الجزيرة الخضراء: العالقون يحولون قنصلية المغرب إلى مقر للأمم المتحدة

هبة بريس _ يسير الإيحيائي _
بات مقر القنصلية العامة للمملكة المغربية بالجزيرة الخضراء أحد أهم النقط الساخنة التي تستدعي إعادة النظر في قرار المغرب فتح حدوده إستثنائيا لعملية عبور هذه السنة، فالصورة واضحة وضوح الشمس في عز النهار ، عالقون منتشرون أمام المقر القنصلي تكاد أصواتهم لا تخفت كل ساعة وحين، ثم يرخي الليل سدوله لتجد بعضا منهم لا يراوحون المكان أملا في عودة لا زالت بعيدة المنال إلى الوطن، فالقنصلية أصبحت بمثابة مقر للأمم المتحدة يقصدها الفارين من ويلات الحروب والمجاعة.
هنا الجزيرة الخضراء المدينة الساحلية التي طالما كانت حلما للمغاربة سياحا كانوا أو مقيمين في اوروبا ، هنا كانت أصوات منبهات البواخر تكاد لا تتوقف معلنة عن إنطلاق واحدة من الرحلات البحرية نحو “طنجة المتوسط”، هنا كان من له حنين إلى الوطن يقف على الرصيف منتظرا إشارة الإركاب ، وهنا تحت هذه الفضاءات الظليلة رأيت الأطفال يمرحون لساعات وعينهم ترصد البواخر العملاقة التي تهم بالمغادرة، نعم كان ذلك منذ سنة حيث عند إنطلاق عملية العبور وذروتها التي تؤكد إرتباط هؤلاء بالوطن رغم المسافات والتكاليف.
وهنا الجزيرة الخضراء التي صار فقط ذكر إسمها يبعث على الخوف والمعاناة والمصير المجهول، عالقون جياع يتوسلون قهوة وطعاما، حالهم يدعو إلى الشفقة والإستغراب، علية القوم في وطنهم أصبحوا متشردين يتسكعون في الشوارع خارجه ، معاناة ما بعدها معاناة ، إنهم العالقون في الجزيرة الخضراء الذين يقفون على مرمى حجر من الوطن ولا يستطيعون إليه سبيلا بسبب وباء “كورونا”.
كورونا” الملعونة التي فرقت الأب عن أولاده ، والأم عن زوجها ، بل وفرقت عائلات كثيرة وحرمتهم من دفئ الوطن ، “كورونا” التي غيرت المثل السائد “كل الطرق تؤذي إلى روما” وجعلت من روما نفسها واحدة من الدول المعترفة بفشل هذه النظرية ، فهنيئا للمثل المغربي ” فين ودنك قالو هاهي” وهو يلف ذراعه وراء رأسه كي يصل إليها.
فكيف يعقل أن نجبر العالقين خصوصا الذين إنتظروا ساعة الفرج بعد أربعة أشهر من إغلاق الحدود أن يتوجهوا شمالا نحو مينائي “سات ” و “جينوة ” ليبحروا من جديد إلى “طنجة المتوسط” ؟ وهم الذين لم يجدوا ما يسدون به رمقهم بعدما أدارت القنصلية العامة للجزيرة الخضراء ظهرها في وجههم وتركتهم يصارعون مصيرهم المجهول ، فقبل أيام قليلة تداولت عدة صفحات تصريحات لاذعة ضد القنصلية المعنية واتهمت مسؤولها بالمحسوبية والزبونية في عملية الترحيل ، لا بل صرح أحدهم بملئ فمه أنه قوبل بمعاملة غير أخلاقية من أحد الموظفين .
لا أحد يجادل ان إسبانيا أغلقت حدودها مع المغرب  إلى غاية 31 من يوليوز الجاري  ، وهو ذاك القرار الذي زاد من تأزم وضعية العالقين ومعاناتهم المتواصلة، فلماذا يسمح للمغاربة العالقين في الوطن بالمغادرة ولا يسمح لهؤلاء أيضا بدخول التراب المغربي ، كلها أسئلة يتداولها الجميع ولا يجد لها إجابة شافية ولا تفسيرا منطقيا ، فعدد العالقين المغاربة بالجزيرة الخضراء لا يتعدى ألف سائح ممن يتوفرون على سيارات ذات ترقيم وطني ، وقد آن الأوان لمسؤولينا أن يجدوا حلا إستعجاليا لهؤلاء وإلا فنحن أمام كارثة إنسانية سيسجلها التاريخ بكل مرارة.
اما الجانب الآخر فهو أكثر تعقيدا وغرابة بعدما طالبت السلطات المغربية كل مسافر بإجراء الإختبارات الطبية قبل دخوله التراب الوطني، في حين كان بإمكانها فعل نفس الشيء في الموانئ المغربية وتخصيص مركز للإصطياف لإيواء الحالات المصابة وإخضاعها للحجر الصحي حفاظا على سلامة الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى