من سيادة القانون إلى السيادة بالقانون

 

 

 

بقلم الدكتور طارق زهير

 

يمر النص القانوني كنتاج تشريعي بأزمة على مستويات العديد  من النظم القانونية على مختلف مشاربها الاديولوجية ، فاصبح القانون غير عاكس أو ممثل لإرادة الأفراد  في إقرار قواعد الزامية تنظم علاقاتها الجماعية و المجتمعية،بقدر ما أضحى أداة أو ألية تقنية للحكم ، قد تصير أحيانا دعامة تعتمدها ليس الأغلبية فقط لتمرير ما يناسبها من قوانين، بل كذلك الاوليغارشية التي قد تستغل فراغا او نقصا تشريعيا لتمرير ما يحمي مصالحها من قوانين و لو كان ذلك على حساب حقوق الأفراد الدستورية .

 

 

 

و من بين الأزمات التي يعاني منها القانون ، أزمة عدم قبول الفرد و العقل الجماعي لنص قانوني ما سواء كان فكرة ،  أو بلور في مسودة أو صار نافذا، و غالبا ما يكون مردها جهل الفرد بالقانون ، الناجم إما عن الكم الهائل من النصوص القانونية التي يتم سنها في ميادين شتى يغيب فيها  التفكير المجتمعي عند إعدادها  ، إعداد  قلما   يتخذ شكل مقترحات بل   يأتي في شكل مشاريع تهيأ في مختبرات تقنينية لا تعتبر ،أو بالأحرى لا يدخل في ناموس عمليتها التقنينية إرادة الشعب و اختياره لتنظيم منحى ما في وقت ما و بشكل يحقق معه  إجماعا عليه، او توافقا نسبيا يوازن بين مختلف مصالح مكونات المجتمع.

 

 

لا ريب أن هذا الكم الهائل من التقنين ، يجعل التشريع محط تشكيك في قدرته على استيعاب أثاره على الفرد و المجتمع،خصوصا، أمام ضعف التكوين الحقوقي و القانوني  ، كما يتعذر أحيانا  حتى رجل الحقوق تتبعها و ادراك لغتها ، فما بالك بالانسان العادي ، و من ثم كيف يتسنى قبول مضمونها و تبني مقتضياتها.

 

 

و غالبا ما تعتبر القوانين فئوية،  لمّا تعدها  جهة ما  لمصلحة ضيقة لفئة ما،ليس فقط بمفهوم أن فئة ما كانت وراء إعدادها ، بل عندما تكشف  دراسة  أثارها الجهة المستفيدة من أبعاده التطبيقية.

 

 

لكن الأنكى من كل ذلك، هو  عندما يصير القانون آلية للسيادة، أي سيادة فكر على حساب فكر آخر ، طرف في المجتمع على طرف آخر سواء أكان أقلية أو أغلبية ، تحكّم فئة في فئة أخرى أو فئات أخرى ،  و قد يصير هاجس السيادة بالقانون محور أزمة الثقة في القانون و سلامة سريرة مقننيه، و بالذات،عندما يفهم،أو يعم إحساس إما حدسي فطري أو  ناتج عن  انتشار حكم قيمي مسبق ،بأن النص القانوني المزعوم تقنينه، هو تقنين انتقامي من وقائع أو حالة من الاظطراب في علاقات المجتمع تضررت منها فئة ما ، تتهم بأنها من قننته أو ساهمت في ذلك، أو دعمت من وراء الستار  تقنينه ، و لو كانت نية من هم فعلا وراء إعداده سليمة تهذف إلى الحد من ظاهرة مجتمعية سلبية.

 

 

من هذا المنطلق، لا يكون للمجتمع و بالتالي الفرد أي دور ، كما عالج ذلك علماء الاجتماع القانوني ظاهرتي التقنين و التشريع ،فيصير نصا مفروضا لا تقبل عدالته، ما دام الفرد يرى فيه نصا مفروضا عليه ، مس بحق أو حقوق يكفلها له الدستور و القانون ، و الأشد في ذلك ، هو عندما تكون هذه الأحاسيس و الأحكام تتقاسمها فئة عريضة من المجتمع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى