بالخط الأحمر .. فساد السياسة من فساد نخبها

ع اللطيف بركة : هبة بريس

يتم تعريف “الفساد السياسي” بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية.

ويوجد إجماع لكل الباحثين في مجال ” الشفافية” أن كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب.

ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبل تجارة المخدرات وغسيل الأموال والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى.

بالمغرب توسعت مفاهيم ” الفساد” بين ما يصفه الاكاديميون في أبحاثهم، وبين المفاهيم التي يتداولها الشارع المغربي خصوصا لدى الطبقات الشعبية، والتي عادة ما تصف السياسيين بمختلف النعوث القدحية، بالرغم من أن اغلب تلك الاتهامات تلوكها الألسن فقط ، لكن جرت العادة أن يوصف السياسيون بأبشع النعوث، وتراجع مستوى الثقة في السياسة والسياسيين بعد خفوت دور الاحزاب في التأطير واسترجاع ثقة المواطنين .

– الفساد تسبب في حالة يأس عام

يسود قلق كبير لدى المهتمين بالشأن السياسي المغربي من إستمرار حالة العزوف الانتخابي المتوقع في تشريعيات 2021، كمؤشر على العزوف السياسي للمواطن المغربي بفقدانه الثقة بالأحزاب وحتى المنظمات النقابية والأهلية وفشلهم في تدبير الشأن العام.

ويهيمن هذا القلق، كلما اقترب موعد الانتخابات، على الخطاب الحزبي الذي يرى بخصوصه عدد من الباحثين في المجال، أن هناك تبخيس لعمل الأحزاب السياسية، وأن الهجوم عليها مستمر لقتل الإرادة المستقلة لها، وتحديد الأدوار التي يجب أن تلعبها بعض هذه الأحزاب التي يسميها البعض ب” المصطنعة” ، وهناك مطالبة من فاعلين في المجال بممارسة نقد ذاتي حقيقي يغري المغاربة للذهاب إلى صناديق الاقتراع.

وكم من مرة إرتفعت أصوات سياسيين أو حقوقيين او حتى منظمات تؤكد أن المعركة من أجل الديمقراطية ما زالت مستمرة، وعلى الأحزاب ألا تتهاون وتتخاذل وألا تسمح للمتخاذلين بأن يندسوا داخلها، ولعل بعض الاحزاب الان في المعارضة ” البام” حسم في عدم تزكية او ترشيح أي برلماني تهاون وتخادل خلال الولاية السابقة ولم يقم بواجبه تجاه من صوتوا لصالحه لتمثيلهم في البرلمان والدفاع عنهم، وهو ما يعد مؤشر إيجابي في إهتمام الاحزاب بهذا الجانب الاساسي وعدم ترشيح ” المتخادلين” .

ويكاد يكون إجماع على أن المغاربة لا توجد لديهم أمية سياسية، بل هناك وعي كبير بما يقع، تسبب ذلك في حالة يأس عام وانتظارية، رغم الأوراش الكبرى التي أُنجزت ويتم إنجازها، من طرف ملك البلاد (محمد السادس) الذي فتح 20 ورشاً كبيرا يمكنه أن يغير وجه البلاد وندخل الحداثة عبر برامج تأهيل المدن والطرق الموانئ والطاقات المتجددة وغيرها، إلا أن المشكلة اليوم في المغرب كيفية تعقب المفسدين وأثارهم السلبية في كل الاوراش، حتى ان ملك البلاد اشار في إحدى خطبه للشعب المغربي بقوله : «إننا نقوم بأعمال كبيرة وأثرها لا تظهر على الجميع ” وقوله في خطاب عيد العرش لسنة 2018 ” ألا يخجل المسؤولون الذين لا يقومون بالواجب من أنفسهم؟ .

وهناك كذلك إجماع لكل الباحثين في المجال السياسي المغربي، على أن دستور 2011 يعد من أفضل دساتير العالم ، الذي جاء بعد الحراك الشعبي، لكن الاشكال بحسب هؤلاء من يطبق الدستور؟؟؟ .

– المجلس الاعلى للحسابات وميزانية الاحزاب

بالرغم من أن وجوه سياسية تعتبر أن هناك تبخيسا ممنهجا وهجوم ضد الأحزاب، وأن الإعلام العمومي ساهم في ذلك خاصة مع بعض المحللين الذين يرجعون كل الآفات للأحزاب، كلما تناول المجلس الأعلى للحسابات ميزانية الأحزاب، كلما رسم الناس صورة مشوهة عنها يجعل الاعتقاد السائد بالمجتمع انها فاسدة ماليا، وما يعمق هذا المعطى أن مجلس جطو لم يتوصل بعد من أحزاب بتقرير عن كيفية صرف اموال الدعم المقدم لها من الدولة .

لكن مهما ذلك و بعيدا عن مصير أموال الدعم، لازالت أصوات من الشعب المغربي تطالب الأحزاب بممارسة نقد ذاتي حقيقي يغري المغاربة للذهاب إلى صناديق الاقتراع. عوض مظاهر سلبية ومقلقة عاشها المغاربة من تنامي الهجرة بمختلف أنواعها، النظامية والسرية، وتقارير تكشف أن نصف العاطلين المغاربة ينوون الهجرة بل وحتى الطاقات والكفاءات والأطر، وهناك أرقام صادمة تقول إن 600 مهندس في التكنولوجيا الرقمية يغادرون المغرب سنوياً للبحث عن فرص أكبر، بالاضافة إلى تصاعد التعبيرات الجديدة في الاحتجاج التي تتجاوز المؤسسات، مثل أغاني الراب وجماهير الكرة ووسائل التواصل الاجتماعي، وتكون أحيانا راديكالية،، وهذا وجه آخر من أوجه المطالبة بمعاقبة الفاسدين .

– مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.

تختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى. فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير قانونية في بلد آخر. وقد تكون لقوات الشرطة والمدعون العامون في بعض البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات والفساد كما هو الحال في قضايا التصنيف العنصري. وقد تتحول الممارسات التي تعد فسادا سياسيا في بعض البلدان الأخرى في البلدان إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان التي توجد فيها جماعات مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية.

– تأثيرات الفساد السياسي

يمثل الفساد تحديا خطيرا في وجه التنمية. فهو على الصعيد السياسي يقوض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية. أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي. أما الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات.

أي بمعنى أوسع ينخر الفساد في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب الرسمية وتشترى. كما يؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة والتسامح.

– الفساد والتأثيرات الاقتصادية

يولد الفساد تشوهات اقتصادية في القطاع العام عن طريق تحويل استثمار المال العام إلى مشروعات رأسمالية تكثر فيها الرشوة. ويلجأ المسؤولون إلى حيلة زيادة التعقيدات الفنية لمشاريع القطاع العام لإخفاء أو لتمهيد الطريق لهذه التعاملات غير المشروعة، ما يؤدي بالنتيجة إلى زيادة تشويه استثمار المال العام. ويؤدي الفساد كذلك إلى خفض معدلات الالتزام بضوابط البناء والمحافظة على البيئة والضوابط الأخرى وإلى تردي نوعية الخدمات الحكومية وزيادة الضغوط على ميزانية الحكومة. يقول خبراء الاقتصاد بأن أحد أسباب اختلاف معدلات التنمية الاقتصادية بين أفريقيا وآسيا يعود إلى أن الفساد في أفريقيا قد إتخذ شكل اشتقاق الإيجارات الذي ينجم عنه تحريك رأس المال إلى الخارج بدلاً من استثماره في الداخل (وهو النمط التقليدي والمحبط الذي نشهده في قيام الحكام الدكتاتوريين الأفارقة بإنشاء حسابات مصرفية لهم في بنوك سويسرا). أما الإدارات الفاسدة في آسيا من قبيل إدارة سوهارتو فغالباً ما إتخذت هيئة الحصول على حصة في كل شيء (طلب الرشوة)، إلا أنها تمكنت بخلاف ذلك من توفير جميع شروط التنمية عن طريق الاستثمار في مشاريع البنية التحتية ودعم سيادة القانون وما إلى ذلك.

– أنواع الفساد ( الرشوة)

لحدوث الرشوة يحتاج الأمر ثلاثة اطراف: الذي يعطي الرشوة والذي يأخذها والذي يوصلها (الوسيط). وقد تمتد ثقافة الفساد في بعض البلدان لتشمل كل نواحي الحياة، ما يجعل من الصعب الحفاظ على أي تجارة من دون اللجوء إلى الرشوة.

– أنواع الفساد ( الابتزاز )

الابتزاز هو قيام المسؤول السياسي شخصيا بالاستفادة من الأموال العامة بطرق غير قانونية. ويمكن مقارنة الابتزاز بالإتجار بالمنصب. ويرى باحثون أن هناك اختلاف بين الابتزاز “الشريف” والابتزاز “غير الشريف”. فالمثال التقليدي للابتزاز يتمثل في استغلال أي مسؤول لمعرفتة بالقرارات المتعلقة بالمشاريع خصوصا في مجال العقار مثلا برنامج ” مدن بدون صفيح” او مشاريع استثمارية تفتحها الدولة، مما يدفع المنتخب ” الفاسد” الى استغلال معرفته المسبقة بذلك في شراء الاراضي ومن ثم اعادة بيعها وتحقيق أرباح كبيرة .

– المساهمات في الحملات الانتخابية والأموال المشبوهة

قد يصعب إثبات الفساد في الميدان السياسي ولكن يستحيل كذلك نفي وجوده. ولهذا نشهد في كثير من الأحيان بعض السياسيين من الذين تدور حول شائعات الفساد. من الواضح بأن الساسة وبسبب من حاجتهم إلى حشد الدعم المالي لحملاتهم الانتخابية يكونون في موقف معرض للخطر. وهم كما يتضح يظهرون بعد حصولهم على الدعم من طرف ما وكأنهم يعملون لصالح الطرف الذي قام بتمويل حملاتهم، وهو ما يفتح المجال للحديث عن فسادهم السياسي. لأنه إذا تم دعم حملتك الحزبية من شخص أخر ، فإنه يحتاج منك أن تدعمه وتدافع عن مصالحه .

– معايير قياس الفساد

إن قياس الفساد بلغة الإحصاءات ليس أمراً سهلاً طالما أن المشتركين فيه ليسوا متعاونين في هذا الصدد. وتقدم المنظمة العالمية للشفافية وهي منظمة رائدة في مجال محاربة الفساد ثلاثة معايير تقوم بتحديثها سنوياً لقياس الفساد وهي: مؤشر إدراك الفساد (القائم على آراء الخبراء حول أحوال البلدان الفاسدة)، والبارومتر العالمي للفساد (القائم على استطلاعات مواقف الرأي العام وخبرتهم مع الفساد، واستطلاع دافعي الرشوة الذي يبحث في استعداد الشركات الأجنبية لدفع الرشوة.

كما تقوم المنظمة العالمية للشفافية بنشر تقرير دولي حول الفساد على موقعها بشكل سنوي
كما يقوم البنك الدولي كذلك بجمع معلومات مختلفة حول الفساد وينشره على موقعه الرسمي والذي يشتمل على مجموعة من المؤشرات الحكومية ، كما تقوم المنظمة العالمية لمراقبة الفساد بإجراء استطلاعات لإدراك وجود الفساد بعدد من الدول وحكوماتها .

– ترتيب المغرب عالميا في مؤشر “محاربة الفساد”

احتل المغرب المرتبة الـ 86 عالميا في مؤشر “إدراك الفساد” لسنة 2020، الصادر، عن منظمة الشفافية الدولية، بعدما كان يحتل سنة 2019 الرتبة الـ 80 .

ويشمل هذا التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، 180 دولة، ويقوم بقياس مستوى الفساد في هذه الدول استنادا إلى مؤشر من 100 درجة، أعلاها الأفضل، وأصغرها الأسوء.

ويستند مؤشر مدركات الفساد إلى 13 استطلاعًا وتقييمًا للفساد أجراه خبراء لتحديد درجة انتشار الفساد في القطاع العام في 180 دولة وإقليما، عن طريق إسناد درجة تتراوح بين 0 (الأكثر فسادًا) و100 (الأكثر نزاهة).

وأكدت المنظمة الدولية أن “الفساد منتشر في جميع مراحل الاستجابة لكوفيد-19 في مجموعة من البلدان العالمية، من الرشوة إلى اختبارات كوفيد-19، والعلاج، والخدمات الصحية الأخرى، إلى الصفقات العمومية من الإمدادات الطبية والتأهب لحالات الطوارئ بشكل عام.

وكانت حكومة العثماني قد ألغت الصفقات التفاوضية من وزير الصحة أيت الطالب، كما طلبت فرق برلمانية كذلك إجراء زيارة الى مديرية الادوية، وما اعقبها من إتهامات بوجود ” شبهة فساد” بأهم المديريات بوزارة الصحة.

وأكد تقرير المنظمة أن جائحة كوفيد-19 ليست مجرد أزمة صحية واقتصادية فحسب، بل أزمة فساد أيضا.

إن مجابهة ” الفساد السياسي” لن يقتصر فقط على تفعيل اليات المراقبة في حق نخب الاحزاب او مدراء مؤسسات عامة وخاصة، بل يقتضي خلق مناخ سليم اساسه ربط المسؤولية والاخلال بها بالمحاسبة، وفي حق ناهبي الاموال، إسترجاعها الى الصناديق العامة واعادة استثمارها، ودعم الناشئة على التربية الجيدة وخدمة الوطن، وخلق نفس ومناخ جديد للشباب من أجل تقلد المسؤوليات وفق الكفاءة والنزاهة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى