تأجيل الانتخابات أحسن من مغامرة إجرائها

بقلم : مصطفى الذهبي 

 

بدأت وزارة الداخلية في إجراء مشاورات مع رؤساء الأحزاب السياسية حول إجراء الانتخابات في سنة 2021 وهي السنة التي كانت محددة لاجراء هذه الاستحقاقات دون أن يكون في الحسبان القوة القاهرة التي تتمثل في جائحة كورونا وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية، إضافة إلى تأثيراتها النفسية على المواطنين المغاربة، حيث أنها تشكل الانشغال الكلي لهم وأصبح وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي يتطلب التفرغ وبعناية خاصة لإصلاح مخلفاتها الجسيمة ولن يستقيم حال البلاد على الأقل إلا عند نهاية السنة القادمة إن لم يستمر انتشار الجائحة. وهذه الانشغالات تتولاها بالدرجة الأولى وزارة الداخلية فكيف سيكون حال تدبيرها للأمور المتعلقة بالانتخابات وفي الآن نفسه أوضاع الحجر الصحي إن تفشى لا قدر الله وباء كورونا السنة القادمة.

لذا وجب التأني والحذر من برمجة الاستحقاقات في سنة 2021 هذا الشق من الناحية الإدارية أما من الناحية السياسية فكان من المتوقع على الأحزاب خلال سنة 2020 القيام بالتواصل مع المواطنين عبر مهرجانات ولقاءات لاسترجاع الثقة والتصالح السياسي معهم، هذه الأسباب وغيرها تظهر أن البلاد غير مستعدة لا سياسيا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا. فالدولة تراجعت مداخيلها ولجأت إلى الاقتراض الخارجي وستزيد الطين بلة التكلفة الباهضة للانتخابات.

إن إقرار إجراء الانتخابات في سنة 2021 ستكون لها تداعيات ومخلفات كلها ليس في صالح البلاد خاصة وأن السياسيين لم يسترجعوا ثقة المواطنين وهذا سيسفر على عزوف المواطنين وبالتالي ستفرز خريطة سياسية قريبة من الحالية وسيفوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى لأن كتلته الناخبة هي وفية للتصويت له وستساعد ظرفية هذه الانتخابات أي المحلية والتشريعية فالأولى حتما ستصادف نهاية شهر رمضان أي بعد نشاط الحزب في القفة والثانية بعد أضحية العيد، وهذه النتائج ستعود بالبلاد لظروف ووقائع الولايتين السابقتين.

إن المغاربة كشفوا عن معدنهم الخالص خلال جائحة كورونا وأبانوا عن حبهم لوطنهم بالتضامن والتعاون فيما بينهم وبرزت الكفاءات الوطنية بشكل لافت على حسن التعامل مع الأزمة وأكدت بالفعل أنها رهن المصلحة العليا للوطن وفي خدمته كل ما استدعي الأمر ذلك، هذه الكفاءات لن تدخر أي جهد في العمل الجاد للرقي بالبلد وهذا الهدف لن يتحقق إلا بمشاركة جميع أطياف الشعب في الحياة السياسية لذا وجب على العاملين في الحقل السياسي أن يستعملوا كل ما في إمكانياتهم التواصلية لجلب المواطنين للانخراط في الحياة السياسية سواء منتخبين أو ناخبين ويجدر الأحزاب الجادة في خدمة هذا الوطن أن تستقطب الكفاءات للعمل السياسي والترشح كي تقنع المواطنين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع وأن تعتبره واجب وطني وقد يكون تحفيزهم على ذلك هو الحق في التظاهر والاحتجاج لأنهم شاركوا في العملية الانتخابية فيما يكون مصير من تخلفوا عن هذا الموعد الوطني هو الحرمان من حق الاحتجاج ويتم ضبط أولئك من خلال مكاتب التصويت الذي يضم أرقام البطاقات الوطنية المتواجدة بلوائح الدوائر الانتخابية ويتم رصدهم والتأشير عليها بمرجعيات البطاقة بالمديرية العامة للأمن الوطني.

ولأن هذه العمليات التصالحية للسياسيين مع المواطنين يجب أن تأخذ وقتا للاقناع لا يقل عن سنة وكما أن المغرب مقبل على استحقاقات مهمة كانت متوقعة لسنة 2021 وكانت الأحزاب بدأت في السنة السابقة أي سنة 2019 عمليات التواصل مع المواطنين لاسترجاع ثقتهم في السياسيين لكن هذه المهرجانات التواصلية توقفت بسبب جائحة كورونا، كما توقفت كذلك مناقشات الأحزاب للقوانين والضوابط المزمع مراجعتها في عمليات الاستحقاقات وفرضت 2020 نفسها سنة بيضاء سياسيا لذا وجب تأجيل الانتخابات إلى سنة 2022 كي يتسنى للكل العمل بتأني وتعقل في هذه المرحلة لأن العجلة من الشيطان وقد يتحمل المسؤولون كما السياسيون تبعات وخيمة لانتخابات قد تفرز عوامل ترهن البلاد مرة أخرى بين أيادي أناس تنعدم لديهم الكفاءة وتجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه خاصة وأن البلاد تعيش أزمة خانقة لم يعرف المغرب ومعه العالم مثيل لها، فصناديق الدولة فارغة لضعف المداخيل حتى أن المسؤولين بوزارة الداخلية يتحدثون عن إجراء الاقتراعين المباشرين في يوم واحد بهدف الاقتصاد في التكلفة المالية، متناسين أنهم سيقعون في خطأ لوجيستيكي جسيم يفسد العملية برمتها لكون رئيس مكتب التصويت لا يمكنه أن يجاري العمليات الانتخابية بصندوقين.

صدق من قال أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، إن عمليات الانتخابات القادمة يجب أن تمر في أحسن الأحوال ويتجنب المغرب ما وقع فيه في الولايتين السابقتين بعد دستور 2011 لأن ما وقع في ولاية بنكيران وشعبويته وعدم قدرته عن التواصل مع أعضاء الحكومة واستعلائه على الأحزاب الأخرى مما تسبب في انسحاب حزب الاستقلال وتعويضه بالأحرار وكانت لها تبعات أضرت بالبلاد اقتصاديا وسياسيا.

وفي الولاية الثانية فبعزوف 57% من المواطنين عن التصويت أفرزت تقدم العدالة والتنمية مرة أخرى فتم تعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة لولاية ثانية، غير أن انعدام التواصل  والاستعلاء بينه وبين الأطراف الأخرى بالأصوات المحصل عليها مما خلق جدلا كبيرا ورهن البلاد ووقف بذلك عجلة الاقتصاد ستة أشهر إلى حين تم تعيين السيد العثماني على رأس الحكومة وهذا خلق جدلا داخل الحزب نفسه.

إن البلد اليوم في حاجة ماسة إلى رجاله ونسائه من المواطنين ذوي المعدن الصافي من كفاءات يكون همها هو الخروج أولا من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والدائقة المالية التي تعيشها البلاد جراء جائحة كورونا ثم الانطلاق بالبلاد إلى الرقي والازدهار انطلاقا من تنزيل دستور 2011 الذي يضمن العدالة الاجتماعية ويمنح الحقوق والحريات كما هو متعارف عليها بالمجتمعات المتقدمة.

 

 

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. موضوع يستحق المناقشة فالدولة لها رهاناتها ويبقى الامر اولا واخيرا مزتبطا بتطور الجاءحة نتمنى ان تسمح الظروف باجراء الانتخابات فيظروف عادية وجميع الاحزاب سواسية مادامت مخلصة لشعار المملكة الخالد الله الوطن الملك

  2. موضوع الساعة شكرا استاذ لاطرقك لهذا الموضوع وفتح المجال الى العواقب التي ستترتب عن إقامة الانتخابات في هذه الظرفية الصعبة

  3. لقد بدات الاحزاب تطرح نفس الاجراءات الي اقترحتها شكرالك يا استادنا على غبرتك وحبك لبلدك

  4. انك يا استاد قد عودتنا على مواضيع تهم الشعب مثل الملك العمومي وتعويضات كرونا لا يهم الاسلوب وانما المهم هو الصدق والتجرد فشكرا لك ولهبة بريس الموقع المتميز داءما

  5. انها حقا مغامرة نعم اجراء الانتخابات هده السنة سيكون كارثة خصوصا وانه سيمكن تجار الدين من الاستمرار على راس السلطة التنفيدية

  6. لا فض فوك يا استاد لم لا احد يسمعك رغم اني على يقين انهم سيضطرون لتاجيله مزيدا من العطاء وتحية صادقة لهبة بريس التي تعالج المواضيع الجادة وقصايا المهمشين

  7. اسمح لي ان اخالفك الراي المغرب مع العهدالجديد اخد على نفسه احترام النهج الدمقراطي لدا فاجراء الانتخابات فب وقتها مهما كانت النتاءج في صميمهدا النهج وشكرا لك ولهبة بريس الموقع الجاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى