بالخط الأحمر : الشباب المغربي الأكثر في الهرم السكاني الأقل في الفعل السياسي

ع اللطيف بركة : هبة بريس

شكلت المشاركة السياسة للشباب المغربي، أهم المواضيع التي حازت على نقاش واسع منذ عقود من الزمن، غير أن تفعيل ذلك الزخم من النقاشات وخلاصاته بين عموم الباحثين وأصحاب القرار لم ينضج بعد على إعتماده في الفعل السياسي وإتاحة المجال للشباب المغربي في المشاركة في بناء القرار السياسي.

وإذا كان الإقبال على المشاركة السياسية مطلب ومطلوب من طرف جميع الفئات المجتمعية، فإن أبرزها أكيد هي فئة الشباب. فهذه الفئة لها من الخصائص ما يبوؤها تلك الأهمية، فهي المتميزة بكونها ذات حمولة فكرية مجددة ومتجددة، وتوفرها على الطاقة والحيوية وعلو الهمة والقدرة على العطاء والبناء والطموح في سبيل تحقيق الغايات والمرامي، ورفض الإستسلام والقدرة على التطور والتطوير إلى غير ذلك من السمات التي تؤهلها إلى تقدم مصاف مكونات المشاريع النهضوية والمرتكزات السوسيوتنموية، ما يستلزم ضرورة وضعها على رأس أولى أولويات المخططات الإستراتيجية لراهن ومستقبل كل الأمم.

ويعد رهان الشباب والمشاركة السياسية ذو طابع جوهري في صناعة الحياة العامة. ففي الأمس القريب، وفي الوقت الذي كان الإعتقاد سائدا في المجتمعات العربية على الخصوص حول سلبية الشباب وتموقعهم الهامشي للحياة المجتمعية وعدم اكتراثهم لحالها وأوضاعها في شتى مناحيها، فقد أبان الربيع العربي عن علو كعب هذه الفئة بعدما تمكنت من وضع حد فاصل بين الصفات السلبية التي ألْصقت بها طيلة عقود، وبين إمكاناتها ومؤهلاتها في قلب موازين الحياة السياسية. وهذا راجع بالتأكيد لتفعيل مبدأ المشاركة السياسية الذي ظل بعيد المنال عنها، إما لأسباب موضوعية المتمثلة في التضييق والإبعاد أو التغييب الممارس من طرف الفاعلين السياسيين والحزبيين، أو ذاتية والمتجسدة في العزوف وعدم الإهتمام بالشأن السياسي من طرف الشباب أنفسهم. فإذا كانت الحصيلة السياسية للثورات العربية تركزت حول تغيير أنظمة حكمٍ حكمت عليها الشعوب الثائرة بالزوال أو التغيير، فقد عملت كذلك على صياغة بطاقة تعريف جديدة للشباب كقائد لهذه الثورات بحصيلةٍ قيميةٍ كونه شباب ذو صفات قيادية ومـلم بأوضاع بلده بتأثير وتأثر متبادلين، وقادر على الفعل الإيجابي في البناء ومجابهة مـثبطات التنمية والإقلاع النهضوي لبلده. ولعل الراصد للحركات الشعبية التي عرفتها بلدان الإحتجاج، يسجل الدور الريادي للشباب في القيادة والتخطيط والتنفيذ وتصدر خطوط المواجهة ،وهذا ما يجعلنا نجزم على كون حرمان هذه الفئة من التعبير عن ذاتها وممارسة حقوقها كان من الأسباب التي دفعت بها إلى ثورتها ورفضها لكل أشكال التضييق والقمع والتهميش والإقصاء، الشيء الذي يجعلنا نفكر في كيفية تفاعل هؤلاء الشباب مع تلك الأحداث فيما لو توفرت لهم ظروف المشاركة في صنع القرار السياسي المرتبط بالشأن العام، وهذا ما يحيلنا على نماذج الأنظمة التي آمنت بأهمية فئة الشباب وتماهت مع متطلباتها وانتظاراتها، كالنموذج المغربي الذي سعى في السنين الأخيرة إلى مواجهة العزوف السياسي واللاتسيس الشبابي.

– الشباب وداء فقدان الثقة في الفعل السياسي

إن الشباب المغربي يمثل الشريحة العمرية الأوسع في الهرم السكاني، وهو التواق إلى خدمة بلده من خلال حضوره الفاعل في المجتمع المدني وضعف هذا الحضور أو غيابه أو تغييبه في الهيئات السياسية والحزبية، والأكيد أن عزوفه عن الشأن السياسي والمشاركة في الحياة السياسية له آثار سلبية على إذكاء حس المواطنة وإعداد الخلف. هذا العزوف تتبدى ملامحه في عدد المنخرطين في الهيئات السياسية والمساهمة في الحملات الإنتخابية أو القيام بواجب التصويت، فهذه العناصر الثلاث كمظاهر للممارسة السياسية عرفت تراجعا قويا كانت أبرز تجلياته ضعف التصويت في الإستحقاقات الإنتخابية الأخيرة، حيث شكلت هذه المحطة بوادر طلاق بين الشباب والسياسة وكشفت عن النفور الكبير بينهم وبين السياسة وأخواتها شأنهم في ذلك شأن باقي الفئات المجتمعية، وهذه المحصلة لم تكن سوى نتيجة عوامل كان لها وقعا كبيرا على نفور الشباب من الممارسة السياسية وعزوفهم عنها نجد على رأس لائحتها غياب الديمقراطية الداخلية في التنظيمات والأحزاب السياسية بالإضافة إلى هيمنة العلاقات الأسرية والعائلية،علاوة على شيخوخة بعض الزعماء الحزبيين وتمسك بعضهم الآخر بالقيادة وتوريث المناصب وعدم منح الشباب الفرصة لفرض ذواتهم في مختلف الإستحقاقات الإنتخابية، وهذا ما أسهم بشكل قوي في تعريض الشباب إلى اكتساب داء فقدان الثقة بينهم وبين الفعل السياسي .بدأت أعراضه تتفشى في صفوفهم بشكل جلي دفع إلى ضرورة التعجيل بتوفير الشروط الملائمة للرفع من منسوب الممارسة السياسية لديهم وربطهم بها.

_ الشباب والمشاركة …بصيص أمل

المتتبعون للشأن السياسي المغربي يـجمعون على توافر بعض من شروط المشاركة السياسية للشباب، وذلك عبر تثمين المبادرة الملكية في خفض سن التصويت إلى 18 سنة، اتساع مجال الحريات العامة وحرية التعبير، ترسيم تمييز إيجابي متمثل في اعتماد كوطا للشباب في الغرفة الأولى للبرلمان(بالرغم من أن هذا المكسب يمكن التخلي عنه )، واعتماد دستور 2011، الذي أقر عدد من المكتسبات التي نحت إلى تكريس إنسانية الإنسان المغربي وحقه في العيش الكريم من خلال التنصيص على مجموعة من الحقوق من بينها السعي نحو إدماج الشباب في شتى مناحي الحياة وإشراكه في صنع القرار العمومي، وتمكينه من مؤسسة تُعنى بقضاياه وهي المجلس الإستشاري للشباب والعمل الجمعوي.

وبالرغم من أهمية كل هذه المكتسبات، فإن الرفع من منسوب المشاركة السياسية في صفوف الشباب يبقى رهينا بالمزيد من الإجراءات الكفيلة بتشجيعهم على ذلك من قبيل :

– فتح آفاق تداول ديمقراطي مفتوح على الولوج لمواقع السلطة ومراكز القرار والفعل العمومي،

– العمل على تأسيس برلمانات شبابية جهوية ومحلية كفضاءات للتربية على الفعل التمثيلي والتداول حول انتظارات وطموحات الشباب .

– الشباب المغربي الاكثر في الهرم السكاني الأقل تمثيلية في السياسي

ساد مؤخرا نقاش كبير بين الاحزاب المغربية، ووزارة الداخلية بخصوص لائحة الشباب في الانتخابات التشريعية المقبلة، وانتهى النقاش بخصوص التعديلات في مدونة الانتخابات، بإعتماد لائحة واحدة تضم النساء والشباب وممثلي الجالية المغربية بالخارج، غير أن كوطا الشباب تبقى ضعيفة جدا، بعد إشتراط أن تكون المراكز الاولى والثانية في كل لائحة للنساء وتبقى المراتب الاخرى مفتوحة امام الاحزاب لاعتماذ ذكور او نساء، وهو ما اعتبروه كثيرون إنتقاصا من مشاركة الشباب في الفعل السياسي وتراجع على مكتسبات سابقة.

وتبقى ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية يمكن حصره في سببين رئيسيين: الاول، البطالة و البحث عن لقمة العيش و توفير اساسيات الحياة و الاستقرار، قبل التفكير في العمل السياسي.

و الثاني يتجلى في فقدان الثقة في المؤسسات الحزبية التي مارست اعمالها لفترة طويلة دون أية نتيجة تذكر.

يرى الشباب ان الاحزاب بالمغرب تعتمد على ايديولوجية ماركسية بامتياز، فهي تعبر عن شكل و طبيعة الافكار التي تعكس مصالحها و تتناقض مع طموحات و اهداف المواطن . و ينحصر دور الشباب المشارك في الاحزاب السياسية في النزول إلى الميدان، و العمل في الحملات الانتخابية كخزان احتياطي من الاصوات لوصول الانتهازيين السياسيين للسلطة، مطبقا للمقولة المغربية: ” خدم يا التاعس من سعد الناعس”.

بعد سنوات عجاف، و فشل المواطن في تغيير الافكار السياسية التقليدية ، التحق الشباب بالحقل السياسي بعد محاولة مقاطعة الانتخابات، حيث كانت الاغلبية ترفض التصويت في حين يتم اسغلال فئة لا حول لها و لا قوة لتبيع صوتها مقابل دريهمات او قفة بها مواد غذائية اساسية، و الاثنتان لا تكفي لاسبوع كامل. ما جعل الوجوه المنتخبة تتكرر في كل مرة.

النضال من داخل المؤسسات الحزبية، ليس بالامر الهين كما كان يظن الكثير من الشباب. فهم الان امام معركة باردة ضد من يعتبرونهم مجرد تكملة و ليس قوة فاعلة تساعد على التغيير و صياغة الافكار ثم تحويلها إلى برامج مكتوبة و منظمة، للترافع من اجلها و تطبيقها على ارض الواقع، ببساطة ان تم تقديم المشعل السياسي للشباب، سيسيطرون على المشهد السياسي بنسبة مرتفعة و هو ما سيجعل الاقبال على الانخراط بالعمل السياسي مرتفعا قد يكون سببا في انهاء مسيرة الكثير من شيوخ الاحزاب المسيطرين بأموالهم لا غير.

ان افضل السبل للحصول على معادلة متساوية هو الاحتكاك بين ذوي الخبرة السياسية و فئة الشباب من أجل إكتساب آليات المشاركة السياسية، وهو ما سيبعث روحا جديدة بالشأن السياسي المغربي.

كذلك يجب منح الشباب حق الترشح من داخل اللائحة المحلية، ثم الرفع من عدد المقاعد بالبرلمان، فالمقاعد الان لا تعكس نسبة الشباب في الهرم السكاني، وهو ما يعتبر تحقير لكفاءة الشباب في صنع القرار.

شباب اليوم اقدر على خوض الانتخابات اكثر من اي وقت مضى، شباب حيوي يمتلك وعيا سياسيا حادا و قادر على اكتساب حلول جديدة و الاتيان بخطط ناجعة و استراتجيات فاعلة، و ذلك بفضل الثورات التكنولوجية و تطوراتها المتسارعة، خاصة في مجال الاتصال و التواصل.

الا ان الكابوس الذي لايزال يراود الشباب هو رجال السياسة الذين يملكون زمام الأجهزة التقريرية و يتحكمون في تحديد الاختيارات و التوجهات، زد على ذلك سيادة الزبونية و المحسوبية داخل الاحزاب و غياب الديمقراطية الداخلية، و هو ما يشكل عائقا في وجه تجديد النخب و المشاريع المبتكرة للحلول، علما ان الفصل 7 من الدستور المغربي ينص على انه : تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.

ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يظهر لنا العديد من السياسيين المدافعين عن مصالح المواطن و خاصة الشباب، و هم في الاساس لا يعرفون بدقة الحاجيات التي تحكم تطلعات الشباب، و ترتفع التطاحنات و المشاحنات داخل القيادات الحزبية بسبب غياب منطق الكفاءة و سيطرة قانون المصلحة، فتجد قياديين يضعون شبابا في الواجهة من اجل تكميم افواه من يرون ان الشباب مقصي من مراكز صنع القرار، و هم في الحقيقة مجرد دمى يتم تحريكها بشكل يناسب مصالحهم الشخصية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى