تحقيق “العدالة المائية” الإمتحان الصعب أمام مسؤولي جهة سوس ماسة

ع اللطيف بركة : هبة بريس

لازالت إشكالية توزيع مياه الشرب والسقي بين أقاليم ومدن سوس، إمتحان صعب أمام مسؤولي الجهة ومعهم لجنة المياه التي يترأسها العثماني، بناءا على مقتضيات قانون الماء 10.95 الذي يعتبر الماء حق للجميع .

وشكلت أزمة المياه الاخيرة التي عاشتها ساكنة أقاليم ومدن سوس ماسة، النقطة المفصلية في إعادة النظر في السياسة المائية بأهم جهات المملكة التي تعتمد ساكنتها على الفلاحة منذ عقود، مقابل تفريخ العديد من التجمعات السكنية التي أصبحت تهديدا حقيقيا لمخزون الاراضي الصالحة للزراعة أو المياه .

ففي وقت قريب، كانت لجنة المياه على مستوى ولاية جهة سوس ماسة، قد إتخدت إجراءات للحد من تأثير أزمة المياه بعد تراجع حقينة السدود من أجل تأمين مياه الشرب لساكنة أكادير، وهو الاجراء الذي قابله رفض من فلاحي تارودانت، بعد إقتسام حصتهم من مياه السقي القادمة من سد ” أولوز ” بعد تخصيص جزء منها لمياه الشرب، وبعد التجادبات بين الفلاحين والسلطات، تم الإقرار بزيادة الحصة، غير أن التساقطات المطرية الاخيرة خففت من الأزمة وأنعشت حقينة السدود .

لكن مؤخرا، بدأ التساؤل يخيم على جميع المهتمين خصوصا الشأن الفلاحي بالجهة، حول إبقاء المسؤولين على قرار جلب مياه الشرب لأكادير، من سد أولوز بتارودانت المخصص أصلا لمياه سقي بساتين الكردان، علما أن السدود التي كانت المزود الرئيسي لأكادير من المياه، عرفت بدورها إنتعاشا في حقينتها .

– تحقيق ” عدالة مائية” بين أقاليم الجهة

تعتبر “العدالة المائية” بحسب مهتمين بالمجال، مدخلا أساسي للحكامة وحسن توزيع وترشيد استهلاك هذه الطاقة الحيوية الضرورية لحياة الإنسان، فضلا عن الاستغلال العادل ما بين المجالات داخل كل المناطق وخاصة القروية والجبلية والنائية، التي تكون في معزل تام عن شبكة الماء الصالح للشرب.

وما يفرض النقاش حول هذه الوضعية، هو محدودية الموارد المائية وتأثير التغيرات المناخية، والتباين الكبير بين السنوات في الواردات المائية السطحية، وارتفاع وتيرة وحدة الظواهر القصوى (الفيضانات والجفاف)، والطلب المتزايد على الماء الصالح للشرب، والكلفة المتزايدة للماء وللمشاريع المرتبطة به، والتوازن مابين المدارات السقوية المتوسطة والكبرى، وكذا إشكالية التلوث.

وبالرغم من أن المملكة أصبحت رائدة في مجال بناء السدود بدول شمال إفريقيا، منذ عهد الراحل الحسن الثاني وبعده الملك محمد السادس، بعد إنشاء أزيد من 140 سدا كبيرا بسعة إجمالية تبلغ 17,6 مليار متر مكعب إلى حد الآن، و13 منشأة لتحويل المياه، وآبار لاستغلال المياه الجوفية، ومحطات لتحلية مياه البحر، كما يوجد 14 سدا كبيرا بسعة 3,5 مليار متر مكعب في طور الإنجاز.

الهدف طبعا من هذه المنشآت يتجلى على الخصوص في تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب ومواكبة التطور الصناعي والمنجمي، وسقي أكثر من 1,5 مليون هكتار، والمساهمة في تغطية جزء من الحاجيات الطاقية، والحماية من الفيضانات.

كما أن المخطط الوطني للماء كمرجع أساسي الان للسياسة المائية الوطنية، حدد الأولويات الوطنية وبرامج العمل من أجل ضمان الأمن المائي الوطني، عبر توفير الكميات الضرورية من الماء لسد العجز المحتمل، واقتراح بدائل جديدة وغير تقليدية لتوفير المياه في مختلف الظروف المناخية، وتبني مقاربة تشاورية وتشاركية تضمن الالتقائية مع الاستراتيجيات القطاعية واقتراح آليات للتمويل تتلاءم وحاجيات مختلف المشاريع واستعمالات المياه، وكذا اقتراح خطة من أجل تفعيل وتتبع البرامج المقترحة عبر تعبئة جميع الأطراف المعنية والتنسيق بينها لبلوغ أهداف المخطط.

مسؤولي سوس وروح القانون 36-15

شكل إستمرار مسؤولي جهة سوس ماسة في إستغلال مياه سد أولوز الموجهة أصلا لأغراض زراعية، وترك سدود أخرى وظيفتها الاصلية توفير مياه الشرب لساكنة أكادير الكبير ، تناقضا مع روح قانون 36-15 المتعلق بالماء والذي يروم بالخصوص ترسيخ مفهوم العدالة المائية، وتيسير حصول المواطنات والمواطنين على قدم المساواة على الماء والعيش في بيئة سليمة لتلبية حاجياتهم الأساسية، ومراعاة حاجيات ساكنة المناطق الجبلية من المياه وفق مقاربة تنموية تروم استدامة الموارد بما يضمن استمرار استفادة ساكنة سافلة السدود من مياه مجاري المياه، وكذا حماية الملك العام المائي.

وضعية تأتي بالموازاة مع تأثيرات الفيضانات الاخيرة على المدن، وضياع الملايين من الأمتار المكعبة من المياه السطحية في إتجاه البحر، وما أعقبها من إحتجاجات حول نجاعة برامج قطاعية ذات صلة بالماء التي أطلقتها المملكة كالبرنامج الوطني للتطهير السائل الذي كلف المغرب ما يناهز 5000 مليار، والذي فتح في شأنه المجلس الاعلى للحسابات تمحيصا بخصوص الصفقات التي أطلقها المكتب الوطني للماء بالمناطق الحضرية والشبه حضرية ومدى مطابقتها لدفاتر التحملات الموضوعة في هذا الشأن .

الوضعية الأن تحتاج مناظرة جهوية حول ” العدالة المائية” بمشاركة كل المتدخلين، على الاقل وضع تصور متوسط او بعيد المدى، لأن جهة سوس ماسة، من الجهات الأكثر تأثرا بأزمة المياه في السنوات الأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى