جماعة “العدل والإحسان” الخطر الكامن

إذا كان ارتفاع معدل تفكيك الخلايا الإرهابية بالمغرب، يعد مؤشرا من جهة على يقضة الأجهزة الأمنية المغربية وقدرتها على إحباط مخططات تهدد الأرواح وتسعى إلى زعزعة الاستقرار وأمن وسلامة المواطنين، وتؤكد من جهة أخرى على تنامي الأخطار الإرهابية واستمراريتها في الزمن على الرغم من كل المجهودات المبذولة على المستوى المحلي و الدولي لمواجهة ظاهرة ألقت بظلالها على مختلف دول العالم، فان تحليل مختلف الخلايا التي تم تفكيكها والوقوف على المسار الذي مر منه مختلف المتورطين في قضايا إرهابية، يؤكد لا محالة على وجود قواسم مشتركة تقتضي الوقوف بتمعن ودق ناقوس الخطر، بل والانتباه إلى الخطر الحقيقي والكامن وراء تحول العديد من الشباب من الاعتدال إلى التطرف والتأثر بخطابات العنف والاتجاه نحو ثقافة الإقصاء والتكفير والقتل و الدموية بدل ثقافة الحوار والتعايش والتسامح التي ينبني عليها ديننا الحنيف ويدل عليها الإسلام كلمة ومعنى.
وقد أثبتت الدراسات أن معظم المتورطين في قضايا الإرهاب، وان سلكوا مسارات مختلفة داخل تنظيمات أو جماعات تتعارض أحيانا في الأهداف والرؤى والأساليب، إلا أنهم يشتركون في انتمائهم لجماعات تتبنى خطابات التحريض والعنف والتطرف وإقصاء الآخر، وترفض الأفكار المعارضة جملة وتفصيلا وتعيش في حقبة زمنية لا تستوعب طبيعة العالم كما نعرفه اليوم بمفاهيم الديمقراطية و الحرية وحقوق الإنسان والمساواة وغيرها من مظاهر التطور الإنساني التي تواجه آذانا صماء، لازالت تتمسك بحد السيف لتطبيق الحدود ونشر الأفكار، ولعل من بين أبرز هذه الجماعات، جماعة “العدل والإحسان”، التي أصبحت تشكل أرضية خصبة وبيئة حاضنة تقطف منها الجماعات الإرهابية كل “ثمرة” نضجت فكرا متطرفا وكل يافع امتلأ حقدا وكرها وكل شاب تربى على الكراهية والشعور بعدم الانتماء لا للوطن ولا للمجتمع، وتشبع بمصداقية مشروع “الخلافة”، الذي تشترك فيه “الجماعة” مع كل التنظيمات الإرهابية، ليصبح شبابها مستهدفين من كل تنظيم إرهابي يوهِمُ بإقامة المشروع على أرض الواقع من قبيل تنظيم “داعش” الذي استقطب العشرات ممن تربوا داخل كنف هذه الجماعة للقتال في مختلف بؤر التوتر أو القيام بعمليات إرهابية داخل بلدانهم التي تربوا على كراهيتها.
لقد ألف المغاربة سماع تفكيك الخلايا الإرهابية بمختلف مدن المملكة، وأصبحوا واعين بخطورة التهديدات الإرهابية التي تواجهها، ولهم ثقة كاملة في التجربة المغربية للتعاطي مع الظاهرة، إلا أن ما يدعو إلى القلق اليوم هو ارتفاع وتيرة تورط أعضاء من جماعات تدعي الاعتدال ظاهرا وتنشر خطابات العنف والتطرف باطنا، يبقى أخرها تورط أحد أبناء “نقيب أسرة” بواد زم لجماعة العدل والإحسان في التخطيط لأعمال إرهابية نوعية داخل البلاد، بل إن الخطير في الأمر أن المعني الذي تربى في كنف “الجماعة” وتأثر بأفكارها منذ صغره، شكل حلقة أساسية في الخلية الإرهابية المفككة أخيرا، إذ تكلف بمهمة إعداد وتحضير المواد الأولية وصناعة المتفجرات قصد استخدامها لاستهداف مواقع حساسة بالمملكة، معيدا إلى الأذهان التفجير الإرهابي الذي قام به كذلك أحد الأعضاء السابقين في هذه “الجماعة” بساحة الهديم بمكناس.
إذا كانت المقاربة الأمنية في التعامل مع الظاهرة الإرهابية قد أثبتت نجاعتها في إحباط المشاريع ودرء المخاطر، فان الإرهاب لا يمكن القضاء عليه إلا عبر تجفيفه من منابعه، خاصة أن الأمر يتعلق بفكر، تتكفل جماعة “العدل والاحسان” والضلال والبهتان بالتأسيس له ووضع لبناته الأساسية عبر مجموعة من الكتب التي تنشر خطاب الكراهية والحقد والإقصاء والتطرف، لتُسَلِّمَ فيما بعد فئة عريضة من شباب البلاد على طبق من ذهب لتنظيمات إرهابية تتكفل بباقي المهمة في الزج بشبابنا نحو مصير مجهول ومستقبل مظلم إن لم نقل موت محتوم، يخسر به هؤلاء دنياهم وآخرتهم ويجرون معهم أناس أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم تواجدوا في مكان غير مناسب بوقت غير مناسب.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى