رسالة إلى روح عبد الرحمان اليوسفي: وداعا يا آخر وجه لطهارة السياسة

محسن الأكرمين

رحل رجل إلى دار البقاء من طينة طهارة السياسة. رحل رجل من جيل الوفاء لعهد قسم نشيد القوات الشعبية. رحل رجل إلى حياة الخلد والكل يشهد على صدق سريرته المواطنة والوطنية، الكل يشهد أن الرجل كان مواطنا من حضن هواجس شعب وثورة المحرر، كان قبسا من انفلات الزمن المغربي في الرداءة السياسية والريع الفاسد، كان يؤمن بالتغيير الديمقراطي من القواعد الشعبية، كان من جيل كلمة الوفاء للعهد (بالروح والدم)، لا من كهنة السياسة و النفاق والبراغماتية الطفيلية.
المجاهد الأكبر عبد الرحمان اليوسفي اليوم ودع حياة النضال وسفسطة ما تحت حزام الكراسي، ودع التدبير والتنظير والولاءات المميتة بعد أن ودع القيادة مهاجرا بالسبق و قناعة الاختيار، اليوم ترك بؤس السياسة ووجوه الكراسي تنعم تشدقا في اختيار كلمات تأبينه عبر ميكروفونات البهرجة المميتة وانتقاء لقطة من عيون الذئاب الباكية.
رحل الرجل وقد كان صادقا حين أحس أن اللعبة السياسية أضحت مع النفعيين والوصوليين مثل ( لعب وكول)، رحل الرجل حين باتت السياسة ملجأ (قشاوش عاشوراء) غير “الدورجين” ولا “الكاريزما” الوازنة. رحل الراحل عبد الرحمان اليوسفي والعدو في حرفة السياسة والتدافع النضالي العفيف يشهد بصدقه وبحته التحررية قبل رفيق خط الكفاح الشعبي. رحل عبد الرحمان اليوسفي سليل درب كفاح المهدي بن بركة و عبد الرحيم بوعبيد و…. (أنا الشعب، والشعب يريد…). رحل الرجل وحيدا تاركا بصمة عين على النضال لم يسجلها التاريخ بالنسخ “الكاربوني”، ولن ينتج ماركة فريدة بنفس مواصفات قوة “دينامو” النضال الجماهيري عند سي عبد الرحمان.
هاجر الرجل بإيمان صادق ،حين أحس ان “البلوكاج” الديموقراطي لم يتفوق على عرف (أمولا نوبة) البدائي. رحل الرجل بسيطا مبتسما عند وجه السماء ولن يحتاج إلى نعي مطنب في الديباجة الركيكة ، ولا إلى ولائم مستديرة في زمن”الحجر الصحي”، ولا حتى إلى خطب رنانة ومدبجة بالمناقب الحياتية فالشعب يقيس الرجالات بوزن الذهب وكفى !!! رحل الرجل من بيننا على غر غفلة، وهو يوصي ألا أربعينية يقتعد من أخلى به العهد و جر الحصير من تحت أقدامه يجلس القرفصاء في الصفوف الأمامية. رحل الرجل إلى حياة الخلد (آمنا مطمئنا) وقد بصم علانية أن الفكر السياسي تنظير معياري يتأتى من الإنصات إلى حاجيات الشعب و مطالبه الكلية، و هو بنفس الحجم مواقف اجتماعية تحمل القدرة على قول (لا) وبدون مناورة ولا رياء، ولا خنوع ولا هرولة منبطحة ، ولا حتى من خوف لائم وماكر مضمر النوايا أو بالوجه المكشوف.
قد نقول أن آخر وجوه طهارة السياسة المغربية تركتنا بلا ختمة وداع على وجه الديمقراطية الكسولة، قد نقول أن الرجل مهد لنا مصالحة القرن وترك فينا المحجة الديمقراطية البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك في متن عفن السياسة غير النظيفة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رحم الله المناضل الصادق عبد الرحمان اليوسفي و رحم الله كل الشرفاء الذين سبقوه أمثال المهدي بنبركة و عابد الجابري. و جازى الله كاتب هذه الرسالة الطاهرة و الصدقة الأستاذ الصحفي محسن الاكرمين الذي عرف الأجيال الجديدة من هو المرحوم عبد الرحمان اليوسفي و قربهم لمسيرته السياسة و الوطنية. الحافلة. شكرًا لكم و رحمنا الله جميعا

  2. رحم الله المناضل اليوسفي و شكرًا سيدي الأستاذ الاكرمين لتقريبنا من حياته النضالية الصادقة و من طهارة السياسة في الزمن الذهبي للسياسة المغربية. انا لله و انا اليه لراجعون. رحم الله اليوسفي و بنبركة و جميع الشرفاءالاحرار في هذا البلد العزيز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى