مقترح قانون يُجرم ”الإثراء غير المشروع“.. مُحاربة للفساد أم مُناورة سياسية ؟

هبة بريس – مروان المغربي

تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النوب، والذي يضم كل من شقران أمام، سعيد بعزيز، مينة الطالبي، وباقي أعضاء الفريق، يوم أمس الخميس 03 شتنبر 2020، بمقترح قانون يتعلق بالإثراء غير المشروع، الأمر الذي خلق اهتماماً واسعا من طرف المتتبعين والفاعلين السياسين.

الفريق الاشتراكي أكد على أن الارتقاء بالمنظومة التنموية لبلادنا تنطلق أساسا بوضع حد نهائي وقطعي لمختلف أشكال الريع والاحتكار والفساد، والعمل على إرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين عبر تطبيق القانون في مواجهة أخطبوط الفساد بمختلف تلاوينه، ووضع منظومة قانونية قائمة على الحكامة الجيدة، باعتبارها أحد مظاهر تدبير الدولة الحديثة، والتوجه نحو اعتماد الكفاءة في المسؤوليات، وربط هذه الأخيرة بالمحاسبة.

كما أوضح أن هذا التوجه، كان حاضرا وباستمرار، خلال حكومة التناوب، إذ سبق أن أكد الوزير الأول الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في مراسلة موجهة إلى أعضاء الحكومة بتاريخ 26 ماي 1998 على التصريح بممتلكات الوزراء والقضاء على أشكال التبذير، وأطلق ورش إصلاح منظومتي الإدارة والعدل الذي ما يزال مفتوحا إلى اليوم، حيث عرف مسار الإصلاح آنذاك انطلاقة حقيقية، تمت ترجمتها من خلال “ميثاق حسن التدبير”، بهدف تخليق المرفق العمومي، وعقلنة تدبيره، واعتماد سياسة ذات نجاعة وفعالية في التواصل مع المرتفقين، كما رصدت المناظرة الوطنية الأولى حول الإصلاح الإداري لسنة 2003 مظاهر القصور والاختلالات الجوهرية في أداء المرفق العمومي، أبرزها تفشي مظاهر الزبونية والمحسوبية والرشوة وتبذير المال العام والاختلاس، وبالمقابل غياب المحاسبة والمساءلة وضعف آليات التقييم والتفتيش، وهي نفسها الاختلالات التي تضمنها تقرير الخمسينية.

واسترسل الفريق الاشتراكي في تقديمه لمقترح القانون، أن محاربة الفساد تعتبر من بين الآليات المحورية لتجاوز الأزمة المؤسساتية، وترسيخ مقومات الدولة القوية العادلة، وتكريس قيم مجتمع حداثي متضامن، وأن جريمة الإثراء غير المشروع تعد من بين أبرز جرائم الفساد التي تؤثر سلبا على المنظومة التنموية لبلادنا، كما أن القصور القانوني يمكن صاحبها من الإفلات من العقاب، في ظل غياب منظومة قانونية ترتكز على الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو ما يجعلها جريمة خطيرة تساهم في تخلف البلاد، وتقهقر مسارها التنموي.

وواصل الفريق الاشتراكي، بأن وضع منظومة قانونية لمواجهة هذه الجريمة وآثارها لا يمكن أن يكون بفصل وحيد، بل بقانون متكامل، وهو ما يمكن التقاطه من عدة تجارب دولية فضلى، منها التجارب العربية كالأردن ولبنان وتونس، حيث تزايد الاهتمام بقواعد النزاهة العمومية، في إطار الحكامة الجيدة، وهو ما أدى في الكثير من الأنظمة إلى بروز منظومات قانونية متكاملة خارج قوانينها الجنائية.

وأورد الفريق الاشتراكي، أن التعبئة الوطنية التي عرفتها بلادنا بقيادة الملك محمد السادس خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، يجب أن تستمر لتشمل كل المجالات، بهدف تنزيل مبادئ الحكامة الجيدة، باعتبارها أبرز المرتكزات الأساسية للدولة، ومحاربة الفساد المالي وحماية المال العام، ودعم النزاهة العمومية، من خلال تكريس الشفافية والحكامة في التدبير العمومي.

رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري، والمهتم بالشؤون البرلمانية، اعتبر من جانبه أن ترسيخ الخيار الديمقراطي، يجعل ملف مكافحة الفساد أول بالنسبة للفاعليين السياسيين، عبر تنزيل صارم للدستور و تأسيس مسار إصلاحي يتجاوز حدود المناورة السياسية التي شهدها اليوم داخل الحكومة، و التي لا تخرج رغبة كل طرف في إحراج الآخر بدون أن تكون هناك جدية في وضع آليات دقيقة جدية، للحدّ من هذه الظاهرة التي تبقى نقطة سوداء في تجربة تكريس الخيار الديمقراطي.

واستسرل لزرق في تصريح لجريدة ”هبة بريس“ الإلكترونية، أن المشهد السياسي، يعرف صراعا صامتا على عدة مستويات وفي عدة اتجاهات، على خلفية اقتراب الانتخابات القادمة وفي ظل اللا يقين و الضبابية، يبرز جلياً صراعاً متوازياً على كل الجبهات، سواء بين الأغلبية نفسها أو داخل المعارضة.

وواصل لزرق مفصلاً، أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع إلى حد الآن معالجة آفة نخرت مؤسسات الدولة الحيوية، وهي من أهم أسباب تأخر المغرب، ويحول بينه و بين الوصول لمصاف الدول الصاعدة، خاصة أن الفساد باتت تتقوي به القيادات الحزبية التي توفير الحصانة السياسية. مؤكداً أن واقع الحال يكشف أن هناك استيلاء مجموعة فاسدة على أدوات عمل الحزبية، تمارس الفهلوة بغاية جعل موقعها في الحكومة، و المؤسسات لتحقيق أغراض ذاتية بما يعود بالمنفعة المادية عليها وعلى زمرة قليلة من اتباعها. وظهر بالملموس بفعل التجاذبات السياسية في حكومة العثماني أن ظاهرة الفساد، تعزف على نوتات موسيقية عديدة، و السمة الغالبة عليها غياب التصوّرات، وقلّة الخبرة لدى وزير العدل والحريات المشرف على القانون.

وزاد لزرق موجهاً سهام الانتقاد لمحمد بنعبد القادر، البعيد كل البعد عن استعاب القطاع، أن بأيديه المرتعشة لا يمكن محاربة الفساد و أن اقتراحه كوزير للعدل الحريات بعد فشله في وزارة إصلاح الإدارة يوضح بشكل جلي أن الحكومة ليس لديها ارادة حقيقية لتتصدّى لأخطبوط الفساد، لهذا فإن تقديم الفريق الإشتراكي مقترح قانون يتعلق بالإثراء غير المشروع تزامناً مع شروع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، في التوصل بتعديلات الفرق النيابية حول مشروع القانون الجنائي، من طرف الفريق الاشتراكي لدى مكتب مجلس النواب، هو فهلوة سياسية.

وأوضح أستاذ القانون الدستوري، أن مشروع القانون الجنائي موجود في حالة “احتباس” بمجلس النواب منذ سنة 2016 ، بفعل تنصيص أحد مواده على تجريم الإثراء غير المشروع دون إقرار عقوبات سجنية، تحت مبرر أن جرائم الإثراء غير المشروع في المغرب تستدعي توفر على قانون شاملا ومتكاملا، وليس فصلاً واحدًا معزولا لمواجهة أخطبوط الفساد بمختلف تلاوينه.

وأكد لزرق أن اسقاط الفساد يتطلب إرادة حقيقية و ليس مبررات غارقة في الفهلوة السياسية التي تطرح سؤال جدية الفاعل الحزبي في مكافحة الفساد، و استغلال هذا المشروع كقوت سياسي للاستهلاك الإعلامي فقط وذلك عبر التلاعب به واستعماله لكسب تموقع سياسيّ.

وأكمل ذات المتحدث، أن هذه الممارسة توضح أنه هناك من تدرّب على ضروب من الفساد المقنّع، ومن اكتسب مهارات وطوّر خطاب التبرير والاستدلال، التي تقف حائلا أمام مواجهة الفساد وتشخيص مسار هذا الملف يوضح محدودية دور الحكومة و البرلمان في التصدي لظاهرة الفساد وقدرتها على رسم السياسات الناجعة و الاختلافات بين الفاعلين الحزبين التي لا تتجاوز الانتقادات هو مجرد ”حالة نفسية“ تنتاب البعض واللعب على الوقت في انتظار أن يفقد الحدث أهميته ويتناسى الرأي العام تفاصيله.

وخلص رشيد لزرق، إلى أن تقديم المقترح لا يخرج عن الفهلوة السياسية، في وقت يلزم تكوين ترسانة قانونية قوية، بغية التصدي لظاهرة الفساد في ظل فضاء سياسي جديد، موضحاً أن الحكومة قصرت في رسم سياسات ناجعة، للحدّ من الفساد نتيجة غياب الإرادة السياسية، لدى رئيس الحكومة و معه وزير العدل والحريات، الذي لا تخرج تصريحاته عن المفاهيم الفضفاضة (الفساد، المساءلة الأفقية والعمودية، الداخلية، الخارجية، المحاسبة، الحكامة…)، عوض تنزيل ذلك على أرض الميدان عبر وضع خطّة وطنية شمولية لمكافحة وباء الفساد.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى