جائحة كورونا ضمن أهم الأزمات الإقتصادية التي أفلست العالم

 ع اللطيف بركة : هبة بريس 
– أبرز الأزمات الاقتصادية عبر التاريخ
يتحدث الخبراء عن أزمة اقتصادية عالمية في الافق بسبب جائحة ” كورونا “، يمكن أن تكون أصعب من تلك التي حدثت في عام 2008، فقد دخل الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الشديد، فضلاً عن انكماش سيكون مفاجئاً وحاداً بسبب تفشي الفيروس، ومن المتوقع أن تكون الآثار مؤثرة لعقود قادمة.
وقد تنبأت معظم التوقعات الاقتصادية لعام 2020 بسنة من النمو الثابت، إن لم يكن بالنمو المتزايد، ولكن تفشي الفيروس التاجي قلب الطاولة رأساً على عقب، وسبب صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي، فقد خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخراً توقعاتها لنمو 2020 إلى النصف من 2.9في المائة  إلى 1.5 في المائة .
ومن الممكن هنا، تحديد الأسباب التي تضرب الاقتصاد العالمي في الصميم بسبب فيروس كورونا، أولها تعليق رحلات السفر من شركات الطيران وإغلاق المطارات والحدود بين الدول، وكذلك الصعود والهبوط في الدولار والذهب والأسهم، وتعطُّل عمل آلاف المصانع والشركات، فضلاً عن المليارات التي تنفقها الدول في سبيل مواجهة التفشي، كما أن هنا صراعاً في الأسعار بين روسيا والسعودية بسوق النفط.
هذه الأزمة ستتسبب في كوارث حقيقية، فهناك نحو 25 مليون شخص حول العالم سيفقدون وظائفهم بسبب كورونا، وقد يغلق ما يصل إلى نحو 50 مليون وظيفة من جراء تفشي هذا الوباء وانتشاره عالمياً، بحسب آخر تقرير للأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن نشهد زيادة كبيرة في البطالة المقنعة، حيث تعمل كثير من الشركات الآن على تخفيضات في ساعات العمل وفي الأجور، كما أن تراجع التوظيف يعني أيضا خسائر كبيرة في دخل العاملين، تقدر بين 860 مليار دولار أمريكي و3.4 تريليون دولار مع نهاية عام 2020، وهو ما يعني انخفاضاً في استهلاك السلع والخدمات.
وتقدر منظمة العمل الدولية أن ما بين 8.8 مليون و35 مليون شخص إضافي من العاملين بالعالم سيعيشون في فقر، مقارنة بالتقدير الأصلي لعام 2020، “14 مليوناً في جميع أنحاء العالم”، وذلك بسبب توقعات زيادة عدد العاملين الفقراء.
–  الكساد الكبير عام 1929
يعتبر أكبر وأشهر فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث، ويُدرس في القرن الحالي على أنه مؤشر لقياس العمق الذي يمكن أن يهوي إليه الاقتصاد العالمي، وكانت أسواق المال الأمريكية أول ضحايا الأزمة، بعد انهيار بورصة نيويورك في “وول ستريت”، بسبب طرح 13 مليون سهم للبيع، لكنها لم تجد مشترين، لتفقد قيمتها.
شعر المستثمرون في البورصة بالذعر، وبادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين، وأعلنت عشرات المؤسسات المالية إفلاسها وأغلِق عديد من المصانع، وكثرت أعداد العاطلين عن العمل وتوقف الإنتاج، وانتقلت الأزمة كالنار في الهشيم إلى جميع الأسواق العالمية.
وخسر مؤشر داو جونز المنهار 22.6 في المائة من قيمته، كما بلغت الخسائر الإجمالية بين ثلاثين مليار دولار بمعدل يفوق الميزانية الاتحادية عشر مرات، ويتجاوز النفقات الأمريكية في الحرب العالمية الأولى، ولم يحلّ عام 1932 حتى كان مؤشر داو جونز قد فقد 89 في المائة من قيمته.
تسبب الكساد العالمي في آثار كارثية على الدول المتقدمة والدول النامية التي كانت لا تزال مستعمرة، كما تأثرت التجارة العالمية بشكل كبير وكذلك الدخول الفردية في العالم وعائدات الضرائب وأسعار السلع وأرباح المؤسسات المالية والشركات، كما شُلت صناعة البناء وتوقفت، وانخفضت أسعار المحاصيل بنسبة 40 في المائة إلى 60 في المائة ، وكانت صناعات المواد الأولية الأكثر تضرراً في العالم، واستمر أثر الأزمة سنوات.
– انهيار عام 1962
عرف اقتصاديا بالهبوط السريع لأسواق المال الأمريكية إبان حكم الرئيس جون كينيدي، وامتد الانهيار من نهاية عام 1961 حتى منتصف عام 1962، وقد حدث بعدما حققت هذه الأسواق نمواً متصاعداً لعقود منذ أزمة 1929، ولم تتعاف الأسواق الأمريكية إلا مع اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية.
وبعدها جاءت مرحلة تصحيح لوضع السوق، تُعرف لدى المتداولين في البورصات بفترة تلي بلوغ مؤشرات الأسهم مستويات مرتفعة جداً، تعقبها مرحلة بيع واسعة لجني أرباح ارتفاع الأسعار، وهنا خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 22.5 في المائة من قيمته، وهبط مؤشر داو جونز بنسبة 5.7 في المائة، وهو ثاني أكبر هبوط للمؤشر الثاني في تاريخه.
– أزمة البترول عام 1973
في ذلك العام استخدم أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول “أوبك” بالإضافة إلى مصر وسوريا، النفط سلاحاً ضد إسرائيل في حرب أكتوبر ، حيث قررت المنظمة حظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل، وعملت على رفع أسعار النفط، حيث كانت معظم الاقتصاديات الصناعية تعتمد على النفط الخام.
وعلى الرغم من أن المقاطعة لم تدم سوى 5 أشهر، فإن أثرها استمر إلى الآن، فبعد الحرب بأقل من شهرين خسر مؤشر ناسداك 97 مليار دولار، حيث كانت عاملاً رئيسياً في تحول اقتصاد اليابان للأفضل، بالإضافة إلى ذلك، بدأت اليابان وبعض الدول الأوروبية بالتحول من تأييد إسرائيل إلى تأييدٍ أكثر للسياسات العربية.
– الإثنين الأسود عام 1987
في هذا اليوم من ذلك العام، اختفت ملايين الدولارات من أسواق الأسهم في كبرى البورصات العالمية، وتكبدت أسواق المال العالمية خسائر ضحمة، إذ انطلقت موجة الهبوط الشديد من هونغ كونغ وبقية الأسواق الآسيوية، وفيه خسر اقتصاد هونغ كونغ 45.8 في المائة من قيمته، في حين خسر الاقتصاد الأسترالي 41.8 في المائة من قيمته.
وانتقلت إلى أوروبا ثم الولايات المتحدة، وخسر مؤشر داو جونز الأمريكي 508 نقاط وفقد أكثر من 22 في المائة من قيمته، أما الخسائر البريطانية فكانت أكبر، وقُدرت بقيمة 60 في المائة ، وفسر بعض المحليين الماليين أن ما جرى كان نتيجة خلافات حول السياسات النقدية أو مخاوف من التضخم.
انهيار عام 1997
بعد أن تعافى الاقتصادان العالمي والآسيوي، شهدت البورصات العالمية موجة هبوط حاد ناتجة عن الأزمة الاقتصادية في آسيا، إذ سجل مؤشر داو جونز ثامن أكبر خسارة يومية منذ أن نشأت البورصة الأمريكية عام 1896، وبلغت نسبة هبوط المؤشر 7.18في المائة ، كذلك انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 7في المائة  وستاندرد آند بورز 6.68 في المائة .
تضخمت الأزمة بعد أن انتقلت إلى تايلاند والفلبين وهونغ كونغ وإندونيسيا وماليزيا، مهددة بأزمة مالية غير مسبوقة، وخسر الاقتصاد التايلاندي حينها 75 في المائة من قيمته، في حين تراجعت قيمة الاقتصاد السنغافوري 60 في المائة ، وقد تداولت وسائل الإعلام حينها، تورط الولايات المتحدة التي خفضت مستويات الفائدة، لتبدو أمريكا أكثر جاذبية للمستثمرين، وهو ما تسبب في تلك الأزمة.
– أزمات 1998-2001
عصفت بالعالم خلال هذه الفترة أزمات اقتصادية كبيرة، فحدثت في روسيا، الدولة المالكة لثلث الاحتياطي العالمي من النفط والغاز، كارثة مالية ضخمة ضربت الاقتصاد، بعد أن تعرضت لتقلبات سعرية كبرى، مع سحب المستثمرين الأجانب أموالهم من السوق، حتى أفلست الحكومة.
وفقدت العملة في البرازيل 35 في المائة من قيمتها، قبل أن يضرب العالم، المتقدم بصفة خاصة، ركود كبير، ضاعفت من آثاره فقاعة الإنترنت، الناتجة عن تزايد المضاربات على شركات الإنترنت حديثة النشأة، كما عديد من الفضائح المحاسبية في بعض الشركات الأمريكية.
كما تسببت هجمات 11 شتنبر 2001 بالولايات المتحدة في آثار اقتصادية واسعة طالت البورصات العالمية، وهو ما أدى إلى تراجعها بنسبة كبيرة، إذ تم تأجيل فتح بورصة نيويورك، وإغلاق بورصة وول ستريت.
وكانت هناك أزمة اقتصادية طاحنة في الأرجنتين، وصلت لبعض البلدان المجاورة، وترتب عليها إنهاء ارتباط العملة الأرجنتينية بالدولار، وظهور عملات بديلة، وعجزت الأرجنتين عن سداد ديونها، وارتفعت البطالة وانتشرت المظاهرات وسقطت الحكومات. وفي نهاية 2002، كان أكثر من نصف الأرجنتينيين تحت خط الفقر، بالإضافة إلى ربع آخر من المعوزين، واعتُبر سبعة من كل عشرة أطفال من الفقراء.
الركود الكبير عام 2008
تعتبر الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929، وقد بدأت أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد الانهيار المفاجئ لبنك “ليمان براذرز” عام 2008، الذي كان يمتلك أصولاً بقيمة 600 مليار دولار، ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي.
واضطرت البنوك المركزية والحكومات وقتها إلى التدخل لشراء عديد من البنوك ومؤسسات الإقراض الأخرى، التي كانت على وشك إعلان إفلاسها؛د ، لمنع انهيار النظام المالي العالمي، ولكن هذا لم يمنع دخول العالم في ركود كبير، استمر سنوات، وتأثرت به بشدةٍ اقتصادات أوروبا وأمريكا واليابان المتقدمة، كما اقتصادات آسيا الناشئة، ومنها ما لم يتعافَ تماماً حتى الآن.
كانت آثار هذه الأزمة كارثية، فقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة إلى 19 بنكاً، وحدثت أزمة الائتمان وانهيار الأسواق المالية، والكساد الذي تلاها وارتفاع مستوى البطالة الذي جعل كثيراً من اقتصادات العالم على المحك؛ في محاولة حماية نفسها من الانهيار، وقدَّر الاقتصاديون أن الاقتصاد العالمي خسر 45 في المائة من قيمته، وكان ذلك بحاجة إلى سنوات ليتم تعويض الخسائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى