بعزيز يكتب : الاعتداء المادي على المشترك اللامادي

بقلم : سعيد بعزيز 
سجال حاد ومشروع، بعد إطلاق أسماء متطرفين على أسماء شوارع وأزقة في جماعة تمارة، في خرق سافر لما تضمنته ديباجة الدستور من تبوإ الدين الإسلامي السمح مكانة الصدارة، والتشبث بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
مؤسف جدا أن يتجاوز فاعل عمومي دماء الشهداء والوطنيين …، الذين وهبوا أرواحهم وحياتهم فداء الوطن، ويقفز خارج التراب الوطني لاستيراد أسماء أشخاص لا علاقة لهم بالوطن من قريب ولا من بعيد، بل قد يكون وجودهم ولو معنويا، سلبيا على أمنه واستقراره.
وإن كان هذا لا يثير الاستغراب، كما يعتقد البعض، لكونه اعتداء ماديا عن يقين تام، نابع من سياسة يمينية معادية للانفتاح والكونية، ويندرج في إطار تصور محكم لتكريم وتخليد أسماء متطرفة، تمثل تيارات متعصبة، وتشيد بالتمثل الديني المتحجر، وترفض الاعتدال والوسطية، وتساهم في القيام بأفعال متطرفة أربكت الحياة المجتمعية للعديد من الدول.
هذا الفعل، يندرج في إطار التأطير غير المشروع والمخالف لمقومات الدين الاسلامي السمح، التي ترتكز على أربعة مبادئ، إمارة المؤمنين، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني، والمذهب المالكي، وإن كان يستغل فيه الغطاء الديني، فهدفه هو تمرير وترسيخ الأفكار المتعصبة والدعوات الظلامية في عقول المواطنات والمواطنين، المقيمين بالأحياء المستهدفة والوافدين عليها، من خلال دفعهم إلى البحث عن سيرتهم وآرائهم، والاقتداء بهم.
إن تسمية الشوارع والساحات والمؤسسات العمومية، بأسماء الأشخاص، هي تكريم للمرء واعتراف بجميله، ولما قدمه خدمة للإنسانية وللوطن، والهدف منها هو استحضار شخصه وتخليده، وتربية الأجيال على البحث في تاريخه وبطولاته، عبر توجيههم بطريقة غير مباشرة إلى البحث عن هويته وأفكاره وملحماته.
ترى ما قدم شيوخ السلفية والتطرف لبلادنا من خلال ترويجهم لمرجعية غريبة عن الهوية الوطنية، غير المأساة والمعاناة التي حصدتها في عدة محطات مؤلمة، أبرزها أحداث 16 ماي 2003 و28 أبريل 2011، حتى نخرج اليوم، ونطلق أسماء متطرفين على شوارعنا وأزقتنا وساحاتنا؟
نعم، إنها سياسة يمينية تعادي الانفتاح والكونية، ساهم في استمراريتها غياب منظومة تربوية وثقافية ناجعة تعالج العوامل السلبية المؤدية إلى أعمال العنف، وتتجه نحو مستقبل منفتح وذي بعد إنساني وكوني.
إن سؤال زمن تسمية شوارع في جماعة تمارة، المتعلق بتثبيت اللوحات وليس المقرر، يطرح نفسه بحدة؟ فإن كان في زمن حالة الطوارئ الصحية، فهذا لا يعني شيئا غير الفتنة، وإن كان قبل ذلك، فالأمر يستوجب تنزيل الفقرة الثانية من الفصل 145 من الدستور، حيث يعمل العمال باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.
أكيد، تعتبر تسمية الساحات العمومية من صلاحيات مجلس الجماعة، التي يمارسها ويفصل فيها بمداولاته، طبقا لمقتضيات المادة 92 من القانون التنظيمي للجماعات، لكن لا ينبغي أن تخرق مبادئ الدستور باعتباره أسمى قانون، والمتعلقة بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم.
والملاحظ أن محضر الدورة المتداول في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي يتضمن عبارة “صحابة النبي (ص)”، ويعود تاريخه إلى إحدى دورات سنة 2006، وهي المرحلة التي كانت مقررات المجلس الخاصة بتسمية الساحات والطرق العمومية، غير قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها سلطة الوصاية، إذا كانت التسمية تمثل تشريفا عموميا أو تذكر بحدث تاريخي طبقا للمادة 69 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي كما وقع تغييره وتتميمه، مما يجعل تسمية “صحابة النبي (ص)”، خارج هذا الشرط.
لكن، هل هذه الأسماء المتطرفة، تدخل في سياق ما صادق عليه المجلس؟ أليس كل المذاهب الفقهية تتفق على من هم صحابة النبي (ص)، الملازمين والمرافقين له، وحملة الرسالة الأولين؟ إنه تحريف متعمد لإرادة أعضاء المجلس، وخرق سافر لقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم.
إنه الأساس الدستوري، الذي يمكن من خلاله صد هذه السلوكات، ومواجهة كل الأفكار الدينية المتطرفة، التي يمكن أن يقدم عليها الفاعل العمومي في الجماعات الترابية.
فالإسلام هو الاعتدال والتسامح والتعايش مع الثقافات والحضارات الانسانية، أما غير ذلك فليبحثوا له عن إسم آخر.
والتوجه المغربي، هو المنهج السليم، فاليوم لا مجال للتطرف والظلامية والإرهاب في ظل ما قامت به إمارة المؤمنين من عمل ملموس أفضى إلى خلق فضاءات يمكن من خلالها لجميع العلماء الاشتغال وفي ظروف علمية ودينية مريحة، من قبيل الرابطة المحمـدية للعلماء وجامعة القرويين وعدة معاهد ومؤسسات ومجالس مختلفة ومتنوعة الأهداف، وكذا الفضاءات الأخرى المرتبطة بنظم الزوايا، وتدويل الرصيد المغربي العلمي الديني من خلال الممارسة الميدانية عبر إرسال بعثات من الأئمة والوعاظ إلى خارج أرض الوطن حفاظا على الهوية الوطنية الدينية للمغاربة المقيمين بالخارج، وتكوين الأئمة والمرشدين وتوزيع المصحف الشريف، وبناء المساجد في عدة دول أجنبية…إلخ.
فلا مكان ولا موطأ قدم، للتطرف والتعصب فوق أرض هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. يجب الضرب بيد من حديد لكل من سولت له نفسه إشاعة الأفكار المتطرفة، الإسلام واحد يتلخص في القرآن الكريم و السنة النبوية و سنة الخلفاء الراشدين.

  2. تتكلمون عن امور مبهمة بحثت عم الاسماء التي تتحدثون كقاريء لاعرف مصداقية المقال فلم اجد لها وجود نرجو عدم الزج بالمزايادات السياسية بدوافع انتخابية واحترام القراء في الحد الادنى من المصداقية الصحافية …

  3. السلام عليكم تتكلمون بالعموم ولم تنشروا اسماء هؤلاء الدين تقولون سلفيين وانا صورهم كلهم اخوان مفلسون الدين يشجعون على الفتنة اما السلفيون معروفون باعتدالهم وطاعة ولي امرهم ولكنكم اعني الصحافة لا تفرق ما بين من هوحزبي فتان و ما هو الدي طريقة الامة الاربعة مالك والشافعي واحمد بن حمبل وابوحنيفة والسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى