تعليم الأجيال: إذا العمومي تقهقر وإذا الخصوصي استكبر

محمد الشمسي

ماتت المدرسة العمومية أو هي على فراش الموت في مرحلة “الغرغرة”، وبموت المدرسة العمومية يصير تعليم الأجيال بين قوسين، وبحصر تعليم الأجيال بين القوسين، يثار سؤال حول حظ جيل الغد من التعليم ويطرح معه مستقبل دولة ووطن وأمة، في ظل جائحة أثبتت أنه لا مكان في خريطة العالم لمن لا يحمل جينات العلم والمعرفة والبحث، فالمدرسة العمومية قد تقهقرت منسحبة بعد أن انتابها زكام وسعال ثم حمى في ظل برامج استعجالية عجلت بفصل القلب عن الجسد حيث تلقى المعلم سيلا جارفا من التفريط والتقصير، ثم جاء الدور على إفراغ البرامج التعليمية من القيمة، والمناهج التربوية من الغاية، بين استنساخ أنصاف تجارب دول أخرى، وبين بدع مغربية ارتجالية تجعل من الفشل عنوانا بارزا، وبدل تحقيق نتائج على الأرض شرعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقق في مصير الملايير التي صرفت على برنامج استعجالي للنهوض بالتعليم، فإذا بهم ينهضون بحساباتهم البنكية ويتركون التعليم غارقا، ثم اكتملت صورة ذبح تعليم الشعب بخرافة “التعليم بالتعاقد” مثلما تفعل إسبانيا في عقود عمال وعاملات جني التوت، ويتحول القطاع الى ما يشبه “موسم مولاي عبد الله ليلة السبت”، حيث الضجيج والفوضى وتطاير الغبار.

في ظل هذا الأفول والتراجع من المدرسة العمومية، خلا الجو لضرتها المدرسة الخصوصية التي سعت إلى ملء الفراغ وقدمت نفسها للآباء والأمهات “مزوقة من الخارج”، دون أن تكشف عن “خبارها من الداخل” ذلك الداخل الغارق في القيح والعفن والشره والنهم، وباتت العملية التربوية في مزاد علني لكل “طاشرون” يستطيع تحويل أي بناية لمدرسة خصوصية، وسيقت الأجيال داخل شقق ومطابخ وفوق السطوح وفي جوف العشوائيات، كما تساق أكباش العيد، وبيعت تربية مزيفة، تقوم على النقط المنفوخة والنتائج الممسوخة، وبات “الكل ناجح” ولو لم يفهم التلميذ أو التلميذة “شي زفتة”، وتمرد هذا التعليم الخصوصي وتكبر وتجبر بعد أن شبعت البطون حد التخمة، وخرج عن الطوع، ولم يعد يخاف قانونا ولا دستورا، حتى أن أحد “مرايقية” هذا التعليم الخصوصي بمدينة طنجة “خرج ليها نيشان” بتسجيل صوتي يتبجح فيه أنه “تربوي بيزنس مان”، وأنه يبيع “سلعته التربوية” لمن استطاع إلى ذلك سبيلا .

لا ننكر أن عددا من مدارس التعليم الخصوصي لها مناهج تربوية ناجعة ومنتجة، لكن السؤال هو بأي ثمن تبيع للناس مناهجها؟، والسؤال الثاني هو هل يحتمل الدخل الفردي للمواطن أسعار التعليم الخصوصي؟ لنخلص إلى خلاصة مؤلمة هي أن المواطن يظل حبيس واجبات هذه المدارس الخصوصية صونا لحق الأبناء في التعليم، وحبيس والأقساط البنكية صونا لقبر الحياة، وكل ذلك طيلة 20 سنة فلا ينهيها إلا بعد أن تفرغه من كل روح وحياة وتلفظه جسدا تنهكه أمراض القلق والأعصاب والضغط والقلب والسكري والقصور الكلوي، والسرطان و..و… فلا تبقي له فرصة للمناقشة والتحليل أو المشاركة في الحياة السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو حتى الرياضية، ويمضي عمره غريبا في وطنه، وأخرسا في عرس.

فأعيدوا للمدارسة العمومية بريقها، وللمعلم شرفه، واجعلوا الأجيال تتعلم علما نافعا بثمن ملائم، واجعلوا الشعب يسترد عافيته، وفكوا أغلاله وقيوده، ولا تخيروه بين تعليمه أو مص دمائه، ولا تقدموه قربانا لمدارس خاصة تأكل ولا تشبع.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. لماذا اللوم ؟ هذه المدارس لم تجبر أي أحد أن يسجل أبناءه عندها و ليست احتكارية بحيث هناك المدارس العمومية بالمجان.. القضاء هو الذي يمكنه الفصل في هذه النزاعات , لا دخل للوزارة التعبيم في ذلك.

  2. صراحة عيب وعار أن يكون هناك تمييز في التعليم بين مختلف شرائح الشعب المغربي ..حيث يصبح التعليم للأقوى وكأننا في غابة العيش للأقوى..على الدولة أن تحترم هيبتها وشعبها بأن تضع مدرسة موحدة لمختلف شرائح الشعب المغربي كفا تمييزا وعنصرية فانهيار المدرسة العمومية هو انهيار للمنظمومة المجتمعية وبالتالي انهيار مستقبلي للدولة سنحصد هذه الخسارة جميعا مستقبلا ونتأسف على عدم وضع حد لهذه المهزلة في الوقت الراهن…على الدولة المغربية أن تضح حدا للتجارة بالتعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى