دراسة : فيروس كورونا يقتل الذكور أكثر من الإناث

ع اللطيف بركة : هبة بريس

كشفت دراسة حديثة جمعت بيانات أكثر من ثلاثة ملايين شخص من 47 دولة. وجدت الدراسة التي نشرت في مجلات علمية ، أن الذكور كانوا أكثر عرضة من الإناث للإدخال إلى وحدة العناية المركزة بـ2.84 مرة، وأكثر عرضة للوفاة بسبب كوفيد-19 بـ1.39 مرة. ويجدر ملاحظة أن معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد متشابهة بين الذكور والإناث، لذا فإن الاختلافات لا تنبع من تعرض الرجال بشكل أكبر للفيروس، وإنما من آثاره الأكثر خطورة بمجرد إصابتهم به.

واشارت الدراسة بحسب مختصين، أن هناك شيئ بيولوجي يحدث ؛ تقول صبرا كلاين، الأستاذة في كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة. السؤال هو: ماذا؟

الخلايا التائية والسيتوكين

تتضمن إحدى الإجابات المحتملة، الاستجابة المناعية للجسم.

وكشفت الدراسة، أن الرجال والنساء لديهم استجابات مناعية مختلفة لكوفيد-19، مما أثّر على شدة العدوى لديهم. للبحث في هذا الأمر، أخذت أستاذة علم الأحياء المناعية في جامعة ييل، أكيكو إيواساكي، وفريقها عينات دم من الأشخاص الذين حضروا إلى المستشفى مصابين بكوفيد-19، ثم تابعوهم لمعرفة مدى تقدم حالتهم. اكتشف العلماء أن الخلايا التائية، وهي خلايا مناعية ضرورية لمحاربة الفيروس والمساعدة في إنتاج الأجسام المضادة، لدى الرجال أقل نشاطا منها لدى النساء.

بالإضافة إلى ذلك، كانت إصابة الرجال أصحاب الخلايا التائية الأقل نشاطًا بالمرض أكثر شدّة.

في المقابل، كان لدى الرجال مستويات أعلى من نوعين معينين من السيتوكينات، وهي بروتينات مناعية، مقارنة بالنساء. هذه السيتوكينات، المسماة (إل 8) و( إل -18)، تشير إلى استجابة مناعية مفرطة النشاط، يمكن أن تسبب التهابًا وتلفًا للأنسجة. ومن المثير للاهتمام، أنه حين كان لدى النساء مستويات مرتفعة من نفس هذه البروتينات المناعية الالتهابية، طورن حالات أكثر خطورة من كوفيد-19، مما يشير إلى أن (إل -8) و ( إل -18) ربما يكونان قد أسهما في الضرر.

تتوقع إيواساكي أن الاستجابة الضعيفة للخلايا التائية لدى الرجال قد تدفع الجهاز المناعي إلى الإفراط في إنتاج هذه السيتوكينات الالتهابية، كشكل آخر من أشكال الدفاع، ولكن هذا في النهاية يضرّ أكثر مما يساعد.

وتقول نفس الباحثى : «نحن نفترض أن من المحتمل، في حال عجز الرجال عن تحفيز استجابة جيدة للخلايا التائية، ألا يقدروا أيضًا على التخلص من الفيروس بسرعة، وهذا يؤدي إلى تكاثر الفيروس أكثر. ونظرًا لعدم امتلاكهم أي خلايا تائية لمحاربة العدوى، فإنهم سيفعّلون أنواعًا أخرى من الخلايا المناعية. هذه طريقة للتعويض عن عدم وجود الخلايا التائية، ولكن هذه الآلية التعويضية ستؤدي في الواقع إلى نتائج عكسية، لأن هذه السيتوكينات سامة جدًا للجسم نفسه».

تضيف إيواساكي، التي أصدرت ورقة مراجعة حول الفروق بين الجنسين في الاستجابات المناعية الأسبوع الماضي: «هذا يشبه الحلقة المفرغة».

الطفرات الجينية

عامل آخر محتمل هو الطفرات الجينية الأكثر شيوعا عند الرجال، والتي تعيق الاستجابة المناعية.

بحثت دراسة حالة نُشرت الصيف الماضي في «دورية الجمعية الطبية الأمريكية» (جاما ) زوجين من الأشقاء في العشرينات والثلاثينات من العمر من هولندا، أصيبوا بحالات شديدة من كوفيد-19 تطلبت إدخالهم المستشفى ووضعهم على أجهزة التنفس الاصطناعي.

وجد علماء هولنديون أن الرجال الأربعة، الذين مات أحدهم في النهاية بسبب المرض، لديهم نفس الطفرة الجينية. تسبب المتغير الجيني في إنتاج أجسامهم كمية أقل من مجموعة مهمة من البروتينات تسمى الإنترفيرون، التي تقوم بمراقبة واكتشاف فيروسات الحمض النووي الريبوزي، مثل فيروس كورونا، وهي خطوة أولى حاسمة في تفعيل الاستجابة المناعية. بدون هذه الإنترفيرونات، يكون الجهاز المناعي أبطأ في التعرف على الفيروسات الغازية والاستجابة لهم، مما قد يؤدي إلى إصابة أسوأ.

يقع الجين المعني، المسمى (TLR7)، على الكروموسوم X. ومن المرجح بشدة أن تؤثر الطفرات في جينات الكروموسوم X على الرجال أكثر من النساء، لأن النساء يمتلكن اثنين من الكروموسوم X، بينما يمتلك الرجال كروموسوم X واحد، وكروموسوم Y واحد. يعني هذا أنه في حال كان أحد جينات الكروموسوم X الموروث من أحد الوالدين متحورًا، فإن المرأة لديها نسخة ثانية من ذلك الجين من الوالد الآخر على الكروموسوم الثاني، يمكن أن تسد مكان الجين المتحور. أما الرجال فلديهم نسخة واحدة فقط من جينات الكروموسوم X، لذلك، إذا كان أحدها متحورًا، فلا بديل عنه.

تدعم الأبحاث الأخرى النتائج القائلة بأن الأشخاص الذين يعانون من حالات شديدة من كوفيد-19 لديهم على الأغلب طفرات جينية تكبح إنتاج وعمل الإنترفيرون. وتأكيدًا للدور المهم لهذه البروتينات، وجدت دراسة أخرى أن 10% من الأشخاص المصابين بعدوى كوفيد-19 شديدة، لديهم استجابة غير طبيعية للإنترفيرون، حيث قام الجهاز المناعي بالتخريب الذاتي، وهاجم الإنترفيرون بدل الفيروس. الغالبية العظمى (94%) ممن لديهم استجابة خاطئة كانوا من الذكور.

الهرمونات الجنسية
يمكن أن تلعب الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والإستروجين أيضًا دورًا في استجابات الرجال والنساء المتباينة لفيروس كورونا المستجد. يدخل الفيروس إلى الجسم من خلال مستقبلين مختلفين، هما مستقبل الإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين 2 (ACE2) سيء السمعة، ومستقبل TMPRSS2 الأقل شهرة. اتضح أنّ هذين المستقبلين ينظّمهما الإستروجين والتستوستيرون، على التوالي.

اكتشف العلماء في إيطاليا أن الرجال الذين كانوا يتلقون علاجًا بالحرمان من الأندروجين -الذي يثبط مستويات هرمون التستوستيرون- لعلاج سرطان البروستات، يكون احتمال إصابتهم بكوفيد-19 20% من احتمال إصابة مرضى السرطان الآخرين. ويعتقد العلماء أن الحماية ترجع إلى تأثير هرمون التستوستيرون على TMPRSS2، حيث أن المستويات المثبَّطة للهرمون الجنسي تقلل أيضًا من عدد مستقبلات TMPRSS2 المتاحة للفيروس للتشبث بها. يختبر الباحثون في «إدارة قدامى المحاربين في الولايات المتحدة» حاليًا هذه النظرية عبر تجربة سريرية تتضمن علاج الرجال المُدخلين إلى المستشفى لإصابتهم بكوفيد-19 بالحرمان من الأندروجين.

استجابات التوتر
يمكن أن تكون هناك أيضًا عوامل اجتماعية لها دور في الأثر الشديد لكوفيد-19 على الرجال -التوتر خصوصًا-، وارتفاع معدل الوفيات بينهم أثناء الجائحة. يقول ديريك جريفيث، مؤسس ومدير «مركز أبحاث صحة الرجال» في جامعة فاندربيلت، إنه بينما يعاني الرجال والنساء من مستويات شبيهة من التوتر، يتعامل الرجال معه بصورة أسوأ.

يقول: «تميل النساء، من خلال الطريقة التي يتفاعلن بها مع الناس ويعاشروهنّ، إلى أن يكون لديهن طريقة أكثر فاعلية للاستجابة الاجتماعية والنفسية للتوتر. ويميل الرجال إلى تشرّب هذه الأشياء وعدم التعبير عنها حقًا أو مشاركتها، وما إلى ذلك. لذا فإن تلك الطرق الصحية للتعامل مع المشاعر السلبية أكثر شيوعًا لدى النساء منها لدى الرجال». ويضيف جريفيث أن المعدلات المرتفعة لتعاطي المخدرات والانتحار، غالبًا ما تكون من آثار الاكتئاب والعجز عن التعامل مع التوتر لدى الرجال.

«تميل الأجهزة العضوية الذكرية إلى أن تكون أضعف من الأجهزة العضوية الأنثوية بشكل عام، وهذا أحد الأسباب وراء ارتفاع معدلات وفيات الرجال مقارنة بالنساء».

يمكن أن يكون للتوتر المزمن تأثير ضار على العديد من أجهزة الجسم، فقد يؤدي إلى التهابات، وارتفاع في ضغط الدم، وارتفاع في مستويات السكر في الدم، على سبيل المثال. وإذا كان لدى الرجال بالفعل استجابات مناعية أضعف، كما هو موضح أعلاه، فإن التأثير الإضافي الناجم عن التوتر المزمن الذي لم يتم حله، يمكن أن يؤثر سلبيًا بشكل خطيرًا على الجسم.

ومن الجدير بالذكر أيضًا، أن كوفيد-19 ليس الحالة الصحية الأولى التي تؤثر على الرجال أكثر من النساء. متوسط العمر المتوقع للرجال أقصر، ومعدلات الوفيات المبكرة (الوفاة قبل سن 60) أعلى، ومعدلات الوفيات بسبب الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسرطان والسكري أعلى، ومعدلات الإصابة بهذه الأمراض أعلى أيضًا.

«تميل الأجهزة العضوية الذكرية إلى أن تكون أضعف من الأجهزة العضوية الأنثوية بشكل عام، وهذا أحد الأسباب وراء ارتفاع معدلات وفيات الرجال مقارنة بالنساء، خصوصًا فيما يتعلق بأمور مثل معدلات الأمراض المزمنة ومتوسط العمر المتوقع، وما إلى ذلك»، يقول جريفيث. «ما أعنيه بضعف الأجهزة العضوية الذكرية، هو أن لديك الكثير من العوامل المناعية التي تميل إلى أن تكون أقوى عند النساء، وبالتالي عند التوتر، فإن الأجهزة الأنثوية أقدر على الاستجابة. وكررت تسميتها بالأجهزة العضوية الذكرية والأنثوية لأننا رأينا ذلك عبر مسار الحياة من الولادة إلى الموت عند البشر، ورأيناها أيضًا عبر أنواع مختلفة».

ليس كوفيد-19 فقط
لوحظ هذا التباين بين الجنسين أيضًا في حالات العدوى الفيروسية الأخرى. على سبيل المثال، أدت فيروسات كورونا السابقة؛ سارس (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم)، وميرس (فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، إلى حدوث إصابات أكثر شدة ووفيات أكثر بين الرجال.

يمكن أن تؤدي الاستجابة المناعية الأقوى لدى النساء إلى نتائج عكسية؛ على سبيل المثال، النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية التي يهاجم فيها الجهاز المناعي للجسم خلاياه، بدل مسببات الأمراض.

ومن المثير للاهتمام، عندما يتعلق الأمر بالحالات الشديدة من نزلات الإنفلونزا التي تسببها فيروسات الإنفلونزا، يبدو أن هناك تفاعلًا بين الجنس والعمر. في الأطفال، من المرجح أن يُدخل الأطفال الذكور المستشفى بسبب الإنفلونزا أكثر من الإناث. ويظهر نفس النمط في مراحل لاحقة من الحياة، حيث عدد الرجال في سن 65 وما فوق الذين يدخلون المستشفى بسبب الإنفلونزا أكبر من عدد النساء، وكذلك عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا. ومع ذلك، خلال مرحلة الرشد المبكرة والمتوسطة، لا سيما سنوات الإنجاب، تعاني النساء بالفعل من نتائج مرضية أسوأ، مما يشير إلى أن الهرمونات الجنسية الأنثوية تؤثر على الاستجابة المناعية للإنفلونزا.

تقول كلاين، أخصائية المناعة في جامعة جونز هوبكنز، إنه في هذا العمر، يمكن للاستجابة المناعية القوية للمرأة في بعض الأحيان أن تضر أكثر مما تنفع. «يمكن لهذه المناعة المتزايدة التي تساعد في التخلص من الفيروس، أن تكون ضارة أيضًا عبر المساهمة في عاصفة السيتوكين هذه، والمساهمة في تلف بعض الأنسجة. حتى إننا نرى ذلك في الدراسات التي أجريت على الحيوانات، حيث ترى تلفًا أكبر في أنسجة الرئتين، وبالتالي يمكن أن تستغرق الإناث وقتًا أطول للتعافي من الإنفلونزا». وجدير بالذكر أن كلاين تقول إن هذا النزوع لم يُلاحظ في الوباء الحالي، حتى في دراسات كوفيد-19 التي أجريت على الحيوانات. والعلماء غير متأكدين من سبب اختلاف الاستجابات المناعية بين الفيروسين بهذه الطريقة.

يمكن أن تؤدي الاستجابة المناعية الأقوى لدى النساء إلى نتائج عكسية في مواقف أخرى أيضًا. على سبيل المثال، النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية التي يهاجم فيها الجهاز المناعي للجسم خلاياه، بدل مسببات الأمراض الغريبة.

لدى النساء أيضًا معدلات أعلى من كوفيد-19 طويل الأمد، والذي يعتقد بعض العلماء الآن أنه يمكن أن يكون شكلًا من أشكال أمراض المناعة الذاتية.

تقول إيواساكي: «من الممكن أن يكون الجانب الآخر لما نراه في مرضى المستشفيات، هو أن تطوّر النساء استجابات مناعية تكيفية قوية قد تنتهي إما بإتلاف الخلايا المضيفة أو توليد نوع من المناعة الذاتية. قد تكون النساء أكثر عرضة لخطر تطوير الأجسام المضادة الذاتية أو الخلايا التائية ذاتية النشاط».

بعبارة أخرى، مجرد كون فرصة وفاة النساء من كوفيد-19 أقل، لا يعني غياب تداعيات خطيرة أخرى للمرض، وبالطبع ماتت ملايين النساء حول العالم أثناء الجائحة. يجدر بالجميع، رجالًا ونساءً على حدٍّ سواء، البقاء حذرين عندما يتعلق الأمر بكوفيد-19؛ بارتداء الكمامات، والاستمرار في التباعد الاجتماعي، والحصول على اللقاح عندما تسنح الفرصة.

وجدت دراسة نُشرت مؤخرا، أن التغييرات في الشمّ أو الذوق المبلغ عنها ذاتيًا، كانت علامة أفضل لانتشار العدوى من المؤشرات الأخرى التي تتبعها الحكومات.

قامت إحدى المراجعات التي نُشرت في مجلات علمية ، بجميع بيانات من 8438 شخصًا مصابًا بكوفيد-19، ووجدت أن 41 في المائة منهم قد أبلغوا عن فقدان حاسة الشم. و في دراسة أخرى ، أجرى فريق بقيادة الباحثة شيما ت. معين في «معهد البحوث في العلوم الأساسية» في طهران، إيران، اختبار التعرف على الرائحة على 100 شخص مصاب بكوفيد-19، وفيه قام المرضى بشمّ الروائح وتحديدها على أساس الاختيار من متعدد. عانى 96 في المائة من المشاركين من بعض الخلل في حاسة الشمّ، وعانى 18 في المائة من الفقدان الكامل لها، المعروف باسم أنوسميا .

تقول معين: «عادة، يقول هؤلاء المرضى أنهم فقدوا حاسة الشمّ فجأةً»، وهذا دليل على أن الأعراض مرتبطة بكوفيد-19. وغالبًا ما يكون هذا الخلل هو العرض الوحيد لفيروس كورونا المستجد الذي يلاحظه الناس، ما يشير إلى أن هذه الظاهرة منفصلة عن احتقان الأنف الناجم عن الإصابة بفيروس.

يقول بعض الباحثين إنه يجب استخدام فقدان حاسة الشمّ كاختبار تشخيصي لكوفيد-19. ووجدت دراسة ثالثة، أن التغييرات في الشمّ أو الذوق المبلغ عنها ذاتيًا، كانت علامة أفضل لانتشار العدوى من المؤشرات الأخرى التي تتبعها الحكومات، مثل الإدخالات إلى أقسام الحوادث وأقسام الطوارئ في المستشفيات.

لماذا يفقد المصابون بكوفيد-19 حساسيتهم للروائح؟
رغم أن الآليات ليست مفهومة تمامًا، لكن إجماعًا أخذ ينشأ على أن فقدان الرائحة يحدث عندما يصيب فيروس كورونا الخلايا التي تدعم الخلايا العصبية في الأنف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى