نوادل المقاهي والتصريح بالضمان الاجتماعي…للقصة بقية

*الصورة تعبيرية *

محمد منفلوطي_ هبة بريس

إن تناولنا لهذا الموضوع، ليس الهدف منه توجيه اتهامات مجانية لبعض أرباب المقاهي، بل هي حقيقة تعكس الواقع لفئة ظلت لسنوات تلبي طلبات الزبناء في غياب أبسط الحقوق.

إنها فئة نوادل المقاهي، حكايات وقصص لطاقات شابة، ورجال قهرهم الزمن، اختاروا خدمة الزبناء وتلبية طلباتهم بعزة نفس وشهامة، منهم من عشق المهنة وتعلق بها إلى حد الجنون وابتسم في وجه الدنيا، ومنهم من لم يخترها بمحض إرادته، بل فرضتها عليه الأوضاع الاجتماعية وأجبرته البطالة على اختيارها كمهنة للمواجهة اليومية وظروف العيش القاسية، فقبلها ولو على زلتها، واختار عدم المطالبة بالحقوق خوفا من سيف الاعفاء…
نوادل المقاهي هؤلاء الذين صاروا جزءا لا يتجزأ مني ومنك ومنا جميعا، ونحن نستقبلهم عند كل صباح ومساء لنرتشف جميعا على أيديهم فناجين قهواتنا المعهودة، منهم الحاصل على شهادات جامعية عليا، ومنهم من لم يلج مقاعد الدراسة قط، لكن يبقى راضيا بالقسمة والنصيب على لسان اخواننا المصريين، يرضى بأقل شيء متوفر هربا من نظرات وأسئلة السائلين والملحين، والتي في غالب الأحيان تعكس شفقة وتحسرا كبيرين على وضعيته.

ليبقى السؤال معلقا إلى متى ستبقى هذه الشريحة من المجتمع مهضومة الحقوق لسنوات عدة، حتى أن الكثير منها لم يصرح به حتى في الضمان الاجتماعي؟

نعم، لقد أبانت جائحة كورونا عن هشاشة الوضع لهذه الفئة، حين وجدت نفسها عاطلة عن العمل بسبب الاغلاق والحجر الصحي، إذ أن الكثير من منتسبيها باتوا عاطلين عن العمل، ومنهم من قاده القدر إلى التسول وطرق أبواب الرجاء وانتظار قفة الاحسان… ومنهم من غيّر الوجهة واختار أخرى تغنيه عن السؤال.

نوادل المقاهي هؤلاء، منهم أخي وأخيك واخوتنا جميعا، سكتوا كثيرا وأخيرا نطقوا، وطالبوا بحقوقهم التي ظلت لسنوات من المطالب المحظورة خوفا من بطش “مول الشكارة”، ظلوا ولازالوا يخدمون خدمات جليلة بمختلف المقاهي التي تحتضن زبناء من أصناف إما لتبادل أطراف الحديث حول مختلف المواضيع، والأمور الشخصية والقضايا السياسية الحساسة المتعلقة بمستقبل البلاد والعباد والتنمية المحلية، وبالثقافة والرياضة، أو من يختار الانزواء عن الانظار ومجالسة نفسه يحدثها وتحدثه، ومن الناس من يختار من المقاهي الواجهة الأمامية وهناك إلى جانب الزبناء المحترمين تتعدد مجالس النميمة، وقد يختلط الحديث بين التبركيك و المغالطات و البيع والشراء في أحوال وأعراض الناس من طرف أشخاص بارعين في صناعة وحيك خيوط الكراهية والحقد، وكأنهم يجددون العهد مع المثل الشعبي القائل: “حبة الجاوي تبخر الدنيا”.

موضوعنا اليوم هو تسليط الضوء على مهنة نوادل المقاهي، هذه الشريحة التي يشتغل البعض منها في ظروف مزرية لا يحسدون عليها، ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، ولا تحترم فيها حتى القوانين المنظمة لهذه المهنة، لا من حيث ساعات العمل، ولا من حيث المستحقات الشهرية، والأكثر من هذا أن بعض المقاهي لم تلتزم بما هو جاري به العمل في إطار قانون الشغل، فالعاملين بها غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، وساعات العمل تتجاور العدد القانوني، كما لا يتوفرون على تغطية صحية ولا على تأمين من المخاطر ولا حماية اجتماعية.

تناولنا لموضوع هذه الشريحة المجتمعية، يقودنا في الوقت إلى الحديث عن بعض المظاهر التي تعرفها بعض المقاهي، إذ أن بعض الأشخاص سامحهم الله يفضلون الجلوس بالمقاهي للنميمة، وقد نجد في معظم الأحيان زبناءها من موظفي الادارات العمومية، يرتشفون بانتـشـاء متصنع جرعات متقـطـعة من كأس قهوة سوداء، ويتصفحون هاتفهم النقالة سابحين في أعماق مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من ترك معطفه معلقا على كرسي مكتبه معطلا مصالح المواطنين، فلا تكاد تخلو كراسي بعض المقاهي المجاورة للمرافق العمومية من هؤلاء ” السلايتية”، التي يقتنصون الفرص، فيما يعيبون في الوقت ذاته على موظفين آخرين من بني جلدتهم حينما يحدون ” السليت” ذاته.

وبين الأسلوبين معا تتعطل مصالح العباد، ويتأخر المسار التنموي، لكن الغريب في الأسلوبين معا، أن أحدهما يعتبر أمرا عاديا وحقا مشروعا في ” السليت”، إذا تعلق الأمر بالرئيس، بينما يعتبر خطأ مهنيا يحتمل الاستفسار بدعوى مغادرة مقر العمل إذا تعلق الأمر بالموظف البسيط.

 

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ليست مهنة النوادل وحدهاالمتضررة،بل هنا من يشتغل في هذه المقاهي كمعد للشاي والقهوة والعصر ويسمى مول الماكينا.وهناك امراة في المغسل تتكلف بتنظيف الأواني التي اتسخت.كل هؤلاء مهضومي الحقوق.
    أضف إلى هذا المشكل مشطل نوادل المطاعم والذين منهم من يؤجر بأربعين درهما في اليوم وليس لهم لا ضمان ولا تعويضات ويشتغلون من العاشرة صباحا إلى العاشرة ليلا وبدون الحد الأدنى للأجر.أرباب العمل لا يتعترفون إلا بوجبة العشاء لكل عامل وهي عبارة عن ربع دجاجة وفريت وصلصة وجوج خبزات صغار.فمتى ستعمل وزارة التشغيل على الحد من فوضى التشغيل وبدون قوانين ولا حقوق للعمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى