نقاش هادئ حول ولوج القضاة للمحاماة

د/ خالد الإدريسي
أثار موضوع ولوج زملائنا القضاة لمهنة المحاماة منذ زمن طويل الكثير من الجدل بين مؤيد و معارض ، و قد تجدد هذا النقاش و التضارب بعد تشدد جمعية هيئات المحامين بالمغرب في مسودتها لتعديل قانون مهنة المحامين في هذا الباب ، بعد أن إقترحت على وزارة العدل إدراج شرطين أساسين لولوج القضاة للمحاماة ، الأول هو عدم تجاوز سن 55 سنة كحد أقصى ، و الثاني هو ضرورة حصول القاضي المترشح للولوج إلى مهنة المحاماة على شهادة الدكتوراه ، و بالتالي التراجع عن مقتضيات المادة 18 من قانون المحاماة الحالي التي كانت تحفظ هذه الإمكانية لزملائنا القضاة فقط في حالة قضائهم مدة ثمان سنوات على الأقل في ممارسة القضاء , بعد حصولهم على الإجازة في الحقوق و قبول استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد ما لم يكن لسبب تأديبي , أو قدماء القضاة من الدرجة الثانية أو من درجة تفوقها , بعد قبول استقالتهم أو إجالتهم على التقاعد ما لم يكن ذلك لسبب تأديبي .
و قد برزت أهمية هذا النقاش حينما أعلن السيد رئيس جمعية المحامين بالمغرب على أنه تم الاتفاق مع وزارة العدل باعتبارها الجهة المختصة في بلورة مشروع قانون جديد للمهنة على جميع الأحكام و المقتضيات التي يجب أن يتضمنها قانون المهنة الجديد ما عدا نقطتين أساسيتين الأولى تتعلق بولوج القضاة للمهنة التي كانت الجمعية تشترط فيه الشروط المشار إليها أعلاه ، و الثانية توسيع مهام المحامي و تمكينه من النيابة على الإدارات العمومية .
و بالتالي فهذا الأمر أعطى الانطباع لدى قاعدة المحامين على أن جميع توصيات المناظرات والمؤتمرات التي كانت تعقدها الجمعية قد تم أخدها بعين الاعتبار أثناء صياغة المسودة و أثناء التوافق بين الجهاز الذي يمثل الدولة و بين الجهاز الذي يمثل رجال و نساء الدفاع ، لا سيما التوصيات التي خلص إليها المؤتمر الأخير الذي انعقد بمدينة فاس ، و أن الإشكال بقي رهين هاتين النقطتين فقط دون غيرهما , رغم أنه تبين مؤخرا أن مسودة مشروع قانون المهنة المقترح من طرف الجمعية لم يلتفت إلى توصيات مؤتمر فاس و لا يختلف في أغلب مقتضياته عن قانون المهنة الحالي بمساوئه و تراجعاته .
إلا أن ما زاد موضوع ولوج القضاة إلى مهنة المحاماة إثارة مرة أخرى هو ما قيل و أشيع مؤخرا حول توافق الجمعية مع وزارة العدل حول هذه النقطة و بالتالي تراجعها عن هذا المطلب الذي كانت تعتبره جوهريا بالنسبة إليها ، و هذا ما جعل عدد كبير من قواعد هيئات المحامين بالمغرب تعترض و تنتقد هذا التراجع ، الذي تعتبره إجراء ضروريا له ما يبرره من الناحية القانونية و الواقعية ، من خلال تكريسه من جهة للتعامل بالمثل مع يفرضه النظام الأساسي للقضاة من ضرورة توفر المحامي على أقدمية تفوق عشر سنوات و حصوله على شهادة الدكتوراه ، و أيضا للحد من تدفق جحافل القضاة على مهنة المحاماة و استغلال القلة منهم لوضعيتهم و صفتهم السابقة في القيام ببعض الأفعال المشبوهة كالسمسرة و المنافسة غير المشروعة .
إلا انه بعيدا عن العلاقات بين المحامين و القضاة التي يطبعها في اغلب الأحيان التوتر والمنافسة , و إذا أردنا أن نحلل هذا المقتضى وفق معايير مهنية و موضوعية , فانه ينبغي الاعتراف على أن هذين الشرطين مجحفين في حق أغلب زملائنا القضاة الذين يريدون الولوج للمهنة حبا فيها و من أجل الرفع من مستواها و التقيد بأعرافها و تقاليدها . و لذلك أظن أن التركيز لا يجب أن يتركز حول مدى إقرار هذين الشرطين أم لا لولوج القاضي لمهنة المحاماة ، و لكن يجب أن يكون أساسا من خلال وضع معايير أخلاقية لولوج قضاة أكثر شفافية و أكثر مصداقية ، و محاربة و منع عناصر قضائية مشبوهة أو تم عزلها أو إحالتها على التقاعد التلقائي لإدانتها لقيامها بأفعال مشينة ، و بالتالي فالهاجس الأخلاقي أكثر أهمية من الهاجس الزمني أو العلمي الذي يبقى ثانويا مادامت التجربة و الحنكة القضائية لا علاقة لها بالزمن أو الشهادة العلمية .
و من بين ما اقترح في هذا الصدد إدراج شرط أن أي قاضي تم عزله أو أحيل على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي سواء تعلق بالمروءة أو الشرف أو حسن السلوك ، يمنع منها كليا من ولوج مهنة المحاماة الشريفة العفيفة التي لا تقبل إلا من هو خير و ذو سمعة حسنة .
و سبب هذا الموقف يعود بالأساس إلى انه رغم أن نص المادة 18 من قانون المحاماة يؤكد صراحة على انه يمنع قبول القضاة في حالة إحالتهم على التقاعد لسبب تأديبي , فانه في واقع الأمر لوحظ على أن الكثير من القضاة المعزولين و المحالين على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي , قد ولجوا إلى المحاماة من دون أي اعتبار لهذا الشرط الواضح المانع و المقيد , الوارد في الفقرة الأولى و الثانية من المادة 18 من قانون المهنة . و في هذا الصدد اذكر بقرار لمحكمة النقض , وهو فقط قرار من ضمن عدة قرارات خرقت مقتضيات المادة 18 المشار إليها أعلاه , رغم وضوح مقتضياته , و مما جاء في هذا القرار المؤرخ في 09 أكتوبر 2014 ما يلي ” … حيث إن محكمة الاستئناف لما ألغت قرار مجلس هيئة المحامين بتطوان و قضت بتسجيل المطلوب في النقض بجدول الهيئة المذكورة , استنادا إلى أن المخالفة المتمثلة في عجز المعني بالأمر عن تقديم تبرير مقنع لمصدر أمواله و ممتلكاته , و التي أحيل من اجلها على التقاعد التلقائي لا تندرج ضمن ما هو منصوص عليه في الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من القانون المنظم للمحاماة المحتج بها , التي تجعل من الإدانة شرطا كافيا لرفض طلب التسجيل , و إنما ربطت ذلك بارتكاب أفعال منافية للشرف و المروءة و حسن السلوك , وهو ما ينطبق على تلك المخالفة , و لا يشكل مبررا لرفض طلب التسجيل , و تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون و عللت قرارها تعليلا كافيا . و ما بالوسيلة على غير أساس ” .
و بغض النظر عن مناقشة هذا التوجه القضائي الذي يبدو على انه لا يستند على أساس قانوني سليم , لتاسيسه على المادة الخامسة من قانون المهنة المتعلقة بشروط ولوج المترشحين الحاصلين على شهادة الأهلية و غير المعفيين من التمرين , و التي لا تتعلق بتاتا بالمادة 18 من نفس القانون المتعلقة بالمعفيين من شهادة الأهلية و من التمرين و من بينهم زملائنا السادة القضاة , و التي كانت واضحة في مقتضياتها من خلال التأكيد على عدم قبول أي طلب للقضاة في حالة إحالتهم على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي , من دون تفصيل و من دون تقييد ذلك بمخالفة المروءة أو الشرف أو حسن السلوك , التي يفترض أن المجلس التأديبي تحقق من وجود عناصرها التكوينية قبل أن يتخذ قراره بالإحالة على التقاعد التلقائي في مواجهة القاضي المخالف . وهو ما يبين أن الإشكالية الأساسية في موضوع ولوج القضاة للمحاماة , ليس هو المعيار الزمني سواء تم تحديده في 45 سنة أو 55 سنة , و ليس في المعيار العلمي سواء تم تحديده في شهادة الماستر أو شهادة الدكتوراه , و لكن أساس و عمق الإشكالية هو الهاجس الأخلاقي , و ضرورة غلبة هذا الجانب في من يلج إلينا من الضفة الأخرى , و أن لا يتم قبول إلا من ظل مساره المهني و الوظيفي مضيئا و بدون عثرات أو شبهات , و لنا في الكثير من رجال و نساء القضاء الذي استقالوا أو تقاعدوا من القضاء وولجوا لمهنة المحاماة نقاط مضيئة أضافت الكثير لمهنتنا العتيدة على المستوى المهني و الحقوقي , و لنا أيضا في الكثير من الحالات الأخرى من الوافدين نقاط سوداء جاءت في الغالب بعد عزلها أو إحالتها على التقاعد التلقائي لأسباب تأديبية , و نعلم جميعا الممارسات المشبوهة و غير المشروعة التي يقوم بها البعض منهم , و نعلم أيضا حالة الجنون و العته و الأمراض النفسية الذي تعتري البعض الآخر منهم .
لذلك , ينبغي عدم الانجرار وراء نقاش لا يكتسي أهمية كبيرة بالمقارنة مع ما ينبغي أن يكون من إصلاحات جوهرية هي أساس النهوض بمهنة المحاماة , و ينبغي أيضا عدم الانجرار تحت تأثير الحساسية المفرطة التي تكونت خطأ بين المحامين و القضاة , من اجل تكوين عداوات مجانية مع زملائنا القضاة الذي يبقى حقهم راسخا لولوج مهنة المحاماة بشرط احترام المعايير الأخلاقية في هذا الولوج . و لذلك فالمعركة الأساسية للمحامين قاعدة و مؤسسات هي اكبر من مجرد شنآن مع القضاة في أحقيتهم في الولوج أم لا و في شروط هذا الولوج , و لكن المعركة الحقيقية هي المتعلقة أساسا بتفعيل و تنزيل توصيات مؤتمر فاس , و باقي المؤتمرات و المناظرات التي عبرت عن التوجهات و القناعات العامة لقاعدة المحامين , و أيضا ينبغي التركيز على أن تكون المقاربة التشاركية هي أساس التعاقد بين المؤسسات المهنية و الجمعيات العمومية , و تكون هي أساس اتخاذ جميع القرارات ذات الطابع القانوني و الإداري و المالي و الاجتماعي , لان رجال و نساء الدفاع نخبة من طينة خاصة , و تستحق ان يتم التعامل معها على أساس أنها فاعلة و ليس مفعول بها في كل ما يتعلق بالقرارات التي ترهن المصير المهني المشترك لجميع المحامين .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مجاملة واضحة وثبرير غير مقنع. راي يقوم على عموميات هي والعدم سواء وبالتالي ترك الباب مفتوحا على مصراعيه امام من تدافع عنهم!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى