز المزدوج للنخب الفكرية والسياسية السائدة ولأجيال جديدة من الشباب عن بلورة نظرية لقراءة الواقع المتجدد والفعل التغييري قد أفضى إلى هذه الحالة من المراوحة والنكوص، كما قد يذهب البعض إلى ذلك، في مجمل الوضع السياسي رغم استعانة الجميع بمصطلحات الديمقراطية والحداثة الفكرية والسياسية عند تدبيج الخطاب المعتمد وخاصة خلال المؤتمرات الحزبية أو الندوات السياسية الفكرية التي تعقد هنا وهناك تحت يافطة البحث عن البدائل للوضع الراهن.

فالمتابعين للفعل الحزبي بالمغرب، قد يجمعون على وجود أزمة حقيقية بين النخب السياسية وخطابها التقليدي، وبين الشباب المغربي الذي لازال غير مستوعب لأسباب التعثر في تسليمه مشعل ” القيادة” من أجل بلورة أفكار شباب اليوم واستعادة المبادرة من اجل بناء مغرب قوي بشبابه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى