بحث عن متغيب.. والي الدار البيضاء الذي لم نعرف إسمه سوى بعد غرق المدينة

هبة بريس ـ الدار البيضاء

هل تستطيعون التعرف على إسم و صورة والي جهة الدار البيضاء سطات الحالي؟ الجواب سيكون بلا شك لا، حيث أن والي الجهة فضل منذ تعيينه في هذا المنصب الانزواء و الانغلاق على نفسه بعيدا عن كاميرات وسائل الإعلام للتجاوب و التواصل مع المواطنين و التفاعل مع همومهم و انتظاراتهم.

و لمن لا يعرف إسم والي جهة الدار البيضاء سطات لا بأس من التذكير بكونه هو سعيد احميدوش، هذا الرجل الذي عينه في منصبه جلالة الملك محمد السادس قبل حوالي سنتين من الآن، و هو من مواليد سنة 1959.

الرجل شغل قبل تعيينه واليا على الجهة مجموعة من المناصب بعد عودته من باريس التي تخرج منها بصفة مهندس، بداية من “لاسامير” ثم مديرا لعدد من شركات التأمين، قبل أن يتم تعيينه على رأس بورصة الدار البيضاء للقيم ثم مديرا عاما للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

سعيد احميدوش و بصفته المسؤول الأول بجهة الدار البيضاء سطات نادر الظهور في وسائل الإعلام و هو ما يجعل إسمه قليل التردد على المسامع بالرغم من تقلده سابقا مناصب مهمة، غير أن تعيينه كوالي على أكبر جهات المملكة من حيث التعداد السكاني يفرض عليه تغيير طريقة تواصله و الانفتاح أكثر على الرأي العام و المحلي.

غرقت البيضاء قطب الجهة، المدينة التي شنفوا مسامعنا طويلا بأن مشاريعها “العملاقة” التي التهمت الملايير من ميزانية الشعب دافع الضرائب قد أصبحت تصنف ضمن كوكبة المدن الذكية في العالم.

أول زخة مطر كانت كفيلة بأن تلعب دور قضاة جطو و تفضح للمغاربة و العالم بأسره هشاشة البنية التحتية بالمدينة المليونية و تبرز بما لا يدع مجالا للشك أن كل تلك الملايير التي صرفت تحتاج لمحاسبة قد تعصف بعديد الرؤوس و تطيح بأسماء صنعت مجدها و لربما ثروتها من مدينة تتنفس الآن تحت الماء.

أحميدوش و في الوقت الذي كان البيضاويون ينتظرون منه أن يغادر مكتبه المكيف و يترجل من سيارته الفخمة ليزور الأحياء الشعبية الهامشية التي غرق سكانها و غمرت المياه منازلهم و أتلفت ممتلكاتهم و “تحويشة” العمر، نجده غائبا عن المشهد كما هي عادته التي ألفناها.

كان حريا بالوالي الذي عينه الملك ليكون ممثلا لجلالته و خادما لرعيته أن يترك كل ما بيده على عجل و يتفقد رعايا عاهل البلاد في مدينة الدار البيضاء ، و يجالس كل المسؤولين عن الفضيحة التي هزت كبرياء “مرآة المغرب” و يعطي تعليماته الفورية بفتح تحقيق للمحاسبة الصارمة لكل من تبث تورطه في أي اختلال ساهم في إغراق البيضاء.

و لنا عبرة في الدول المتقدمة التي نحتاج لسنوات ضوئية طويلة لنصل لربع ما وصلت له الآن، في تلك الدول التي يسارع المسؤولون برتبة “الوالي احميدوش” للاستقالة و تقديم اعتذار للمواطنين عن التقصير و لو كان غير مباشر في مثل هاته الحالات.

لكن و ما دمنا في المغرب، فالأمر يعتبر ضربا من الخيال، و الاستقالة لا توجد في قواميس مسؤولينا، اللهم إن جاء قرار الإعفاء من “جهات عليا” و من ملك البلاد بالضبط الذي يحرص أشد الحرص في كل خطاباته على حث المسؤولين على الالتزام بخدمة الشعب بروح مواطنة عالية و بضمير مسؤولية، و لا بأس من التذكير بما قاله جلالته في خطابه الشهير بمناسبة عيد العرش الثامن عشر.

الملك محمد السادس و بصريح العبارة قال: “أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته، ويستقل سيارته، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس، دون خجل ولا حياء، وهو يعلم بأنهم يعرفون بأنه ليس له ضمير، ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم؟ رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله والوطن والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟”.

و شدد العاهل المغربي في الخطاب ذاته على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقال بهذا الخصوص: “لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدإ، فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة”.

و أضاف الملك: “إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب”.

كما جاء في ذات الخطاب عبارة: “عوض أن يبرر المسؤول عجزه بترديد أسطوانة يمنعونني من القيام بعملي، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد، المغرب يجب أن يبقى فوق الجميع، فوق الأحزاب، وفوق الانتخابات، وفوق المناصب الإدارية”.

خطاب واضح و صريح لكل المسؤولين بما فيهم سعيد احميدوش والي جهة الدار البيضاء سطات و معه عبد العزيز العماري عمدة المدينة و كل المسؤولين، فلا يعقل بتاتا ما نشاهده اليوم في مدينة الدار البيضاء، و الملك بطبيعة الحال لن يكون راضيا عن ما يتوصل به من تقارير في هذا الخصوص.

صحيح ليس احميدوش المسؤول عن ما يقع اليوم بمدينة الدار البيضاء، و هذا نتاج تراكم لسنوات إن لم نقل عقودا، و نتيجة تهاون و تعاقب عشرات المسؤولين باختلاف درجة مسؤولياتهم، لكن والي الجهة يتحمل الآن زمام المسؤولية و أبسط ما يفترض أن يقوم به أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية و لو بشكل غير مباشر و يفتح تحقيقا لكشف الاختلالات و ترتيب الجزاءات.

أبسط ما يقوم به الوالي احميدوش و هذا من باب مسؤوليته بطبيعة الحال أن يتواصل مع الساكنة، الساكنة التي يستغلها المنتخبون كأصوات انتخابية يدغدغون عواطفها بمهاجمة شركات التدبير المفوض تارة و بإلقاء كامل المسؤولية على جهات أخرى.

آلاف السكان تضرروا من الفيضانات و المياه التي غمرت بيوتهم و أتلفت سياراتهم و تجهيزاتهم، و لن تعوضهم لا شركة ليديك و لا تأمينات كما حاول العماري تسويقه، و هم يدركون جيدا هذا الأمر، فعلى الأقل ينتظرون من احميدوش أن يطبق تعليمات الملك و توجيهاته لربط المسؤولية بالمحاسبة و أن يتواصل مع الشعب رعية جلالته الذي عينه في هذا المنصب، لطمأنتهم و التخفيف من معاناتهم.

نحن هنا لا نتحامل على احميدوش و لا على أي مسؤول يتلقى راتبه و امتيازاته من المال العام، كل ما هنالك نريد أن ننبه الوالي لبعض الأمور التي يغفل عنها و لربما تغافل عنها محيطه و مستشارو ديوانه، و لسعادته نقول: “إن كنتم تعتبرون الإعلام الإلكتروني لا يليق بمقامكم، فهناك إعلام رسمي يمكنكم من خلاله التواصل، كما أن هناك قنوات اتصال أخرى في ظل التطور التكنولوجي للتقرب من انتظارات و هموم المواطنين، أما الاختفاء و التواري عن الأنظار فليس حلا حتى و لو كنتم تقومون بجهد كبير فلن يظهر له أثر و لن يقدره أحد، البيضاء تغرق فهل من منقد؟”…

و نختم بالتذكير بصورة تداولها المغاربة كثيرا بفخر و اعتزاز و تعود لشهر مارس من سنة 2009 للملك محمد السادس حينما غرق حذاؤه في الوحل أثناء زيارته لمنطقة عين تاوجطات بنواحي فاس والتي تضررت بعد موجة الأمطار الغزيرة التي همت مناطق مختلفة في المغرب.

الصورة التي ظهر من خلالها الملك محمد السادس و هو يترجل من سيارته و يمشي وسط الأوحال ليتفقد رعاياه، تشكل درسا عميقا لكل المسؤولين الذي يعتصمون بمكاتبهم بعيدا عن الواقع الغارق في الوحل الذي تعيشه المناطق المنكوبة و حتى المراكز الحضرية، فهل سيتلقف المعنيون بالأمر الدرس و الرسالة الملكية؟

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. جل المسؤولين لايقومون بواجبهم آتجاخ الوطن بل يجنحون للتراخي واللامبالاة عند عملهم لدى الشعب لمعرفتهم المسبقة ان لا احد سيحاسبهم وليست لديهم المروؤة للإستقالة اوالإعتراف بالفشل لان من تحت سلطتهم هم من يدبرون الشان العام باآرتجالية وعشوائية المهم الكل نايم في الطراوة

  2. ana banasba lina ghalat machi falmajliss wala fel montakhabin khalat dyalna li kansakto ala hokok dyalna ou kansawto ala ahzab ou kanbi3o sot dyalna mnin dwa zafzafi ala absat hokok kolna bali aghi ikharab nidam dakhili daba casabalanca makhroba kamla hijrat admi3a mchaw kanada bach ya3tiw fiha hnaya wahlin ghi ma ahzab

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى