ربط المسؤولية بالعقاب …ماذا تحقق بعد دستور 2011 ؟؟

ع اللطيف بركة : هبة بريس

شكل تنزيل النص الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، أهم تحدي سياسي بالمغرب ما بعد ” الربيع الديمقراطي ” فبعد مرور عقد من الزمن، بدأ التفكير بجدية في تفعيل الفقرة الثانية من الفصل الأول من دستور المملكة، الذي صودق عليه باستفتاء شعبي .

النص الدستوري يشير الى ضرورة محاسبة المسؤولين عن تدبير الشأن العام، سواء كانوا سياسيين أو وزراء أو منتخبين في مختلف المناصب، عند ثبوت تورطهم في تقصير أو اختلالات مهنية، والتي غالباً ما يتم استنتاجها من تقارير تطالب بها جهات معينة، مثل القصر الملكي أو رئاسة الحكومة، أو تعمل عليها مؤسسات معينة، من قبيل المجلس الأعلى للحسابات او تقارير مفتشية وزارة الداخلية، غير أن هذا المبدأ إنقسم تفعيله الى مرحلتين زمنيتين .

– المرحلة التمهيدية 2011

شكلت هذه المرحلة الاولى، تعثرات في التطبيق للنص الدستوري على أرض الواقع
في الساحة السياسية المغربية، وما واكبها من مطالب شعبية وحقوقية بضرورة التفعيل كلما صدر تقرير ضد مسؤولين خالفوا القانون أو سجلت في حقهم فضائح مالية او تدبيرية ، من أجل تخليق الحياة العامة، ومعاقبة المتورطين .

– مرحلة 2015 تحريك مبدأ الاعفاء من المهام

بدأ تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة خلال سنة 2015 من خلال إقالة مسؤولين من طرف الملك محمد السادس، ومعاقبة آخرين بعدم إسنادهم أي مناصب مستقبلا .

وشكل ضغط الشعبي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال الاحتجاجات في الشوارع، ساهم بشكل كبير في تحريك تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ إن ضغوطات شديدة واحتجاجات عارمة في الشارع المغربي ساهمت في قرارات سياسية كبيرة، من حجم إعفاء وزراء ومسؤولين ساميين وكبار في الدولة. وكانت بداية سنة 2015 إيذانا بأول تطبيق للمبدأ الدستوري الجديد، الذي لم يكن واردا ولا منصوصا عليه في دساتير سابقة، كما هو الحال عليه في الدستور الجديد، عندما تم إعفاء وزير الرياضة والشباب، محمد أوزين، بسبب تداعيات ما سمي حينها بفضيحة ملعب الرباط لكرة القدم، عندما غمرته مياه الأمطار، وصار بمثابة مسبح كبير خلال كأس العالم للأندية في سنة 2014.

وزراء أخرون أسقط الرأي العام الوطني رؤوسهم، بعد مواجهتهم بمواقع التواصل الاجتماعي والاعلام، من ضمنهم الوزير المكلف بقطاع التكوين المهني، عبد العظيم الكروج، بعد أن “تورط” في شراء كمية من الشوكولاتة الفاخرة لأغراض شخصية. وجاء إعفاء الوزير بطريقة سلسة، متوجا تحقيقا حكوميا تم خلاله رصد مسار حلوى فاخرة اشتراها الوزير من ميزانية الوزارة لحفل عائلي قبل أن تترصد الصحف والمنابر الإلكترونية فاتورة الشوكولاتة.

وتمت الإطاحة بالوزير الكروج دفعة واحدة مع وزيرين آخرين، هما الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون، لعزمهما الزواج، رغم أن الشوباني رجل متزوج، وهو ما أثار حينها ضجة عارمة سميت بـ”الكوبل الحكومي”.

– إحتجاجات الحسيمة ..كرة الثلج تكبر

اندلعت احتجاجات منطقة الريف في شهر أكتوبر 2016، لتبدأ كرة الثلج تكبر وتتدحرج، وتندلع إحتجاجات الحسيمة، تفاعل معها الشارع المغربي، وتتطورت الأمور إلى اعتقالات في صفوف النشطاء، وتدخلات على أعلى مستوى في الدولة. وكان من نتائج احتجاجات مدينة الحسيمة تحديداً أن الملك محمد السادس وجه أوامره بفتح تحقيق صارم حيال المتسببين في تعثر وتأخر تنفيذ مشروع الحسيمة منارة المتوسط، باعتبار أن ذلك كان أحد العوامل الرئيسية التي دفعت المتظاهرين في الريف للخروج إلى الشوارع للاحتجاج على تردي أحوالهم الاجتماعية. وانبثقت التحقيقات في ملف الحسيمة، والتي باشرها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، عن قرار الملك إعفاء عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، ضمنهم أربعة وزراء، ومسؤول رفيع المستوى يشغل منصب مدير مكتب الكهرباء، ومنع وزراء آخرين من تقلد مناصب رسمية مستقبلاً، ثم إعفاء 14 مسؤولاً كبيرا من مختلف المؤسسات العمومية .

و بعد واقعة الحسيمة والتي انتهت بإعتقال مجموعة ” الزفزافي” واعفاء وزراء ومسؤولين من مهامهم ، جاءت واقعة مصرع 15 سيدة في إحدى مناطق إقليم الصويرة، بسبب التدافع حول مساعدات غذائية ( قفة ) ، لتدفع نحو تطبيق النص الدستوري الخاص بربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ اتجهت قرارات الإعفاء في حق مسؤولين في الدرك الملكي بسبب “التقصير” في ضبط الحشود البشرية. كما أسفرت التحقيقات عن إنهاء مهام مسؤولين تورطوا في القضية، وما واكبها من إصدار مذكرات صارمة الى المسؤولين الترابيين من أجل ضبط كيفية تنظيم مناسبات تقديم المساعدات الانسانية من طرف الجمعيات المدنية أو الاشخاص الذاتيين . وجاء التحول في تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع، بعد أن كان مجرد نص مكتوب على الورق من دون روح ولا تنفيذ، نتيجة خطب ملكية شددت أخيرا على ضرورة محاسبة كل مسؤول تورط في إخلالات، إذ قال محمد السادس، في إحدى خطبه، “أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ”.

– واقعة مأساة ” طنجة” وربط المسؤولية

قبل أسابيع لقي العشرات من عمال معمل ” سري” للنسيج، مصرعهم غرقا وصعقا بالكهرباء، لتتحرك السلطات من جديد لفتح تحقيق، خصوصا ان القضية تم تداولها إعلاميا بشكل كبير ، كما عرفت القضية ضجة بالبرلمان، بعد المطالبة بمعاقبة من يقفون من وراءها، كما تمت الاشارة كذلك الى هذه القضية من طرف الملك خلال إجتماع بالمجلس الوزاري الاخير بفاس، بعد أن إستفسر الملك وزير الداخلية ” لفتيت ” عن ملف مأساة طنجة واعطى تعليماته بوضع تصور متكامل بين كافة القطاعات والتنسيق بينها، من أجل عدم تكرار نفس الاحداث على مستوى التراب الوطني .

– مطالب شعبية بتنزيل معاقبة المسؤولين عوض إعفاءهم

لازالت المطالب الشعبية بالشارع المغربي، او عبر مواقع التواصل الاجتماعي او الهيئات الحقوقية، تأمل أن يتم تنفيذ مبدأ ” العقاب” وعدم إفلات ” الفاسدين” من فضائحهم المالية، عوض الاكتفاء بالاعفاءات فقط.

فخلال عقد من زمن من إقرار دستور شعبي جديد، لازال مبدأ ” ربط المسؤولية بالمحاسبة” لم يصل الى مستوى طموح الشارع المغربي،بل إن العشرات من التقارير ” السوداء” للمجلس الاعلى للحسابات، ومثيلها من مفتشيات وزارة الداخلية والمالية، الى جانب التقارير السرية للأجهزة الامنية بخصوص تورط مسؤولين في إستغلال النفود للاغتناء، لم يسمع الشارع المغربي أن مسؤولا رفيع المستوى تم ايداعه السجن لارتكابه “جريمة الاغتناء من مرفق عمومي”، وقد سبق ذلك جرائم أخرى لازالت تأثيراتها قائمة الى حدود اليوم من فضائح مالية ” الضمان الاجتماعي و صندوق الايداع والتدبير وصندوق المقاصة وصندوق التسويق والتصدير وغيرهم” فكل ناهبي أموال الصناديق لم يطلهم ” العقاب ” والاموال ” ضاعت ” .

– التأسيس لمساءلة ذات تحفيز داخلي

في نظر باحثين، يجب على المسؤولين العموميين والمترافعين عن تقوية منظومة النزاهة العمومية أن يأخذوا بعين الاعتبار الحقيقة الراسخة بأن المساءلة تكون أكثر فعالية وإنتاجية عندما تنبع من المدبرين المسؤولين أنفسهم، سواء في إطار حكامة مؤسساتهم أو في إطار التنظيم والتقنين الذاتي أو القطاعي الوطني.

كما يرون أنه ليس هناك ما يُبرر بأي حال من الأحوال إعطاء الأولوية في النقاش العام للتحفيز الخارجي على تقديم الحساب الذي يتجسد في تشجيع الامتثال للأحكام القانونية التي تحدد وسيلة أو مسطرة أو صيرورة تقديم الحساب.

هذا التحفيز يُعزز الخضوع لمساءلة غير ذات مغزى عميق ، إذ إنها مدفوعة فقط بالخوف من فقدان الوضع الإداري والمكانة الاجتماعية والسمعة والثقة أو الخوف من فضح الإنجازات الزائفة، بل تكون المساءلة ذات مصداقية حين يكون حافز الخضوع لها داخليا، أي عندما تفهم وتقتنع الإدارة بأن المساءلة أداة تطوير محتمل وقيمة تنظيمية ترفع الأداء وتساهم في تحقيق المهام والرؤى، وبالتالي، ما ينبغي المطالبة به أكثر ليس الاستجابة للحوافز الخارجية للمحاسبة والمساءلة، بل الدفع نحو ترسيخ إطارات الحكامة التي تعزز التنظيم والتقنين الذاتي والرقابة الداخلية”.

– ضرورة خلق تناسق لإنقاذ مبدأ ” المساءلة ”

يرى مختصين أنه في ظل غياب إطار مرجعي لمنظومة مساءلة تحظى بالإجماع، ليس أمام الدول من خيار سوى تصميم وبناء نماذجها الخاصة بناء على التوصيات الدولية في مجالات الديمقراطية التمثيلية وسيادة القوانين ومكافحة الفساد والنزاهة العامة والحكم المنفتح .

كما يجب أن يكون السقف الأدنى لمساءلة المسؤولين العموميين، حسب المختصين، “عبارة عن منظومة محاسبة منهجية مستندة إلى منظومات فرعية متماسكة ومتكاملة تهتم بشكل متوازن بالامتثال للقوانين والتبرير العقلاني للفعل العمومي وبضمان شفافيته وترسي قواعد وظائف عقابية فعالة، كما الحرص على أن تعمل هذه المنظومات في تكامل وتناسق لتفادي فشل منظومة المساءلة بأكملها في تحقيق أهدافها.

ومع تخلي الدولة عن النموذج الإداري البيروقراطي وثقافته، يتوقع باحثون أن تترسخ في المستقبل أشكال مختلفة من المساءلة مبتكرة وأكثر فعالية، معتبرين أن “هذا المسار إلزامي ومصيري لأن المدخل لكل نموذج تنموي قابل للتطبيق ومستدام، كما عبر عن ذلك جلالة الملك، هو حكامة تربط المسؤولية بمحاسبة فعالة”.

وهناك نظرة إستشرافية للبحاثين بخصوص تطبيق ” المساءلة ” ويرون أن “حكامة القرن الواحد والعشرين ستشمل بالتأكيد فاعلين غير منتخبين وليسوا موظفين ولا مسؤولين رسميين، وذلك بسبب تضاؤل حواجز التمييز بين القطاعين العام والخاص في المستقبل، مما سيوسع نطاق المساءلة ليشمل حكومات الظل وشركاء الهيئات العامة والأطراف الخارجية والجمعيات ومجموعات الضغط، ولم لا حتى المواطنين العاديين”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السؤال المحرم بالقانون وهو من اين أتى لك هذا .نحن في ألفين وواحد وعشرين ولا زلنا نطالب برط المحاسبة بالمسئولية ولا كن للأسف لا احد يستطيع أن يغير الوضع لان الفساد قديم وله تاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى