معلومة(4).. لماذا تم تسمية مدينة “طنجة” بهاته التسمية أول مرة؟

كثيرة هي المدن و المناطق و القبائل المغربية التي يجهل سكانها سبب تسميتها، خاصة في ظل شح المصادر التوثيقية التاريخية مما يفتح باب التأويلات على مصراعيه لتتعدد الروايات و تختلف التفسيرات، و من بين هاته المدن و المناطق نذكر طنجة.

طنجة بأسوارها البيضاء العتيقة وبإطلالتها على البحرين المتوسط والأطلسي، وبلكنة سكانها التي هي خليط من العربية المكسرة والأمازيغية ومن لهجات محلية مازالت قائمة إلى اليوم، تلهم كل زائر وكل عاشق للهدوء يأتيها عابرا ليصبح عاشقا ومتيما بهاته المدينة التي يطلق عليها المغاربة اسم عروس الشمال أو مسقط رأس الرحالة العربي المغربي ابن بطوطة.

تعد طنجة محطة اتصال وعبور وتبادل الحضارات منذ آلاف السنين وهو ما تشهد عليه المواقع و البقايا الأثرية المتواجدة فيها، و المنتمية إلى حضارات ما قبل التاريخ وحضارات الفنيقيين و البونيقيين التي ربطت اسم طنجة في أساطيرها العريقة باسم “تينجيس” زوجة ” آنتي” ابن” بوسايدون” إله البحر و”غايا ” التي ترمز للأرض، ثم تلتها الفترة الرومانية التي أصبحت طنجة خلالها تتمتع بحق المواطنة الرومانية، بل من المحتمل جدا أن روما جعلت من طنجة عاصمة لموريتانيا الطنجية، المقاطعة الغربية لروما بشمال إفريقيا.

استعادت طنجة حيويتها بعد سبات طويل، كان ذلك مع انطلاق الفتوحات الإسلامية للأندلس على يد طارق بن زياد سنة 711م، ثم فترة حكم المرابطين والموحدين الذين جعلوا من طنجة معقلا لتنظيم جيوشهم و حملاتهم، بعد ذلك تتالت على طنجة فترات الاحتلال الإسباني والبرتغالي و الإنجليزي منذ 1471م إلى 1684م، والتي تركت بصماتها حاضرة بالمدينة العتيقة كالأسوار و الأبراج و الكنائس، لكن تبقى أهم مرحلة ثقافية وعمرانية مميزة في تاريخ طنجة المتوسط والحديث هي فترة السلاطين العلويين.

وفق بحث مقتضب في مجموعة من المراجع التاريخية، فتتعدد الروايات بخصوص أصل تسمية طنجة، خاصة أن عددا من المؤرخين ينسبون التسمية لبعض الأساطير، فيما آخرون يربطونها بالعصر الفينيقي و ثلة أخرى تؤكد وجود علاقة بين التسمية و القبائل الأمازيغية القديمة.

أوضح “التاريخ المغاربي” في فقرة “ذاكرة و أماكن” أن الباحث أبرهام لاريدو في البحث الذي صدر في ذكراه عام 1969 تحت عنوان «طنجة من الأسطورة إلى التاريخ» أورد مختصرا عن تسمية طنجة و ربطها بالحضارة في آداب الإغريق واللاتينين فيذكر أن بعض هذه النصوص ربطت تأسيسها بقصة الطوفان وما وقع بعد هذا الحدث مباشرة من صراع بين العملاق أطلس رمز القوة البحرية عند الإيجين وبين العملاق الموري أنطي وأن طنجة حسب ما ذكره بوفينيوس ميلا في القرن الأول للميلاد اسم أرملة أنطي الذي لقي مصرعه على يد أطلس.

كما أورد ذات المصدر التاريخي أن هناك خيطا أسطوريا آخر يربط تأسيس طنجة وتسميتها بقيام هرقل بشق المضيق بعد أن تشكى الأفارقة من هجومات جيرانهم الشماليين.

أما اللوحة الأسطورية الثالثة فتضع طنجة في سياق حادث الطوفان المذكور في الكتب المنزلة، حيث تتعزز هذه الأطروحة بأسماء أماكن في منطقة طنجة تذكر بالأنبياء كنوح صاحب السفينة وموسى صاحب الخضر أو ذي القرنين صاحب السد وماجوج.

وفي ضوء هذا الربط يبرز تأويل لمعنى إسم طنجة يختلف عن المعنى المتصل بقصة العمالقة حيث يذكر أن إسم طنجة هو إسم أميرة أسست تذكارا لها، أما هذا المقترح المتعلق بالطوفان فملخصه أن نوحا أبا البشر المتجدد قد رست به سفينة فوق جبل طنجة، إقرارا بارتفاعه، ومن ذلك المرتفع أطلق حمامة لاختبار مدى انحسار الماء فما لبثت أن رجعت وفي منقارها طين، فصاح النبي فرحا وهو يقول: “الطين جاء” ومن هذه العبارة جاء اسم “طنجة”.

أما الذين ربطوا تسمية طنجة بالفينيقيين، فقد ذكروا أن إسم طنجة ورد في النصوص التي تحكي بعض الأساطير متشابه ولكنه متعدد الرسم والصيغ، ومن تِنْكا: Tinga وتِتْكا Titga و تِنْكي وتِنْكيس Tingis و تَنْتْدِيا Tantdia، إلخ…

ولعل أهم ما يمكن الاهتداء به هما صيغتان وردتا في نقود الفنيقيين الذين وصلوا إلى طنجة قبل أن يعرفها الإغريق أو اللاتينيون حيث نجد صيغتين هما تِنْكا Tinga و تِتْكا Titga، فالإسم إذن أصلي محلي من لغة أهل البلد، وجده الفينيقيون فكتبوه كما هو أو كتبوه بشيء قليل من التحريف ليتماشى مع التفنيق ثم جاء العرب فكتبوه بشيء من التصحيف ليتماشى مع التعريب، ولا يمكن أن نقول إنه اسم فينيقي مستورد لأسباب سنبينها فيما بعد.

أما الصيغة الواردة غالبا في النصوص اللاتنية فهي Tingis وهو نفسها الواردة عند الفينيقيين بزيادة حرف السين التي تكررت زيادتها في أواخر أسماء عدد من المدن في إيبيريا أو في شمالي إفريقيا كما وردت في أوصاف الجغرافيين وغيرهم من كتاب العهد الروماني.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى