العالم الإفتراضي ومقص الرقيب

عزالدين الزريويل

فتح العالم الإفتراضي أفاق رحبة في مجال ممارسة الحريات وكرس بشكل فاجىء الجميع ثقافة حقوقية لم تكن المدارس والجامعات يإيقاعها الحالي وطبيعة المناهج المعتمدة أن تمررها ولو إستمرت في وظيفتها عشرات السنين …بشكل يؤكد أن مسألة الثقافة لا علاقة لها بالمدارس والجامعات، بقدر ما ترتبط بالمجتمع الذي ينتمي إليه الإنسان وما يستدمجه منذ ولاداته من قيم وأفكار ووسائل متتاحة بالإضافة إلى الوسط الطبيعي وإمكانياته .

أضحى العالم الإفتراضي بمواقعه وصفحاته وقنواته ذلك المشترك الذي يجمع فئات كثيرة من المجتمع المغربي المتباينة من حيث وضعها الإجتماعي وأفكارها وإيديولوجياتها…وصار مكاناً لتبادل الأراء ومناقشة الأحداث والقرارات بلغة بسيطة تعتمد بنية مشتركة ومصطلحات دقيقة تسمح بإنتقال الأفكار بشكل سريع .هذا الفضاء الذي فاق في تعاطيه مع القضايا الراهنة مؤسسات رسمية كالمدرسة والجامعة والإعلام …..

إن تضخم العالم الإفتراضي وتشابكه مع العالم الواقعي،وتجاوزه لحدوده إلى مستويات أصبح معه بقوة ضغطه شريكاً في إتخاذ القرارات وبناء ردود الفعل لبعض المؤسسات ،بل أكثر من ذلك أضحى يهدد المصالح الإقتصادية للطبقية البرجوازية ويحاول الثأتير على العادات الإستهلاكية للمجتمع المغربي التي كرستها ثقافة الإشهار في الإعلام المغربي، أقلق عدة جهات.

والأدهى من ذلك فالأمر لم يعد مرتبط بتهديد أساليب وأنماط التفكير والإستهلاك التي كرستها الإمبريالية الفرنسية وتحاول البرجوازية المغربية المرتبطة بها ضمان إستمرارها بل أضحى معه العالم الإفتراضي يهدد مصالحها الإقتصادية مبلوراً نموذجاً جديداً يقوم على إتخاذ المبادرات وتبني أساليب تفكير وإستهلاك جديدة .فلا عجب أن تحاول هذه اللوبيات نفسها إستغلال هذه المرحلة العصيبة للتحايل على الدستور المغربي ووضع قوانين أقل ما يمكن القول عنها أنها تحاول تكريس هيمنة نبلاء روما وخنق المتنفس الوحيد الذي يعبر من خلاله المغاربة عن آراءهم ويتابعون شأنهم العام.

ومن هنا فإن المستهدف الأول هم صناع المحتوى الجاد الذين شكلوا منذ ظهورهم تلك الحصاة المزعجة بحذاء البورجوازية الإحتكارية التي كانت تعتقد أن نشاطهم لا تأثير له على الجمهور بحكم بنية المجتمع المغربي التقليدية وإنتشار الأمية التكنولوجية،وحاولت الدولة محاربتهم بتشجيع محتوى التفاهة الذي تنسالت نماذجه بكثرة …لكن جاءت قضية المقاطعة التي انطلقت من الفضاء الإفتراضي وأحرجت الدولة والشركات المستهدفة لتثبت عكس توقعاتهم …

فلاغرو أن تحاول هذه اللوبيات ان تحافظ على مصالحها بالضغط في إتجاه إعداد ترسانة قانونية إستباقية لضرب جيوب المقاومة المتبقية في مواقع التواصل الإجتماعي التي شكلت منذ ظهورها أليات لخدمة الرأسمالية بإستغلالها في توجيه الرأي العام وتحقيق مجتمعات إستهلاكية منقاذة للنموذج الاستهلاكي الأمريكي، إلا أن السحر إنقلب على الساحر وأضحت هذه الآليات تهدد مصالح البرجوازية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى