مجلس المنافسة .. بلاغ الديوان الملكي رسالة قوية وواضحة

هبة بريس – الرباط

أفاد بلاغ للديوان الملكي مساء أمس الثلاثاء 28 يوليوز، أن الملك محمد السادس توصل بمذكرة من رئيس مجلس المنافسة تتعلق ب”قرار المجلس” حول ” التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب”.

وذكر ذات البلاغ أنه وفي هذه المذكرة، رفع الرئيس إلى النظر السامي للملك، محتوى “القرار المعتمد من طرف الجلسة العامة ليوم الأربعاء 22 يوليوز بموافقة 12 صوتا ومعارضة صوت واحد”، القاضي بفرض غرامة مالية بمبلغ “9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب” بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.

كما كشف البلاغ أيضاً عن توصل الملك يومه الثلاثاء 28 يوليوز 2020، بمذكرة ثانية من رئيس مجلس المنافسة أيضا تهم الموضوع ذاته، والتي يطلع من خلالها المعني بالأمر الملك ب”قيمة الغرامات المفروضة” على الموزعين خلال الجلسة العامة ليوم 27 يوليوز. حيث تم هذه المرة تحديد المبلغ في حدود 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات، ودون أي إشارة إلى توزيع الأصوات.

وأشار المصدر ذاته، الى أن عاهل البلاد، قرر تشكيل لجنة متخصصة للتحقيق.

عمل مجلس المنافسة وموقعه ضمن منظومة مؤسسات الدولة يندرج في إطار النهج الذي تبنته المملكة المغربية، القائم على الحكامة السياسية والاقتصادية باعتبارهما نموذجين لتدبير أمور الدولة ودعامتين أساسيتين لتحقيق التنمية البشرية والمستدامة، انطلاقا من قناعة المغرب الراسخة أن المسارين الديمقراطي والتنموي لا يمكن فصل بعضهما عن بعض، فالحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي توأم الحقوق المدنية والسياسية.

كما يعد الاهتمام المولوي السامي بمجلس المنافسة تجسيدا لانخراط المملكة في المسار السياسي الديمقراطي وترسيخ مفهوم الحكامة الجيدة تعبيرا منها عن التزامها الراسخ بقيم الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وقد تم تكليف هذه المؤسسة طبقا للدستور بتنظيم المنافسة الحرة والمشروعة وضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافسة لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

إن إنشاء هيئة مكلفة بالمنافسة يتماشى مع تطلعات المملكة خلال الألفية الثالثة الرامية إلى كسب رهان تأهيل النسيج الاقتصادي والاجتماعي للانفتاح على المنافسة والخارجية، كانفتاح إرادي وسيادي ذو أهداف جيوستراتيجية في سياق المسلسل المتنامي للعولمة، بعد أن تنامى الوعي بأهمية الارتقاء بمستوى تنافسية اقتصاد المغرب مع انفتاحه على المحيط الإقليمي والدولي وتوجهه نحو تنويع الشركات الاستراتيجية الاقتصادية.

وباعتبار الملك محمد السادس هو راعي المسار الديمقراطي للمملكة، والساهر على حماية القانون والمؤسسات وضمان الحقوق والحريات، فإن دوره ومكانته في المنظومة السياسية والدستورية تمكنه من السهر على التطبيق السليم للقانون على الجميع بدون محاباة أو تمييز أو تفضيل، وهذا هو المتركز الذي يُمكن جلالته من ممارسة كامل صلاحيته وفي مقدمتها حماية جميع مؤسسات الدولة من كل زيغ أو تحريف أو شطط في أداء مهامها أو ممارسة اختصاصاتها.

لذلك جاء التدخل الملكي في الارتباك المحيط بقرارات مجلس المنافسة المتعلق بملف شركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب، ليعكس التزامه وإرادته السامية في البحث عن الحقيقة والتزام نفس المسافة من جميع الأطراف، لإعطاء النموذج والمثال المحتدى به في تطبيق القانون، من خلال تعيين لجنة رفيعة المستوى مكلفة بإجراء التحقيقات الضرورية لتوضيح هذه الوضعية، على أساس أن ترفع إلى جلالته تقريرا مفصلا في الموضوع في أقرب الآجال.

وقد عكست تركيبة اللجنة تمثيلية المؤسسات الدستورية الوازنة، حيث ضمت في عضويتها رئيسا مجلسي النواب والمستشارين باعتبارهما مؤسستين تمثيليتين، تضمان ممثلي الأمة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وكذا رئيس المحكمة الدستورية باعتبارها هيئة تحرص على حماية الدستور وعدم تجاوزه أو خرقه، ورئيس المجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة ترعى حماية المال العام وتسهر على ترشيد إنفاقه، ووالي بنك المغرب الهيئة الضامنة لاستقرار الأسعار وحسن سير كل من السوق النقدية والنظام البنكي، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها التي تسعى إلى محاربة الفساد وتعزيز مناخ التخليق.

إن المذكرات والأوراق المسلمة إلى الملك محمد السادس تكشف عن حجم التناقض والتضارب الكبير بين رئيس المجلس وعدد من أعضائه، وقد ظهر هذا التناقض جليا من خلال المذكرتين اللتان تقدما بها رئيس المجلس، حيث تضمنت الأولى قرار المجلس فرض غرامة مالية بمبلغ 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات، قبل أن يرفع مذكرة ثانية تتضمن قرارا يقضي بخفض بالنسبة المئوية السابقة إلى حدود 8 في المائة.

وما زاد من حدة هذا الغموض والالتباس هو الورقة التي تم رفعها إلى جلالة الملك من طرف عدد من أعضاء المجلس والتي يبرزون من خلالها أن تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس.
ومما لاشك فيه، أن البلاغ العاجل للديوان الملكي في هذا الموضوع يعبر عن حس المسؤولية الكبير لعاهل البلاد وحرصه على إشراك الرأي العام في موضوع حساس كالقطاع الطاقي والذي يحظى بأهمية كبيرة سواء بالنسبة للمواطن العادي أو الفاعل الاقتصادي، باعتباره عصب الدورة الاقتصادية ومحركها الأساسي.

ومن تم فإن الجميع معني بفهم الرسالة الواضحة لأعلى مؤسسة دستورية في الدولة، فلا مجال للتراجع أو النكوص عن المضي قدما في تنزيل النهج الإصلاحي ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وتنزيل الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهي مبادئ اختار عاهل البلاد أن لا تكون مجرد شعارات لتلميع واجهة المملكة وإنما آليات ينبغي مراعاتها في تدبير الشأن العام وحماية المصلحة العليا للدولة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. هههه مؤسسة منبتقة من الدستور تتحكم فيها مؤسسة منبتقة من رئيس الدولة. هل الدستور المغربي حبر على ورق؟!

  2. عندما نريد إقبار أي مشروع شفاف نحيله على لجنة .
    وما دور المؤسسات إن كانت مستقلة ولها صلاحية اتخاد القرار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى