الجامعة الذكية في زمن كورونا

عبد الاله فروا ت
يحيلنا المدلول العلمي الدقيق لمصطلح “تكنولوجيا المعلومات والتواصل” إلى مجموع التقنيات والمعدات الموظفة لمعالجة المحتويات والمضامين والبيانات والمعطيات، المكتوبة والمرئية والرقمية والمسموعة، وذلك من خلال عمليات التخزين والاسترداد والنشر والتبادل … وغني عن البيان ان هذه العمليات مكنت من انتشار واسع وسريع لهذه التكنولوجيا، كما ضاعف من ذلك سهولة استعمالها واسترجاعها وسعة استيعابها، حتى كاد توظيفها في شتى مجالات الحياة العلمية والإعلامية والاقتصادية والثقافية يغدو في حكم تحصيل الحاصل.
وكان من البديهي أن استفاد التعليم العالي من مزايا هذه التكنولوجيا سواء في بعدها التعليمي أو البحثي أو على مستوى الرفع من القدرات التدبيرية والإدارية.
وقد تلمسنا خلال السنوات الأخيرة، شروع الجامعات المغربية شرعت في تبني مشاريع الاندماج الموصولة إلى تكنولوجيا الإعلام والاتصال وذلك بإيقاع متباين السرعة وبخدمات متفاوتة المردودية والجودة.
وهكذا ظهرت للوجود بوابات الكترونية لمؤسسات جامعية تقدم خدماتها عبر إحداث شبابيك الخدمة الذاتية لصالح الطلبة واطلاع المهتمين على أنشطة المختبرات البحثية، فضلا عن إطلاق مبادرات شخصية لبعض الأساتذة سيما فيما يرتبط بتسجيل وبث المحاضرات بالاستعانة بوسائل معلوماتية وأشكال تكوين تفاعلي.
غير أن المثير في هذه الأوراش والمبادرات هو في فردانيتها ومحدوديتها وقصورها عن الاندماج في سياق برامج مؤسسية شاملة تضمن تغطية الحاجيات الضرورية من الموارد المالية والهياكل التنظيمية والعتادات التقنية والطواقم البشرية ذات الكفاءات الدقيقة في مجال المعلوميات.
وبناء عليه، ولو أنه لسنا ممن يبخس الناس مجهوداتهم. يمكن القول بدون تردد إن هذه الأنشطة والمبادرات تبقى اجتهادات معزولة وشخصية، نفتقر إلى مقومات الاستمرارية والتراكمية والرؤية المستقبلية.
ولا بأس من الإشارة إلى أن هاجسنا في هذا المقام هو إثارة اهتمام المختصين ولفت عناية الخبراء إلى هذا المنحى التكنولوجي اعتبارا لآثاره الإيجابية التي يمكن أن يحققها في قطاع التعليم العالي. حيث يتم بموجبه تخطي عقبات جمة ناجمة عن أعطاب واختلالات مركبة بتوفيره حلولا وبدائل ترتكز على استخدام وسائل اتصال عصرية كالحواسيب والمكتبات الالكترونية وبوابات الإنترنيت، مما ينمي بطبيعة الحال شبكة التكوين لتمتد خارج جدران المدرجات الجامعية، وتسهل بالتالي التواصل بين الطلبة والأساتذة على خلفية تكوين تفاعلي من المفروض أن يضع حدا للاكتظاظ الذي يخلفه الحضور الجسدي للطلبة.
وموازاة مع هذه التجليات المتمظهرة في التواصل عن بعد يمكن التذكير أيضا بالمخرجات المتأتية من المكتبات الافتراضية، التي تتيح للباحثين الجامعيين الوصول إلى المعطيات والمعلومات في مدة قياسية مقارنة مع ما تمنحه المكتبات التقليدية، بالاستناد على أدوات وأساليب تعليمية الكترونية وسمعية بصرية تشكل رافعة للطلبة في بناء هوياتهم العلمية ومهاراتهم وتفاعلهم المشترك والجماعي.
ومن المؤكد أن هذه الانطباعات الفكرية التي أوحت لنا بها ظروف الحجر الصحي الملقية بظلالها على جميع مناحي الحياة بما فيها الحياة الجامعية، تسوقنا إلى استحضار معطى لا محيد عنه وهو أن الرهان على جيل جديد من الطلبة والباحثين المسلحين بالخيال العلمي ولديهم من الكفايات والذكاء الادراكي ما يكفي في حقل التكنولوجيات العصرية، وقادرين على التفاعل مع التقنيات المستجدة والتكيف مع التحولات المتسارعة التي تطرأ بهذا المجال، من شأنه أن يقوي العلاقات التبادلية والانسجامية بين وحدات البحث والتكوين والشعب الدراسية والتكامل بينها سواء داخل أسوار الجامعة الواحدة أو بين الجامعات والمعاهد البحثية الوطنية والدولية. الأمر الذي يتأتى معه لا محالة تجويد الدراسات والبحوث العلمية، عبر حكامة تتمئسس على الالتقائية وتجنب هدر الجهد والوقت وترشيد النفقات، انطلاقا من تفادي تكرار مواضيع البحوث، وإتاحة فرصة الاطلاع على مستجدات الأطروحات والمقالات العلمية بفضل المكتبات والمجلات الالكترونية.
وعلى سبيل الختم، فإن الانتعاش التي سجلتها جل المؤسسات الجامعية عبر ربوع المغرب في سياق مواجهة تداعيات تفشي جائحة كورونا، وما أحدثته هذه المؤسسات من منصات معلوماتية ومواقع الكترونية لتمكين الطلبة من ملازمة بيوتهم ومتابعة الدراسة عن بعد، لا ينبغي ان تكون ظرفية وطارئة ومناسباتية.
فمشروع ادماج التكنولوجيا في نسق التعليم العالي يعتبر أولوية إستراتيجية وفرصة لا مناص منها لمسايرة التطور التقني المتسارع في حقل الوسائط البيداغوجية والتدفق التكنولوجي والتحصيل العلمي الرقمي، في أفق رفع تحدي تأهيل المؤسسات الجامعية الوطنية إلى مصاف الجامعات الذكية في القادم من السنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى