الخفي والمكشوف في تأجيل مشروع القانون

بقلم سعيد بعزيز 

“اعتبارا للظرفية الخاصة التي تجتازها بلادنا في ظل حالة الطوارئ الصحية، فقد قررت أن أطلب من السيد رئيس الحكومة والسادة أعضاء اللجنة الوزارية تأجيل أشغال هذه اللجنة بخصوص مشروع قانون 22.20 إلى حين انتهاء هذه الفترة، وإجراء المشاورات اللازمة مع كافة الهيئات المعنية، وذلك حتى نبقى جميعا حريصين على أن تكون الصياغة النهائية لهذا المشروع مستوفية للمبادئ الدستورية ذات الصلة ومعززة للمكاسب الحقوقية ببلادنا”.

 

 

هذا هو تصريح وزير العدل، الذي تدخل بموجبه لوقف المهزلة الحكومية، التي كشفت لنا الوجه الحقيقي للساهرين على ممارسة السلطة التنفيذية وتنفيذ السياسات الحكومية، المرتبطة بمختلف مجالات النشاط الوطني، في ظرفية زمنية حرجة.

 

نعم، أوقف المهزلة وأنقذ الحكومة، بدءا من كبيرهم الذي يرأسهم، حيث صادق على المشروع، ثم خرج ليرتدي زيه الحزبي ويؤكد أن موقفه المبدئي يقضي بأن أي تشريع في هذا المجال يجب أن يراعى ضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، في نطاق المسؤولية، ومن ضمنها حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها، ورفضه لأي مقتضيات تشريعية تتعارض مع ممارسة هذه الحريات المقررة والمكفولة دستوريا، وهو نفسه التعامل الذي قام به وزيره في الشغل والإدماج الاجتماعي بعدما صادق على المشروع، بادر إلى إصدار بيان للشبيبة الحزبية، يحمل توقيعه، ويوجه من خلاله دعوة إلى الحكومة التي يعتبر عضوا فيها، بأن تعمل على ملاءمة مشروع القانون الذي سبق أن صادق عليه مع مبادئ وغايات الدستور المغربي، إنه تغيير للمواقف بتغير المواقع، وهو أمر مألوف وعادي جدا في مرجعتيهم ومسارهم مع الكراسي.

 

 

هذا التلون والتقلب في المواقف والقرارات، لم يأت عبثا، بل جراء نضال واسع، للمواطنات والمواطنين، وكشفهم للمحاولات الرامية إلى التشويش والتأثير السلبي على التلاحم الوطني في زمن يحرص فيه الجميع على الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19.

 

 

فاصطلاح التأجيل في تصريح الوزير، لا يعني الإلغاء أو التراجع، بل هو تعليق مؤقت لمسطرة التشريع، لكن قد يكون كذلك، أي تراجعا، وفق ما وقع مع العديد من المشاريع والنصوص القانونية والتنظيمية في وقت سابق.

 

 

والحمولة الإيجابية في التصريح، أن الحكومة ستعود إلى جادة الصواب وتبتعد عن التشويش، لكون أحد أعضائها طالب بتأجيل المشروع اعتبارا للظرفية الخاصة التي تجتازها بلادنا في ظل حالة الطوارئ الصحية، إلى حين انتهاء هذه الفترة، ومن شأن ذلك أن يجنب بلادنا السقوط في كارثة لا تحمد عقباها، بسبب التداعيات الخطيرة للمشروع، الذي لم يكن ليصوت عليه بالبرلمان، بعد إعلان العديد من أعضائه وبشكل قطعي عدم الانخراط في مسودته المتداولة. وعليه سيعود الجميع إلى الاقتصار على مواصلة العمل من أجل الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي هذه الجائحة، بعدما التزموا طيلة أسبوع بأكمله، بالمشاركة الهادفة والناجعة في العمل على الحفاظ على التدابير المتخذة بشأن الجائحة، وفي النضال المشترك ضد مسودة مشروع قانون رقم 22.20 يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، أو ما يسمى بمشروع قانون ترسيم الكمامات.

 

 

وفي الحديث عن أعضاء اللجنة الوزارية، كشف جزئي للحقيقة الغائبة، فمشروع القانون هو نتاج خمسة قطاعات حكومية على الأقل، مما يجعله قانونا أفقيا، حيث يتضمن عدة مجالات، منها حقوق الإنسان في مجال الحقوق والحريات، والاتصال في الشبكات والبيانات المرتبطة بها والإدارة أو الهيئة التي ستحدث لهذا الغرض ومزودي الخدمات، ثم الأمن والدفاع الوطن في ترويج طريقة تصنيع معدات التدمير، والصناعة والتجارة والخدمات بخصوص الدعوة أو التحريض على مقاطعة المنتوجات أو البضائع أو الخدمات، والمالية بشأن سحب الأموال من مؤسسات الائتمان، والعدل في نشر الأخبار الزائفة وإثارة الفزع بين الناس وتهديد طمأنينتهم وانتحال الهوية الرقمية والتهديد والابتزاز، وسلامة المنتجات الغذائية بشأن التشكيك في بعض المنتجات والبضائع، والطفولة والأشخاص في وضعية إعاقة فيما يتعلق بالسلامة النفسية والجسدية للقاصرين وذوي العاهات العقلية…، وفق تحليل بسيط لمضمون المواد التي تتكون منها المسودة المتداولة، فهذا الزخم من المجالات يتبع لقطاعات حكومية مختلفة، يتعذر عليها تقديم المشروع مجتمعة خلال انعقاد المجلس الحكومي، لذلك قدمه وزير العدل، والذي بإمكان أن يقدمه أي وزير آخر في إطار التضامن الحكومي.

 

 

وإجراء المشاورات اللازمة مع كافة الهيئات المعنية، هو مكتسب حقيقي، لكل من قال لا لمشروع القانون، لكن لا ينبغي أن يختزل فيما تضمنه البيان الحزبي لرئيس الحكومة، من إشراك للمؤسسات الدستورية المعنية فقط، وهو ما يكشف عن عدم توفره على منهجية واضحة لترسيخ الديمقراطية التشاركية عبر التواصل مع مختلف المكونات المجتمعية، فالأمر يتعلق بنص تشريعي ذي حمولة تمس مختلف المجالات المجتمعية من أمن واقتصاد وحقوق وحريات…إلخ، بل يجب توسيعها لتشمل الجميع، في إطار حوار وطني موسع، فاعتماد المقاربة التشاركية في هذا الملف، من شأنها أن تساهم في إثراء النقاش العمومي والمساعدة على اتخاذ قرار ذي مصداقية.

 

 

إن اعتماد آليات الحوار والتشاور المؤسس على مبادئ الديمقراطية التشاركية من شأنه أن يساهم في تطوير الحياة السياسية والمجتمعية والفكرية ببلادنا، ويجنبها السقوط في ما لا يحمد عقباه.
أما عن الحرص على أن تكون الصياغة النهائية لهذا المشروع مستوفية للمبادئ الدستورية ذات الصلة ومعززة للمكاسب الحقوقية ببلادنا، فهذا مطلب المحتجين والمنتقدين، الرامي إلى تكريس مبادئ حقوق الانسان والديمقراطية في شموليتها، وتطوير الحقوق والحريات عبر تحيين مختلف النصوص القانونية المرتبطة بها وملاءمتها مع الدستور والمعايير الدولية.

 

 

وبالتقاط هذه الفكرة وتنزيلها في التصريح المذكور، يجعلنا أمام حكومة، لا تتغير مواقف كل أعضائها بمجرد تغير مواقعهم، بل هناك من بينهم، من يستمع إلى نبض الشارع من جهة، والأصوات الحزبية من جهة ثانية، بآذان صاغية وإرادة قوية، ويتحمل مسؤوليته دون باقي أعضاء الحكومة المساهمين في المشروع، ليعلن التأجيل استجابة لمطالب مجتمعية عادلة ومشروعة، ويفند كل ما راج من كلام حول تشبته به.

 

فالإنصات إلى المواطنات والمواطنين، ومختلف الهيئات، يعد فاعلا أساسيا وشريكا حقيقيا في تدبير الشأن العام، وبإمكانه أن يحل العديد من المشاكل الاجتماعية المعقدة باعتبارهم قوة اقتراحية قبل أن تكون رقابية.

 

لنبن ثقافة مجتمعية قومها المواطنة والتضامن والفعل الجماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى