لقانونية وشرعية تقنية المحاكمة عن بعد في حالة الطوارئ.. هذا ما على الحكومة أن تسارع به

بقلم الدكتور الأستاذ رشيد وهابي
المحامي بهيئة الجديدة
maitre4ouahabi@gmail.com

بدأت وزارة العدل والسلطات القضائية في اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد في فترة الطوارئ الصحية التي تعرفها بلادنا بداية من يوم 27/04/2020 ، وهو إجراء مهم وضروري يروم الحفاظ على حياة المعتقلين وأطراف المحاكمة والهيئة الحاكمة والنيابة العامة والدفاع في ظل جائحة فيروس كوفي 19 التي تتربص بكل شخص وتنتظر الفرصة المواتية للانقضاض عليه والسكن برأتيه وجسده ، ومزياها لا يمكن أن ينكرها أي أحد في ظل الظروف التي تعيشها بلادنا ، وتينيها لا يتعارض بتاتا مع القوانين الدولية ولا مع دستور المملكة ولا مع قوانين المسطرة الجنائية كما صرحنا في حوار مفصل في موقع هبة بريس يوم 29/042020 ، ولكن حتى يكون لهذا الإجراء شرعية قانونية لا يمكن لأي شخص أن ينازع فيها في الغد ، يجب على الحكومة المغربية أن تصدر إما مرسوما أو مقررا إداريا أو تنظيميا أو أن تصدر مجرد منشور أو بلاغ تقرر فيه اعتماد المحاكمة عن بعد طبقا للمادة 3 من مرسوم قانون 292 والذي يعطي لها وحدها الحق في إصدارها واعتمادها لبدأ العمل بها حتى لو كانت مخالفة للقوانين الجاري بها العمل ، والظاهر أن السيد وزير العدل قرر البدآ في العمل بالمحاكمة عن بعد فقط بعد تشاور مع مسؤولي السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وإدارة السجون ، وإذا كانت هذه الجهات يمكن أن تبدي رأيها في المحاكمة عن بعد بحكم تجربتها وقربها ودرايتها بمشاكل المحاكمة التقليدية في الوقت الراهن ، فإن الجهة التي يخولها قانون الطوارئ إصدار مراسيم ومقررات إدارية أو تنظيمية أو مناشير أو بلاغات هي الحكومة ولا أحد غيرها ، والسيد وزير العدل كان يمكنه أن يقترح مرسوما أو مقررا إداريا أو تنظيميا أو مجرد بلاغ أو منشور يتعلق باعتماد المحاكمة عن بعد ويعرضه بسرعة على الحكومة ، وهذه الأخيرة تصدر الحلة التي سيخرج بها تطبيق المحاكمة عن بعد بالطريقة الأسرع حتى ولو بمجرد بلاغ أو منشور ، أما اعتماد هذه التقنية دون صدور أي مقرر حكومي يزكيها ويدعو إلى اعتمادها ، ستجعل هذه المحاكمات تحت مرمى سهام الرافضين لها والمنتقدين لها ومحل طعون من طرف من حوكموا باعتمادها ، أما المحاكمة عن بعد ما إذا اعتمدتها الحكومة بصيغتها المستندة على المادة 3 من مرسوم قانون الطوارئ رقم 292 ، ستعطي مزيدا من الغطاء القانوني الذي لا يمكن أن يشكك فيه أي أحد ، لذلك فمن الأفضل أن تسارع الحكومة إلى حل هذا الإشكال بسرعة كبيرة لتعطي شرعية قانونية مستمدة من قانون الطوارئ للمحاكمة عن بعد ، فالظاهر أن المحاكمة عن بعد بدأت ببلاغ صادر بتاريخ 23/ 04 2020 عن السيد وزير العدل فقط بعد تشاوره مع الجهات التي ذكرناها ، يؤكد فيه أنه بداية من يوم 27/04/2020 ستبدأ المحاكم في اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد ، في حين أن هناك محاكم بدأت هذه المحاكمات يوم الخميس 23/04/2020 ، أي قبل أربعة أيام من اليوم الذي حدده السيد الوزير وهو ما قد يجعل المحاكمات التي رعتها وجرت أو ستجري بدون غطاء قانوني حكومي محل انتقاد كبير لغياب السند الذي يجب توليده من قانون الطوارئ ، ونحن مع المحاكمة عن بعد ولكن لكي يكون اعتمادها قافلا لا يترك أي خرم يمكن أن يسهل على الرافضين لهذه التقنية التسلل منه ، لانتقاد التجربة أو الطعن في شرعيتها ومشروعيتها القانونية ، فمن الأفضل أن يصدر الشكل القانوني المحدد لاعتمادها من طرف الحكومة وليس من طرف وزير العدل الذي لا يمنحه قانون الطوارئ أي امتياز أو تخصيص لاعتماد هذه التقنية بشكل فردي رغم أنه عضو في الحكومة .
وبطبيعة الحال المحاكمة عن بعد ستكون مؤقتة وستنتهي بانتهاء قانون الطوارئ المعلنة، وستحتاج الحكومة بعد انتهاء حالة الطوارئ تعديل قانون المسطرة الجنائية لاعتمادها بشكل صريح، وهو العمل الذي تمهد له الحكومة الطريق خلال هذه الأيام حسب ما بلغ إلى علمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى