قراءة في تفعيل أحكام الفصل 40 من الدستور على ضوء حالة الطوارئ المعلنة لموجهة تفشي فيروس كورونا

بقلم / يوسف علالي

 

ينص الفصل 40 من دستور 2011: ” على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”
أولا ما يجب الإشارة إليه هو أن بعد ظهور أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في شهر مارس الماضي، بادرت الحكومة المغربية على غرار ما قامت به جميع الدول التي تعاني من هذه الجائحة، إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الهامة، كان الهدف منها الحد من انتشار هذه الجائحة والتقليل من آثارها ووضع استراتيجية وطنية شاملة لتدبير هذه الأزمة الصحية.
لذلك سارعت الحكومة المغربية إلى إصدار مرسومين في هذا الشأن:
– الأول: مرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
– الثاني: مرسوم رقم 2.20.293 بتاريخ 24 مارس 2020، يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19.
لكن إذا راجعنا ديباجة المرسومين معا، فلا نجدهما يشيران إلى اعتماد الفصل 40 من الدستور، وهذا على ما اعتقد إغفال لنص أساسي يمكن اعتماده كسند دستوري لمجموعة من التدابير، خاصة إذا تحدثنا عن المرسوم الأول (رقم 2.20.292). الذي يتضمن مادة تحمل روح هذا الفصل الدستوري، وهي المادة 5 التي تنص على أنه ” يجوز للحكومة، إذا اقتضت الضرورة ذلك، أن تتخذ، بصفة استثنائية، أي اجراء ذو طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال، والذي من شأنه الاسهام، بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية على إعلان حالة الطوارئ “.
غير أن هذا الفصل لم يتم اللجوء إلى مقتضياته إلا بمناسبة صدور منشور رئيس الحكومة رقم 06/2020، المتعلق بالمساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19″، وتم ربطه في هذا المنشور بالمادة الخامسة من المرسوم رقم 2.20.292، التي تحدثنا عنها.
لذلك سنحاول فيما يلي فهم مضمون المقتضيات التي جاء بها الفصل 40 من الدستور، وعلاقتها بالتدابير المتخذة في زمن الأمراض الوبائية، كحالة جائحة كوفيد 19 الحالية. لكن قبل تحليل ذلك يمكن القول إن الحكم الذي جاء به الفصل 40 من الدستور هو حكم عام يسري على جميع الحالات التي يذكرها، ومفاده أن تحمل التكاليف التي تكون ناجمة عن الحالات التي أوردها هذا الفصل تكون من قبل الجميع وبصفة تضامنية، والحديث عن هذا يتطلب بالأساس تحديد المفاهيم بدقة لأننا نتحدث عن نص دستوري والنص الدستوري تأويله يختلف عن تأويل نصوص خاصة، لأن النص الدستوري هو نص عادة دون آثار ودون جزاءات. وإنما هو نص عام له أحكام عامة، لا ينبغي للنص الأدنى درجة منه مخالفتها وأن النصوص القانونية الأدنى يجب تفسيرها على أساس احترامها لمبدأ الدستورية، لذلك فإن كل مصطلح في الدستور له معنى وإطار قانوني لا ينبغي تفسيره إلا في إطاره وحدود أحكام النص الدستوري الذي يتضمنه.
لذلك فإن الأمر يتطلب منا تفكيك المفاهيم التي تحملها المصطلحات التي حملها هذا الفصل بدقة، من خلال طرح أسئلة هامة في هذا الإطار:
– أي قراءة للفصل 40 من الدستور على ضوء تدابير مواجهة انتشار جائحة فيروس كورونا؟
– ما هي الطبيعة القانونية للظروف الناتجة عن اتشار جائحة كورونا فيروس (كوفيد.19)، على ضوء الفصل 40 من الدستور؟
– ما مشروعية الاقتطاع من أجور الموظفين لدعم تدابير مواجهة جائحة كورونا، باعتباره أحد التدابير المؤسسة على ضوء الفصل 40 من الدستور؟
أولا: قراءة للفصل 40 من الدستور على ضوء التدابير التي المتخذة لمواجهة جائحة كورونا فيروس:
لفهم الخطاب الذي يحمله نص هذا الفصل، سنحاول فهم لفظ ” على الجميع” التي أوردها حتى نستوعب المخاطبين به، ولعل فهم هذا اللفظ ينبغي معرفة سياق ورود الفصل ذاته في الدستور، ثم سياق اللفظ في النص هذا النص، ولفهم ذلك سننطلق من سياق ورود الفصل بشكل عام ثم نعود لسياق اللفظ داخل النص ذاته.
1. مدلول لفظ الجميع من خلال سياق ورود الفصل 40 في الدستور:
لقد جاء الفصل 40 من الدستور ضمن نصوص الباب الثاني من الدستور المعنون “بالحريات والحقوق الأساسية”، وقد تكرر استعمال هذا اللفظ في نصوص عدة من هذا الباب إما مجردا وعاما أو مخصصا، مجردا عاما مثلا في الفصل 28 ” للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة…” الفصل 39 “على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية،..”، أما استعمال اللفظ مخصصا عندما يربطه بتحديد المخاطب بلفظ الجميع مثلا ما ورد في الفصل37 “على جميع المواطنات والمواطنين احترام الدستور والتقيد بالقانون. ويتعين عليهم ممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات.”. كما أنه خلال هذا الباب استعمل مجموعة من الألفاظ تحيل على معاني متقاربة مثلا ” لكل مواطنة ومواطن حق التصويت…» (ف 30)، وكذا “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات…”(ف 27)، وأيضا” لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة…”(ف 24). لكن تبقى العبارة الأعم التي جاء في سياقها لفظ “الجميع” والتي جاء مفهومها عاما وشاملا ويمكن تأويله على هذا النوح هي التي استعملها الفصل 40 من الدستور المشار إليه أعلاه لأنه جاء عاما ومرتبطة بعبارات عامة وفضفاضة مثل “تنمية البلاد” ومصطلح البلد في الجغرافيا والسياسة الدولية هو أرض جغرافية، ويستعمل مفهوم البلد أو البلاد كمفهوم يدل على الوطن (الكيان الثقافي) والدولة (الكيان السياسي). ميل العديد من التعاريف إلى وضعه كمعنى يصف الدولة فقط، إلا أن الاستعمال العام أوسع من ذلك.
2. مدلول لفظ الجميع من خلال سياق اللفظ ذاته في نص الفصل 40 من الدستور:
جاء الفصل 40 من الدستور كفصل أخير من الباب الثاني المعنون بالحريات والحقوق الأساسية، ولعل هذا الترتيب له دلالة خاصة ونحن نتحدث عن نص دستوري، حيث تم ختم هذا الباب بهذا النص وهو في الحقيق يحدد واجبات وليس حقوقا. ولفظ الجميع هنا جاء عاما ودون تحديد للمقصود بالجميع، ” مثل المواطنين والمواطنات”، عكس بعض الفصول التي سبقته، وهذا يعني أن المشرع الدستوري قصد من لفظ الجميع بهذا المعنى الأفراد والهيئات والمؤسسات وجميع أشخاص القانون العام. كما أن هذا اللفظ جاء متبوعا بعبارة “بصفة تضامنية”، غير أن مسألة التضامن هنا هل يقصد بها التضامن بمفهوم المبادرة(التطوع)، أو بمفهوم الواجب والتحمل (الإجبار)، فالواضح أن المفهوم الأخير هو المقصود لأنها مسبوقة بعبارة “على الجميع أن يتحمل”.
ثانيا: الطبيعة القانونية للظروف الناتجة عن انتشار جائحة فيروس كورونا(covid19) على ضوء الفصل 40 من الدستور :
لقد عمت جائحة كورونا أرجاء الأرض، وما رأيناه بداية من الصين بإعلان حالة الطوارئ دعما للحجر الصحي الذي فرضته هذه الجائحة، كان له تأثيرات غيرت سياسات الدول أثناء حالة الطوارئ، فالأوبئة الصحية تعتبر واقعة مادية صرفة وهو ما يتطلب بالأساس تحديد طبيعتها القانونية نظرا لانعكاساتها على القوانين التي ستفصل في القضايا الناجمة عن هذه الجائحة والتي ستكون لها آثارا سلبية على العلاقات القانونية بشكل عام والعلاقات التعاقدية بشكل خاص، لذلك سنحاول معرفة طبيعتها انطلاقا من الدستور ثم في القانون العادي.
1. الطبيعة القانونية للظروف الناتجة عن انتشار جائحة فيروس كورونا من وجهة الدستور انطلاقا من الفصل 40 منه:
رجوعا إلى الفصل 40 من الدستور الذي نحن بصدده نجده تحدث عن تحمل التكاليف ” الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”، فمن خلال هذا النص نستطيع أن نقول بأن التضامن في التكاليف يكون إما في حالة وجود آفة أو كارثة طبيعية.
– المقصود بالآفة: جاء في معجم الوسيط بأن الآفة هي ” كل مَا يُصِيب شَيْئا فيفسده من عاهة أَو مرض أَو قحط يُقَال آفَة الْعلم النسْيَان”
– والمقصود بالكارثة الطبيعية، في قواميس الجغرافية: هي حدث تسببه قوى الأرض الطبيعية، وتؤدي إلى أضرار جسيمة، بما في ذلك تلف الممتلكات والأضرار الاقتصادية، وربما خسائر في الأرواح خصيصًا إذا حدثت في المناطق المكتظة بالسكان.
وتأسيسا على هذه المفاهيم فإن جائحة فيروس كورونا هي “آفة” بمفهوم الفصل 40 من الدستور، وبالتالي هي من الحالات الموجبة لتفعيل الفصل المذكور من خلال وضع تدابير تضمن تحمل التكلفة التي تتحملها البلاد نتيجة هذه الآفة وبصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها.
2. الطبيعة القانونية للظروف التاجة عن انتشار جائحة فيروس كورونا من وجهة القانون العادي:
لقد سبق القول بأن الظروف التي خلقها انتشار جائحة فيروس كورونا، سيكون لها آثارا سلبية على العلاقات القانونية بشكل عام والعلاقات التعاقدية بشكل خاص، فالقاعدة تقول بأن “العقد شريعة المتعاقدين” وليس لأحد أن يستقل بإلغاء أو تعديل العقد أو أن يتحلل من التزاماته بإرادته المنفردة، أي الالتزامات التي تقررت بمقتضى العقد الذي أبرمه بإرادته الحرة، كما أنه ليس للقاضي التدخل في تعديل العقد أو الغائه من غير رضا المتعاقدين. حيث يبقى كل من المتعاقدين قادرا على تنفيـذ التزاماته من دون ضرر يلحقه، لكن ماذا لو حلت ظروف مغايرة عن تلك التي أبرم فيها العقد حيث مست التوازن الاقتصادي بين الطرفين حيث جعلت تنفيذ العقد مضرا بأحدهما. وعلاقة بذلك فإن الظروف التي خلقتها جائحة فيروس كورونا هي من هذا القبيل خاصة مع التدابير المحلية والدولية والتي كان لها انعكاسات كبيرة على العلاقات القانونية خاصة وأن العصر الحديث وما يعرفه من تشعب للعلاقات القانونية المرتبطة بالتعاملات المختلفة والمتشعبة.
ولعل الفهم القانوني للظروف التي تصاحب التدابير التي عملت الدولة على اتباعها في ظل مكافحة هذه الجائحة، فرض ضرورة تبني صيغة قانونية لها تعطيها طبيعتها القانونية، التي يمكن الاستناد عليها لحل الإشكالات التي يمكن أن تثار بخصوص العلاقات القانونية، وانطلاقا من ذلك فإن البعض يذهب إلى القول إن الحل القانوني للحد من الانعكاسات السلبية لهذه الجائحة في مجال العلاقات القانونية، يتمثل في تطبيق نظرية “القوة القاهرة” والبعض الأخر قال بنظرية “الظروف الطارئة”.
وفي رأينا نحن فإنه عادة في القوانين الحديثة، تطبق نظرية “الظروف الطارئة” في الحالات التي يكون فيها تنفيذ الالتزام مرهقا لأحد الاطراف أو كليهما. ويكون الجزاء هو رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول وتوزيع الخسارة على الطرفين. أما إذا استحال التنفيذ فتطبق نظرية “القوة القاهرة” التي تختلف أحكامها عن أحكام نظرية “الظروف الطارئة”، والجزاء فيها هو فسخ العقد وانقضاء الالتزام، أما إذا لم تتجاوز الخسارة عن الحد المألوف فلا مجال لتطبيق “القوة القاهرة”.
وفي حالة الظروف التي خلقتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد.19 (، ففي نظرنا ستصبح دعاوى “القوة القاهرة” معقدة ومحل خلاف بين الأطراف عندما لا تتسبب الظروف التي خلقتها الجائحة في التأثير بشكل مباشر على العمل والالتزام. لكن يبقى السؤال أمام انتشار هذا الوباء وتعقد الظروف التي يخلقها يوما بعد يوم، هل يمكن اعتبارها حسب الأحوال “قوة قاهرة ” في القانون والقضاء؟ خاصة وأن بعض الدول الكبرى والتي اشتدت فيها الجائحة وتعاظمت آثارها على أراضيها، فمثلا أمريكا والصين وهما دولتان اقتصاديتان كبيرتان قامتا باستصدار ما يسمى بشهادات “القوة القاهرة”. التي بإبراء الأطراف من مسؤولياتهم التعاقدية التي أصبح من الصعب الوفاء بها، بسبب ظروف التي أصبحت خارجة عن طرفي العقد. الأمر الذي دفع مؤسسات وشركات عالمية كثيرة داخل هذه الدول إلى المطالبة بشهادة “القوة القاهرة” من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية، ومن غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته. فوافقت حكومات هذه الدول اعلى ذلك شريطة تقديم وثائق تثبت التأخير أو المطل، على أن هذه الشهادات سيصبح معترفا بها دوليا وليس داخليا فقط.
ثالثا: مدى مشروعية الاقتطاع من أجور الموظفين لدعم تدابير مكافحة انتشار جائحة فيروس كورونا استنادا على الفصل 40 من الدستور.
صدر بتاريخ 14 أبريل 2020 منشور لرئيس الحكومة (منشور رقم 6/2020)، حول موضوع المساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19″. وذلك تأسيسا على الفصل 40 من الدستور المذكور أعلاه، بحيث تقرر أن يساهم موظفو وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدمو المؤسسات العمومية، بأجرة ثلاث أيام من العمل على مدى ثلاثة أشهر.
وبغض النظر عن منشور رئاسة الحكومة الذي جاء فيه نوع من الغموض على مستوى الصياغة خاصة فيما يتعلق بتعليل قرار الاقتطاع، فتارة يفهم منه الاقتطاع جاء بناء على الفصل 40 من الدستور يعني اقتطاع مؤسس دستوريا وجبري بمقتضى هذا النص على اعتبار حالة تفعيله دعتها انتشار جائحة فيروس كورونا، وهذا ما تؤكده عبارة ” بناء على مقتضيات المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية”، وتارة يفهم بأنه جاء بشكل اختياري تضامني من الفئة التي يستهدفها المنشور وذلك ما تحيل عليه عبارة ” وتجاوبا مع ما أعربت عنه المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا من تجند ورغبة في الانخراط في دينامية التضامن والتكافل”، وكذا عبارة التنويه التي جاءت في آخر المنشور ” وأثمن انخراطهم التلقائي في مختلف الأشكال التضامنية التي عبر عنها المغاربة …”.
ولعل هذا ما أثار نقاش كبير وفتح جدلا كبيرا، وهذا أمر طبيعي إذا ما حاولنا استيعاب الأساس القانوني للاقتطاع، لذلك في رأينا أنه كان لا بد -خاصة ونحن في أوضاع وظروف عصيبة- أن تكون هناك دقة ومعايير واضحة للتدابير المتخذة وليس العكس، لأن هذه الظروف تحتاج إلى التواصل الواضح والتأسيس الدقيق للتوجهات والاختيارات التي تحتاجها البلاد لتجاوز الأزمة الصحية، لذلك فإن الفصل 40 من الدستور في رأينا يعطي المشروعية لهذا الاقتطاع، وفي تقديرنا يحمل في طياته ما يصبغ على مقرر الاقتطاع المشروعية الدستورية، لأن النص كما أكدنا على ذلك أعلاه جاء عاما، لا من حيث سياق عبارة “على الجميع أن يتحمل” ولا من حيث سياقه العام. والذي يمكن الاستناد عليه لتأسيس مشروعية الاقتطاع، غير أن اعتماد هذا الفصل بالأساس ينبغي معه استحضار معانيه الشاملة، خاصة “المسألة التضامنية في تحمل التكاليف”، بحيث كان يجب مراعاة بعض الفئات من الموظفين والمرتبين في السلالم الدنيا، والتي كان من الممكن إعفاءهم أو على الأقل حصر قيمة الاقتطاع لهذه الفئة في نصف يوم عن الثلاث أشهر التي شملها الاقتطاع، وذلك إعمالا لروح الفصل ذاته الذي يقول “وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها”، وذلك انطلاقا من المفهوم التضامني للعملية ذاتها التي في النهاية تبقى تعبيرا عن التضامن في زمن الأزمات بين مكونات البلاد.
وختاما، فإن ما يمكن استخلاصه من قراءتنا هذه أن الظروف الصعبة التي خلقها انتشار جائحة فيروس كورونا(كوفيد-19)، وما يلازمها من حاجة لاعتماد تدابير استثنائية بغية الحد منها ومن آثارها، فإن الأمر في المقابل يحتاج إلى وضوح في الرؤيا، على مستوى الغايات التي تهدف إليها التدابير المتخذة، لأن الغموض يولد نوع من انعدام الثقة في المؤسسات ويفتح الباب للتأويلات والتجاذبات التي لا تتماشى مع الظرفية. وذلك طبعا دون المساس بأي حال من الأحول بمقومات دولة الحق والقانون، لذلك فإنه على الكل الدولة بمؤسساتها والمواطنين فرادى أو من خلال هيئاتهم التنظيمية الالتزام بهذه المقومات لا من حيث مبدأ الواجب ولا من منطلق التضامن الذي تفرضه الظرفية التي تمر منها البلاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى