شريفة وزان “إملي كين ” قصة انجليزية سقطت في عشق “دار الضمانة”

اسماعيل بويعقوبي-هبة بريس

للتأريخ تأثيره في طبيعة المجتمع البشري كونه يغذي الانسان بفيوض الماضي، وإننا بالتأريخ كمؤثر فاننا نسعى من خلال تسليط الضوء على حياة “شريفة وزان” ، إلى أن يتحرك هذا التأريخ في الاتجاه الذي يمكننا من استجلاء حقائق أغفلت ذكرها الكتب الرسمية والنبش في خفايا ارتدت هالة “الطابو” لزمن طويل ، وأضحت تغري نهم الباحث الذي يسعى دائما الى بلورة علاقة ذاتية مع التاريخ ، استنادا الى جدلية التماهي بين “الثالوث” المرتكز على حاضر يعتبر قطب رحى بين الماضي والمستقبل .

لم تكن “إميلي كين” تتوقع البتة عندما حلت بمدينة طنجة أن قصة حياتها ستنتهي بالزواج من زعيم أحد أكبر الزوايا في مغرب النصف الثاني من القرن 19 حيث ذكرت في مذكراتها “my life storry by emily cherifa of ouazzane” …” تعودت أن ألتقيه وهو قادم من المدينة أو عائد إلى الجبل (حي الجبل الكبير)، حيث أقطن مع أصدقائي. مع مرور الوقت، عرفت أنه شريف وزان الكبير. في الحقيقة، لم يعن هذا لي شيئا كبيرا. تعرفت إليه أكثر في السهرات الموسيقية التي يحضرها. كنت متأكدة أنه يروق لي، فقد كان مختلفا عن باقي المغاربة الذين قابلتهم، لكن فكرة الزواج لم تخطر ببالي قط…”

تقول “إملي كين” في مذكراتها التي نشرت سنة 1911م عن “الحاج عبد السلام”… لم يكن الأمر مفاجئا لكبير شرفاء وزان، فمنذ مدة غادر مهد الزاوية نحو طنجة عاقدا العزم على الاقتران بـ”رومية”، بعدما طلق زوجاته المغربيات حيث كان منذ صغره معروف بميولاته الأوربية التي لم تكن تخفى على أحد .

رفضت “إملي كين” عرض الزواج الذي تقدم به كبير شرفاء وزان في البداية ، متحججة بدواعي دينية ، إلا أنها سرعان ما أذعنت لطلب الحاج عبد السلام ،قائلة “..عرفت أن الحياة ستكون مستحيلة من دونه ” ، حيث سارع كبير شرفاء وزان الى ارسال سكرتيريه الى لندن للحصول على موافقة والدي املي والذين أبديا معارضة قوية في البداية قبل أن يحلا بمدينة طنجة ويوقعا عقد الزواج الذي وثقعه عدلين مسلمين وتم أمام أعين ممثل بريطانيا آنذاك في المغرب السفير “دارموند هاي” .

شكل زواج ” ملي كين” التي قادها القدر الى طنجة حيث كامت تشتغل كمربية لدى عائلة أمريكية ، من شيخ زاوية مهيبة ( الزاوية الوزانية) ، خروجا عن (المألوف) لما يحمله من دلالات التحدي ، سيما أن علماء فاس في إبانه عبروا عن رفضهم للزواج الذي أجج وتيرة العداء بين ”كبير الزاوية الوزانية” والسلطان وأهل فاس دفعه إلى الإرتماء في أحضان الحماية الأجنبية فيما بعد .

بسطت ”إميلي” في مذكراتها التي دونت فيها مسيرة 40 سنة عاشتها وسط المغاربة، جانبا مهما من تجربتها، وأيضا التحول الذي طرأ على حياتها ، وسط منزل الشريف الذي لم يكن سوى زاوية يقصدها الناس لأغراض متعددة كما جاء في وصفها ، حيث رزقت بولدين هما” مولاي علي ومولاي أحمد” الذين عملت على تربيتهما وفق النمط الأوربي ، بدليل أن “الشريفين” كانا يتكلمان الإنجليزية والفرنسية وهما لم يبلغا بعد سن الثامنة .

كشفت ”إيميلي” في مذكراتها ، أنه بعدما ساءت العلاقة بين الحاج عبد السلام والسلطان ”المولى الحسن الأول أحس الشريف الوزاني أن أمنه بات في خطر ليطلب الحماية الأجنبية، هذا الهوس والخوف صاحبه حتى مماته ، حينها حملت ”إيميلي”إبنيها ورحلت بهما إلى بريطانيا، التي بمجرد أن وطأت قدميها “أرض الضباب”، تقول ”إملي.” ..أحسست بالغربة كل شيء تغير الكل يسارع يمينا وشمالا من أجل الحياة المادية ”…، وكأن بالشريفة التي تشبعت ونهلت من الطريقة “الصوفية” والحياة الهادئة ب”دار الضمانة” لم تجد أمامها إلا احساسا بالغربة في بلدها الأم ، حيث كتبت ” كان الكل يسارع في كل الجهات، متعطشا إلى الحياة المادية…” لتختم مذكراتها بعبارات تحمل من المعاني الشيء الكثير ” أتمنى أن يكون للأربعين سنة التي قضيتها بين المغاربة أثر جيد على المستقبل ..”

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى