البيضاء…منازل تنهار على رؤوس أصحابها وفوضى تملأ المكان

 

طارق عبلا_ هبة بريس

على مايبدو أن بعض مسؤولينا ومنتخبينا تعودوا على سنوات الجفاف وباتوا يتضرعون للمولى عز وجل أن لا يخيب ظنهم وأن لا يحرجهم أمام العباد والبلاد…لكن قدرة القادر كانت كافية لإماطة اللثام عن محدودية الخدمات التي تعهدوا بها أمام الله وأمام الناس وأمام التاريخ، لتبقى آلام ضحاياها عالقة على رقابهم إلى يوم الدين.

إنها فضيحة الفياضانات التي شهدتها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، هاته المدينة التي صرفت عليها الملايير تهيئة وعمرانا واقتصادا، مدينة بين عشية وضحايا صارت عبارة عن سفينة غارقة في بحر لجي….أنهار متدفقة بالشوارع، وانهيارات بالجملة للقناطر والمنازل وما شيدته أيدي الناس.

إنها مهزلة التدبير المفوض، مهزلة التدبير والتسيير داخل المجالس المنتخبة، مهزلة العبث بالمال العام والتلاعب بأرواح المواطنين…فيا أسافاه!

لنعود لنحصي الخسائر ونرويها بكاميرا هبة بريس التي رصدت كل صغيرة وكبيرة، فبعد أن جادت السماء بجودها بأمر من العلي القدير، حتى وضع منتخبونا أياديهم على قلوبهم خوفا من كشف عوراتهم وسوء تدبيرهم، حتى أنهم صاروا ” بلا وجه أمام المواطنين الذين منحوهم التزكيات”…فبعد شوهة ملعب محمد الخامس لكرة القدم الذي خصصت له مبالغ مهمة، والذي شوهد وهو يغرق بدوره في الماء، وبعد أن صار أضحوكة على كبريات الصحف والقنوات العالمية، وبعد شوهة الأمطار التي غمرت بيوت المواطنين والمحلات التجارية وأربكت حركة المرور وقطارات الترامواي، هاهي اليوم تعود أمطار الخير لتزرع الرعب من جديد وتكشف حجم التهور وسوء التدبير.

المشهد من حي مولاي الشريف بالحي المحمدي، حيث انهارت المنازل على رؤوس أصحابها من الفقراء، فيما لازال العديد منها مهدد بالانهيار في الأيام القليلة الماضية، على الرغم أن بعض ساكنتها وجهوا في وقت سابق شكاياتهم ومطالبهم للجهات المعنية محذرين من وقوع الكارثة، لكن دون جدوى.

ما عرف حي مولاي الشريف، يختزل حجم المشاكل التي تهدد المنازل الآيلة للسقوط، ويعطي صورة قاتمة على واقع السكن بالمدينة بفعل تمادي سياسة الترقيع وعدم تحمل المسؤولية، فالحكومة هنا يبقى على عاتقها فتح تحقيق شفاف ونزيه لربط المسؤولية بالمحاسبة.

حي مولاي الشريف هذا الذي عاش اليوم أصعب لحظاته، من انهيارات للمنازل، وفوضى عارمة وارتباك بحضور عامل ومسؤولي المنطقة الذين اكتفوا بمعانقة أيديهم دون توجيهات تعليمات صارمة..صحافيون تائهون لامكان آمن لهم يحتضنهم لنقل رسائلهم بكل أمانة، وفرق الاغاثة بدورهم وجدوا أنفسهم محاصرين بالتجمهرات، فيما ساد الهلع والخوف بين صفوف المواطنين، فاختلط الحابل بالنابل، فلا يكاد المرء يفرق بين ضحية أو مسؤول أو صحفي أو عنصر وقاية مدنية…عنوان المشهد فوضى عارمة وارتباك ينم عن غياب حكامة جيدة في التعامل مع الأزمات.

تجمعات لمسؤولين هنا وهناك، و أفراد الانعاش الوطني يزيلون الأحجار المتساقطة، وبجانبهم منازل أخرى تكاد تسقط على رؤوس المواطنين والمتجمهرين، في غياب تام للحواجز الأمنية التي من المفروض أن تمنع التنقلات…إنه غيض من فيض لواقع مرير وسوء تدبير، أعطى صورة سوداوية عن مدينة كانت حتى الأمس القريب تصنف ضمن المدن العالمية، لكن أمطار الغيث سرعان من عرّت عن واقعها المزيف.

فهل ستُفتح سجلات المحاسبة لتقديم كل من تبث في حقه التلاعب بحياة البلاد والعباد؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى در الرماد في العيون سرعان ما يُنسى أو يتناسى وتطوى معه آلام ضحايا أبرياء ذنبهم أنهم أخذوا من دورهم مأوى لهم ومتكأ؟.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. التدبير المفوض كارثة بكل المقاييس و اليوم يشمل كل المجالات، يجب على الدولة مراجعة خياراتها قبل أن تحل المصيبة، فلا يغسل وجهك سوى يديك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى