قُنْصُليَّة أَمْريكا بِالداخلة. . . إِقْبارٌ لِنِزَاعٍ مُفْتَعَلٍ حَرَكَتهُ حِساباتُ الحَرْبِ البَارِدَة
هبة بريس ـ مروان المغربي
تم يوم أمس الأحد 10 يناير 2021 بمدينة الداخلة تنزيل المرسوم الرئاسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، القاضي ببناء قنصلية عامة أمريكية بمدينة الداخلة، بحضور السفير الأمريكي بالمغرب دافيد فيشر، و دافيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة .
وجاء بناء القنصلية العامة الأمريكية بمدينة الداخلة في إطار موقف الولايات المتحدة الأمريكية الأخير المعترف بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وهو الأمر الذي كرس لحقبة جديدة للعلاقات المغربية الأمريكية التي ظلت متراصة على مدى عقود من الزمن. فما هي إذن دلالات هذا الافتتاح الرسمي لقنصلية الولايات المتحدة الأمريكية بالداخلة المغربية، وما هي أبعاده السياسية والاقتصادية؟ وانعكاساته على قضية الصحراء المغربية ؟
محمد العربان، أستاذ القانون الدولي بكلية العرائش، لخص أبعاد الموقف الأمريكي بالافتتاح الرسمي لقنصلية الولايات المتحدة الأمريكية بالداخلة المغربية في ثلاث نقاط مهمة، أولهما أن هذا الافتتاح الرسمي للقنصلية يرمز إلى رغبة أمريكية رسمية وإصرار على تفعيل الإعلان الرئاسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والقاضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية رسميا بسيادة المملكة المغربية على كل أقاليم الصحراء المغربية.
واسترسل الأستاذ العربان في تصريح لجريدة ”هبة بريس“ الإلكترونية، مسترجعاً صيغة وشكل القرار الصادر عن الرئيس الأمريكي، والذي اعتبره يحمل كل عناصر الإلزام الفوري لكل الإدارات الفدرالية وكتابات الدولة وخاصة كتابة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية. مؤكداً أن ذلك ظهر جليا في سرعة تفاعل كاتب الدولة في الخارجية مايك بومبيو قبل أيام عندما صرح بأن إدارته بدأت فعليا إجراءات فتح القنصلية بالداخلة تفعيلا لقرار الرئيس الأمريكي المتضمن في الإعلان الرئاسي..وهو ما يؤشر على جدية الإدارة الأمريكية وحماسها الشديد بهذا الخصوص ورغبة أكيدة لتدارك الزمن السياسي الذي أهدرته الإدارات الأمريكية السابقة، لتأكيد مغربية الصحراء ودعم حقوقه التاريخية على أراضيه الجنوبية، بسبب نقص الجرأة والحسابات والتوازنات الجيوسياسية..“، يقول ذات المتحدث.
وبخصوص الدلالة الثانية، أكد متحدثنا أنها تتمثل في تفعيل توجه أمريكي مفاده أن نزاع الصحراء في عمقه لا يعدو أن يكون إلا نزاعا مفتعلا، حركته حسابات الحرب الباردة وصراعات الريادة الجيوسياسية من دول مجاورة على حساب الحقوق التاريخية للمملكة المغربية، وبالتالي ضرورة حسمه انضباطا لمنطق التاريخ ولمصلحة المنطقة ككل، يعتبر مدخلا أساسيا ووحيدا من أجل المرور لعملية الإعمار والتنمية عبر بوابة الاستثمار في الأرض والإنسان. والمقاربة في جوهرها تنطلق من كون أن مواطني هذه المنطقة يستحقون مستقبلا أفضل وأكثر إشراقا داخل وطنهم المغرب..بعد أن طالت سنوات استغلالهم من قوى لا تتقن إلا تموين الشعارات وزرع الأوهام والمتاجرة بالمآسي..
وفيما يتعلق بالدلالة الثالثة، اعتبر العربان من وجهة نظره أنها تتأسس على الرهان الرئيسي الذي تحكم في القرار الأمريكي وهو الرهان الإقتصادي/التنموي..ذلك أن الإدارة الأمريكية تراهن على جعل منطقة الصحراء المغربية قاعدة تنطلق منها لعمق الأسواق الإفريقية ولتحريك عجلة التنمية والاستثمار في المنطقة كخيار استراتيجي تؤطره المصالح المتبادلة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وتعززه الثقة الأمريكية في المملكة المغربية بأمنها واستقرارها وكبيئة جاذبة لرأس المال الأجنبي ومحفزة للإستثمار..“.
وخلص الأستاذ العربان، مستدلاً بأن ”المؤشر الأساسي الذي يدعم هذا التوجه بالإضافة إلى غلبة المكون الإقتصادي والإستثماري في تشكيل عناصر البعثة القنصلية في الصحراء المغربية، هو حجم الإستثمارات المباشرة التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية ضخها في المملكة المغربية وفي إقاليم الصحراء المغربية بالخصوص، والذي يصل حسب تقديرات أولية إلى خمس مليارات دولار تتوزع بين استثمارات القطاع الخاص الأمريكي وبين اعتمادات صندوق “ازدهار إفريقيا” الذي ترعاه الإدارة الأمريكية، والذي يهدف إلى جعل المغرب مركزا لإدارة وتمويل البرامج الإستثمارية والتنموية الأمريكية في شمال إفريقيا والدول الإفريقية جنوب الصحراء، مما يعكس كما قلنا قوة ومثانة العلاقات الثنائية بين بلدينا وثقة شركائنا الأمريكيين في مناخنا القانوني والسياسي والإستثماري خدمة لأهداف الإقلاع الإقتصادي والتنمية في عموم المنطقة“.