الانتخابات الرئاسية الأمريكية الثانية هل يمكنها أن تكون وراء فيروس كورونا

 

د . رشيد وهابي
المحامي بهيئة الجديدة
maitre4ouahabi@gmail.com

الرئيس الأمريكي ترامب رغم كل الانتقادات التي توجه إليه من فئة من الشعب الأمريكي ، ورغم التكتل الذي كان ضده والتخويف من سياساته الخارجية والداخلية و التقليل من نجاحاته التي تفنن في عرضها مختلف المتكتلين حول العالم المعارضين لفوزه في انتخابات الرئاسة للقوة الأولى في العالم ، ورغم أن مجموعة من الأسماء المعروفة في الولايات المتحدة الأمريكية والآلة الإعلامية الضخمة بها ساندت منافسته وحذرت من التصويت عليه ورغم أن مجموعة من الدول كانت تفضل غريمته وكانت تعمل أو تتمنى أن يخسر الانتخابات ، لكنه في الأخير فاز رغم أن هيلاري كلينوتن فازت بعدد أكبر من الأصوات التي صوتت لها ، وبما أن نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو من أقدم الأنظمة الأمريكية الذي يعود للقرن الثامن عشر ، وهو نظام غريب ومعقد ، لكن المجمع الانتخابي أو الناخبين الكبار كما يسمونهم هم الذين حسموا في فوزه حين فضلوه على غريمته ، لتكون المرة الثانية في الرئاسيات الأمريكية التي فاز فيها رئيس أمريكي رغم أنه حصل على أصوات أقل من غريمته ، وكان رئيس سابق جلس كذلك على كرسي الرئاسة بأصوات أقل و هو الرئيس جورج بوش الإبن أمام ألكور .
الرئيس ترامب في حملته الانتخابية قدم مجموعة من الوعود الانتخابية ، وبعد انتخابه مباشرة بدأ تفعيل الخطط لتحقيق وعوده الانتخابية ، وقبل أن ينهي سنته الثالثة كانت أغلب وعوده الانتخابية قد تحققت ، وكان يتحارب مع الجميع من كونغريس وغيرهم لكي يصل إلى تحقيق وعوده الانتخابية ، وقد تابعنا كيف عارض الكونغريس تمويل الحائط الحدودي مع المكسيك الذي كان من أهم وعود ترامب الانتخابية بعد أن أعلن ترامب حالة الطوارئ لبنائه ، وكيف هدد ترامب باستعمال حق الفيتو وفعله بعد تقريبا شهر من رفض الكونغريس تمويل الجدار استعمل حق الفيتو ليرجع الطلب مرة أخرى للكونغريس الذي سيحتاج إلى ثلثي أصوات الرافضين لرد تمويل المشروع ، والرئيس ترامب لم ينتظر بل وفي سابقة من نوعها لجأ لاستعمال الصلاحيات المخولة له في حالات الطوارئ وقام بتحويل مليارات الدولارات التي كانت وخضع ترامب في نهاية المطاف للكونجرس فيما يتعلق بالميزانية، لكنه استخدم صلاحياته في حالات الطوارئ لتحويل مليارات الدولارات، التي تم تخصيصها للجيش لتمويل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك ووعود أخرى كان قد قطعها على نفسه ومن أخطرها الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، وهو الوعد الذي نتحفظ بشدة عليه ، والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل هو مقرر منذ التسعينات وكان يحتاج فقط إلى رئيس يدفع به ويقدمه ليصبح واقعا ، ولم يجرأ أي رئيس أمريكي منذ التسعينات على تفعيله ، والكل كان يتهرب من اتخاذ قرار كبير وخطير مثل هذا ، لكن هذا الرئيس الذي جعل هذا الهدف وعدا انتخابيا ، سارع قبل نهاية سنته الثالثة ، للاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، وهنا يظهر لنا أنه رئيس ينفذ وعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه ، ولا يكترث بما يمكن أن تسببه من خطر وعداءات للولايات المتحدة الأمريكية ، الرئيس ترامب الذي لا ينتهي من حرب كلامية أو تهديد اقتصادي أو عسكري إلا ويدخل في أخرى ، وهي الحروب التي لم يسبق أن دخلها أي رئيس أمريكي سابق مع دول كبيرة كالصين وروسيا وايران ، ورغم كل حروب الطواحين التي كان يرفع لوائها كل مرة ترامب وكانت في الكثير من الأحيان تفي بالمراد من التلويح بها وتعود بالنفع والخير على نظامه وتزرع الرعب والخوف في الأنظمة التي يستهدفها بتصريحاته ورغم العداء الذي حصده من مجموعة من الدول والأفراد والشركات خارجيا وداخليا ، إلا أن الاقتصاد الأمريكي في سنواته الثلاثة الأولى من ولايته أصبح في أحسن وأفضل حال لم يعرفها منذ عدة عقود ، وكذلك البطالة انخفضت بشكل لم تهبط مؤشراته منذ بداية السبعينات زاد في الرسوم الجمركية على مجموعة من الدول وضغط عليها بشكل لم يسبق لهم مثيل ، ورغم أن القوة الإعلامية الأميركة المتحكمة في الولايات المتحدة الأميركة شنت وتشن عليه بشكل متواصل حملات كبيرة ومستمرة ومنظمة للحيلولة دون وصوله إلى كرسي الرئاسة ، فقد وصل ، ورغم استمرارها في شن حملات تحريضية ضده لكي تنهي كل حظوظ له في العودة مرة ثانية إلى كرسي الرئاسة ، ورغم الحروب السياسية التي شنت عليه من قبل الديمقراطيين من خلال التحقيقات التي فتحت ضده بمجلس الكونغريس بشأن تنسيقه مع الرئيس الأوكراني للقضاء على غريمه بايدن ، ورغم استمرار التحقيق والإجراءات لعدة أشهر في ثالث حالة من هذا النوع ولم تنجح أي واحدة منها ، يتم فيها تقديم طلب لعزل الرئيس بعد كلينتون وريتشارد نيكسون وأندرو جوسنون ، لكن ترامب انتصر في الأخير .
انتعاش الاقتصاد الأمريكي في عهد الرئيس ترامب وانحسار البطالة إلى مستويات قياسية في عهده ، وتحقيقه لكل وعوده الانتخابية قبل نهاية فترته الرئاسية ، كلها كانت تلعب لصالحه وتؤشر على أنه عائد للجلوس مرة ثانية على كرسي الرئاسة الأمريكية رغم كل الأخبار والتحليلات التي كانت تغذيها وسائل الإعلامية الكبيرة الداخلية والدولية التي تكن له عداء كبيرا وتتوحد للإطاحة به من عودة ثانية لكرسي الرئاسة .
نهاية سنة 2019 وبداية سنة 2020 في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر سنة انتخابية لكل المرشحين الديمقراطيين الذين كانوا يتنافسون للفوز من أجل تمثيل الحزب الديمقراطي في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري والذي لن يكون سوى الرئيس ترامب ، بالإضافة إلى أن الحزب الديمقراطي وفئة معادية لطريقة وأسلوب الرئيس ترامب في عمله تفعل كل ما تستطيعه لكي يخسر ترامب انتخاباته الرئاسية الثانية ، هناك دول كثيرة تدعو صباح مساء له بالخسارة ولن تكتفي بالدعاء بل من المؤكد أنها ستحرك كل أجهزتها ووسائل ضغطها السرية التي يمكنها أن تؤثر على الناخب الأمريكي لتجعله يصوت ضد ترامب ، وتساهم بإفشال الرئيس ترامب في العودة للكرسي من جديد . ولعل الدولة التي تضررت اقتصاديا بشكل لم يسبق له مثيل من قرارات ترامب هي دولة الصين ، فمنذ صعود الرئيس ترامب إلى سدة الحكم وهو يوجه أسلحته وتهديداته الاقتصادية اتجاه القوة الاقتصادية العالمية الثانية ، وهجماته كلفتها خسارة ملايير الدولارات ، ولعلنا نتذكر على سبيل المثال كيف شن الرئيس ترامب حملة كبيرة ودعا فيها حلفائه من الدول الغربية إلى مقاطعة إحدى أكبر الشركات الصينية للاتصالات والتي باتت رائدة الجيل الخامس لاتصالات الأنترنت ، وكيف شن عليها الرئيس ترامب حملة لم يسبق لها مثيل وكيف ضغط على شركات أمريكية تهتم بالتقنية وبالتطبيقات لكي توقف تعاملها مع شركة هواوي ، وكيف خسرت هذه الشركة ملايير الدولارات في مدة قصيرة ، قبل أن يوقف حربه عليها بشروط واتهامات لها ، وكيف تضررت شركة هواوي بشكل لم يسبق لها أن عاشته منذ دخولها عالم الأسواق ، وكنا شاهدين كيف أصبح كل مستهلكي الهواتف الذكية في العالم يتهربون من شراء منتجاتها . وتتبعنا كيف فرض ضرائب كبير على الشركات الأمريكية التي تتهرب من الاستثمار في أمريكا وتستثمر في الصين ، وكيف زاد الرسوم الجمركية بالملايير على الشركات الصينية التي تصدر منتجاتها إلى السوق الأمريكية ، ، حروبا كثيرة شنها ترامب ومازال لا يتسع المقال للتفصيل فيها وكانت الصين من أكبر المتضررين منها ، و هي الدولة التي تريد بدون شك أن تتخلص من هذا الرئيس بسرعة لأن كل عودة للرئيس ترامب إلى كرسي الرئاسة يعني أربع سنوات أخرى من المعاناة الاقتصادية للصين ومزيدا من ملايير الدولارات التي ستخسرها بسبب توجهات ترامب وخططه الاقتصادية وإملاءاته التي يعتبرها أوامر لا يمكن مناقشتها ويدعوا كل مخاطب بها من الدول إلى تطبيقها بدون نقاش أو بتفاوض مشروط بإملاءات أمريكية ، لذلك فإن الصين ستكون أكبر المتضررين اقتصاديا من عودته للرئاسة وهذا سيجعلها تعمل بدون توقف لكي تساهم في خسارته للانتخابات التي لم يتبقى عليها سوى سنة واحدة فقط وهي سنة 2020 ، ظهر الوباء في الصين بشكل كبير وانتشر فقط في منطقة هوبي وبالضبط بمدينة ووهان في شهر دجنبر 2019 ولم ينتشر بباقي المدن الكبيرة والاقتصادية بالصين ولم ينتشر في باقي المدن الصناعية والاقتصادية وتمت محاصرته في أقل من ثلاثة أشهر وبوفيات أقل ومصابين لم يصلوا للمائة ألف ، ونتذكر جيدا كيف وجه ترامب في احدى تصريحاته اتهاما مبطنا بشأن عدم انتشار الفيروس في كل مناطق الصين حين قال بأن الوباء انتشر في ووهان ولم ينتشر في بكين ومدن كبير صينية أخرى وتسائل كيف انتقل إلى مدن بعيدة عن ووهان في أوروبا بآلاف الكلمترات ولم ينتقل لمدة صينية تبعد عنها فقط بخمس مائة كلمتر أو أكثر ، وتوجه الآن الاتهامات من مجموعة من الدول إلى الصين بأنها لم تقدم معطيات صحيحة حول خطورة الوباء ولم تتقاسم معلومات كافية مع دول المعمور حوله سرعة انتشاره وخطورته وحبست معلومات كثيرة عنه ولم تنشرها إلا بعد انشتار الفيروس في أوروبا ، وحتى الرئيس ترامب وجه اتهامات صريحة للصين في حوار له مع رويترز في أواخر شهر أبريل 2020 حين صرح بأن الصين يمكن أن تفعل كل ما في وسعها لكي يخسر الانتخابات الرئاسية ومازال يوجه اتهامات في كل مرة للصين بأنها سبب انتشار الوباء وبأنها لم تقدم معطيات صحيحة حول خطورة الوباء ، وذهب أبعد من ذلك حين وجه انتقادات كبيرة لمنظمة الصحة العالمية واعتبرها تنسق مع الصين وباتت تابعة لها ، وتعهد بقطع إعانات أمريكا عنها والتي تعتبر أهم الإعانات التي تتحصل عليها المنظمة وتساوي عشرة أضعاف ما تقدمه الصين لهذه المنظمة ، واتهمها بالتنسيق مع الصين ، ويؤكد على أنها نصحت السلطات الأمريكية بعدم إقفال المجال الجوي مع الصين بشكل مبكر حين سعت إلى ذلك ، انتقل المرض إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فباتت عدد الإصابات بها تتجاوز المليونين والوفيات تتجاوز المائة ألف ، لتصبح الولايات المتحدة هي الأولى في عدد الإصابات والوفيات على مستوى العالم ، و يتوقف أكبر اقتصاد على مستوى العالم بشكل لم يسبق له مثيل ، ويتجاوز عدد من فقدوا عملهم العشرين مليون ، وتنخفض كل المؤشرات الاقتصادية والبورصات بشكل درامي لم يسبق أن عاشته ، ويتهدم كل المجد الاقتصادي الغير مسبوق الذي بناه ترامب طيلة ثلاث سنوات وكان صك نجاح يُقربه بكل ثقة من الفوز بالعهدة الثانية ، كل هذه الخسارات في الأرواح والإصابات بين المرضى والشلل الاقتصادي والاضطراب الاجتماعي الذي تعيشه الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب ومن بينها واقعة مقتل جورج فلويد على يد الشرطة ، ومعها ارتفاع نسبة البطالة وازدياد عدد الفقراء وخسارة الكثير من الأثرياء لثروات ضخمة بعد انخفاض تاريخي لا يصدق لأثمنة النفط والتي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي لديها أكبر احتياطي منه ، وهي الدولة التي كانت تبيع ملايين البراميل من النفط وتربح من عائداتها ملايير الدولارات ، هذا التقهقر والشلل الاقتصادي لأمريكا أصبح لا يلعب بشكل واضح لصالح الرئيس ترامب في عودته مجددا إلى الرئاسة الأمريكية خصوصا بعد أن أصبح يُتهم بأنه لم يتخذ الإجراءات اللازمة والسريعة لمحاصرة المرض في أول الأمر ، ونحن نتتبع كيف شن الرئيس ترمب هجومه وهدد برفع الحصانة القانونية عن مواقع التواصل الاجتماعي ، بعد أن قام مدير موقع تويتر شخصيا بتكذيب تدوينات للرئيس ترامب ، وكيف اتهم ترامب وسائل التواصل بتغذية الحملة ضده والعمل على تلميع صورة غريمه في الانتخابات ، وكيف يتهمها بأنها تنسق وتشن حملات تشويهية لتحويل الناخب الأمريكي ودفعه لعدم التصويت عليه والتصويت لخصمه ، وكيف وبعد يومين من تهدديه قدم مشروع قانون رفع الحصانة القضائية عن وسائل التواصل الاجتماعي ، والذي سيؤدي لا محالة إلى تقديم عشرات الآلف من الدعاوى ضد هذه المواقع من متقاضين ينتظرون مثل هذه الفرص ، ، الصين ليست وحدها من تنظر الفرج الذي سيبزغ بعد خسارة ترامب للانتخابات ، لأن هناك دول كثيرة كالصين وروسيا وايران ومعهم ومؤسسات ومشاهير وأفراد من الداخل الأمريكي لا شك في أنهم يعملون ليل نهار مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بكل جيوشهم الإلكترونية وداعميهم من المؤسسات الإعلامية ، وبتحريك سلاسل ضغطها لتوجيه الرأي العام الأمريكي على وسائل التواصل الاجتماعي للاصطفاف وراء المرشح بايدن وعدم التصويت أو حتى التفكير في إعادة ترامب إلى كرسي الرئاسة مرة ثانية ، لأنها تعرف وتعلم جيدا أن كل عودة له ، تعني أربع سنوات أخرى من الخسارات المالية والاقتصادية لهم جميعا ، ولا شك في أن مجموعة من المعطيات والوقائع التي تواترت خلال هذه الأشهر القليلة الماضية قد تجعل المؤمنين بنظرية المؤامرة التي حركت فيروس كورونا و كانت وراء نشره في العالم يمكن أن يجدوا لهم مكانا فسيحا للتنقيب والبحث والتحقيق حول علاقة الانتخابية الرئاسية الأمريكية القادمة بما يجري الآن ، وهل يمكن أن تكون الرغبة في عدم عودة ترامب للرئاسة الأمريكية للمرة الثانية وراء نشر وانتشار الفيروس ؟ وهل يمكن للبعض أن يضحوا بمئات الآلاف من الوفيات من الناس وملايين المصابين من أجل هزيمة رجل انتخابيا وإبعاده عن كرسي الرئاسة ، قد أقول أنه في عالم السياسة وخصوصا السياسة الدولية التي تتصارع أطرافها على مصالح بالتريليونات من الدولارات لا مكان فيها للمستحيل والغير معقول أو الغير ممكن، السنوات والعقود المقبلة والفترة التي ستكون بعد الانتخابات الرئاسية ربما تقدم لنا بعض الأجوبة على ما طرحناه وتبين صحة أو خطأ هذا الطرح .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى