التماسك الأسري و ثنائية عمل المرأة و المساواة

الكاتب: محمد المرابط

من المنظور الأسري التكاملي للنجاح و ليس الفردي الشخصي, فإنه من بين أسباب انهيار المنظومة الأسرية في زمان ما بعد 2000 خروج المرأة المطلق للعمل أقر من أقر و أنكر من أنكر.. أتحدث عن الحالات المنهارة و ليس عن المتماسكة بصبر صابر أو تنازل متنازل. لا تتسرعوا و تأخذكم بي عاطفة أو حمية فلست ضد عمل المرأة بالمجمل و لست مع تحررها السلبي أو سيطرة الزوج كذلك, بل أنا مع النجاح الثنائي القاطع للحياة و العابر لما بعد الدنيا, فاقرأوا مقالتي..
حقيقة سلطوية الرجل الأول أو تهوره و عدم تحمله لفلتات الأنثى الفطرية و ساديته الذكورية دفعت امرأة اليوم لإيجاد ملاجئ احتياطية لما بعد الزواج حتى إذا اصطدمت فرت للأمام من غطرسة الزوج و تحكمه المطلق. هذه النظرة بقدر ما تحمل من مسوغ للانطلاقة بقدر ما تعشش و تؤسس لفشل مسبق حتى قبل خوض تجربة الزواج.. فتدخل بعد عقد لقران العمل في قران الزواج بمعادلة متكافئة مع زوجها و حسابات جديدة يسومها ظاهريا الحب و العشرة و يسودها تحت الطاولة حرب باردة تبقى هامدة ما ساد الوئام و غاب الصدام, لكنها تفور كما يفور التنور وقت الغضب و الاضطراب فيتعالى هذا و ذاك و تصب الأباليس النار فيوشك الصرح على الانهيار.. و يكون في حالة “استغناء” الزوجة و أنفة الزوج أقرب سبيل لاتخاذ القرار الذي يحرر الطرفين من الرضوخ و لو لحظيا لإرادة الآخر و يتسلل مفهوم الكرامة جليا للساحة و تستمر لعبة كسر الأذرع حتى يفر الزوجان من تحت السقف المتهلهل و يتركونه يخر على الأطفال و يقبر ما بقي من فرحة لديهم.

أمام هذا الصراع البارد في غالبيته و الساخن وقت الشدة يستدعي الطرفان وسط هذا السجال درايتهم حول حقوق الأنا و واجبات الآخر, فيأتي الزوج بنصوص القوامة و الطاعة و البعولة, و تتوسل الزوجة بالنفقة و عمل خديجة و عدم إلزامية أشغال البيت.. و يكابر الذكر فحولته و تناطح الأنثى عاطفتها إلى أن يخر العناد أمام حب أو صبر أو حكمة, أو يمضي
إلى مرحلة بلاستيكية غير قابلة للمراجعة.

تشكل مرجعية الطرفين و منشأهما علامة فارقة في التفاوض و التفاهم وقت الاختلاف.. فيصعب أن يؤثر دليل الزوج المستمد من الشرع في زوجة متحررة لا وازع ديني لديها, و تعجز الحجة العصرية التي تقدمها الزوجة في تغيير موقف الزوج المتصلب فتزداد الهوة و يحمى الوطيس.

بين صدق هذا و أحقية ذاك, يجهل أو يتجاهل الطرفان أنهما بخوضهما لتجربة النكاح قد وقعا على قانون أساسي ينظم أشغال و مهام مؤسسة إنسانية شرعية عظيمة هي مؤسسة الزواج, التي يضطلع كل المتدخلين فيها بأدوار محددة تبعا لاختلافهما البنيوي و النفسي و الفيزيولوجي تحفظ التماسك و الاتزان و التكامل, فيقوى البنيان و يتعالى في السماء ليسطر على حياة جميلة هادئها قوامها الود و الرحمة و السكينة و البساطة.
إشكالية العمل و التعادل هذه يشترك فيها الطرفان, فحين كنا نعيب على الزوجة التركيز على سؤال “فاش خدام” صرنا أمام ظاهرة أخرى أشد غرابة هي “واش خدامة”, حيث صار شباب اليوم يجعلون عمل المرأة شرطا من شروط قبولها كزوجة في ضرب سافر لقوامة الزوج و في إعلان أولي عن عدم تحمل أعباء الزواج و البحث عن منقذة لقضاء الوطر بأقل تكلفة.. و في الطرف الآخر تتعلل الأنثى أمام الباحث عن ملكة بيت بحجة لم تعد قائمة في زمان الأسفار و المواصلات و الاتصالات و نعومة الرجل الحالي “واش بغيتي تسد عليا فالبيت”.

بين هذا و ذاك يرقص شياطين الذكوريين و الفيمينيست و الفاشلين ليؤججوا ما استطاعوا تأجيجه للإجهاز على كل عقد و فض النزاع بفضه فحين يسأل أحد الطرفين عن وضعه و يستشير لا يجد كنصيحة في الأغلب إلا “نتا احمق ايلا كملتي معاها و نتي هبيلة ايلا بقيتي معاه الطلاق حرية”.

رؤيتي هذه التي تتختر و تتغير لا تخلي سبيل القاعدة في المنزل “ملكة بيت” من إمكانية فشلها و فشل زوجها و لا تضعها موضع تقديس إنما تضع دورها كربة بيت في مكانة عالية جدا يفوق أي عمل قد تزاوله المرأة خارج المنزل, فبإنجاح المؤسسة الداخلية ينجح المجتمع و يتماسك و تقل كل الظواهر السلبية و الانحرافات, و بقدر إسهام المتحررات و المتحررين في إذكاء نار الفرقة و الانفصال بقدر ما يسهمون في خلق خلايا مجتمعية منحرفة تهدد أمنه و سلامته و استقراره.

إن عمل المرأة في منظوري “باراميتر” متغير بين واجب و مستحب و مكروه.. هذا التغير له علاقة مباشرة بالسياق العائلي و الاقتصادي الخاص لها من جهة و بالسياق المجتمعي و التخصصي العام للأمة من جهة أخرى, أي أنه قد يكون واجبا في حالة حاجة المرأة لقوت اليوم أو حاجة المجتمع لأناملها سواء كانت متزوجة أو لا. و يكون مستحبا في حالة عدم تأثيره على المؤسسة الأسرية بأي شكل من الأشكال و إمكانية نفعه للمجتمع, بينما يستحيل مكروها أو خطرا في حالة إضراره بالتماسك الداخلي للأسرة و عدم الحاجة القصوى إليه خارجها, هنا نستحضر فقه التخصصات و الأولويات و توزيعهما العادل..

للأسف يسوق لنجاح المرأة إعلاميا و عاطفيا بنجاحها في العمل و تحررها من ربقة الزوج رغم كل الخسارات التي قد تكون مرافقة, و للأسف هذا النجاح كما يسوق له مختزل في وظيفة تؤمن لها أجرة شهرية تمكنها من السفر و التبضع و تلبية الحاجيات العادية, في حين يغيب عن الصورة نجاح الأم المدرسة بغض النظر عن وظيفتها أو عدمها و الاستقرار النفسي للزوجة الأنثى و حاجتها الفطرية لسقفها الآخر مهما علا عنادها و تأججت عواطفها العكسية. ذاك النجاح المقدس الذي أنتج علماء كبارا أسسوا لحضارات عظيمة..
و يهيئ في المقابل لبعض الأزواج الساديين أن المرأة خلقت خادمة له منزوعة الإرادة و المصير, و هذا نابع عن جهل بالدين و الفطرة و الصواب. فالمرأة بدءا و انتهاءا إنما هي شق و شقيقة متكافئة القيمة و الحقوق و شطر أساسي في الأسرة لا غنى لها عنها.
في الختام خلاصة كلامي أن المساواة أكبر خطر يهدد حقوق المرأة شرعا و فطرة و يهدد بذلك كيان الأسرة و تماسك المجتمع, و أن المنشود المقصود هو العدل و التكامل الذي يعفيها من تكاليف واجبة على الزوج لا عليها, و يحقق لها أنوثتها و رقتها و احتواءها للنسل البشري. فالأنثى كائن جبار معطاء إذا أحسن استثماره نجح الجميع و إذا استغل و وجه لغير وجهته اختل الكل. فالأنثى أرض و الذكر فأس إن أحسن الحرث أينعت الدنيا و إن أساء أقفرت. و كل ما على الأرض منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى