جائحة كورونا و موقعها ضمن نظرية القوة القاهرة و الظروف الطارئة

سفيان الرزاقي

“في ظل انتشار جائحة كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم، نشهد نمطا مثيرا للجزع. فأشد أفراد المجتمع فقرا و ضعفا هم الأكثر تضررا، سواء من جراء هذه الجائحة أو من خلال الإستجابة لها. و يساورني القلق بصفة خاصة إزاء أطفال العالم”. (الأمين العام للأمم المتحدة: أنطونيو غوتيريش).
و على غرار باقي دول العالم المتضررة بسبب تفشي فيروس كورونا، و استحضارا للآثار التي خلفها، فبلادنا لم تسلم منها كذلك من النواحي السياسية و الإقتصادية و الصحية بل و الإجتماعية و النفسية كذلك.
و لكن يبدو أن آثار هذه الجائحة لن تقف عند هذا الحد، بل سيكون لها آثارا عديدة على كافة العلاقات القانونية و الإلتزامات العقدية، حيث جعل هذا الوباء من الوفاء بالإلتزامات التعاقدية مرهقة (صعبة) أو مستحيلة. و بذلك سيؤدي الأمر إلى نشوب نزاعات بين الأطراف المتعاقدة بسبب الآثار الذي خلفها الفيروس، بما في ذلك التأخير او صعوبة التسليم في الأجل المتفق عليه أو تعذر التسليم أساسا، و بالتالي عدم تنفيذ مجموعة من الإلتزامات التعاقدية.
و عليه؛ يمكن اعتبار جائحة كورونا بمثابة قوة قاهرة كما يمكن اعتبارها ظرفا طارئا. حيث جميع شروط كلا النظريتين متحققة تماما على أساس أن جائحة كورونا حادثا عاما غير متوقع و لا طاقة لأحد منا على دفعه أو منع حدوثه أو حتى منع آثاره و تداعياته.
و تأسيسا على ما ذكر، يمكننا و ببساطة التفرقة بين آثار الجائحة على العلاقات القانونية حيث استحالة تنفيذ الإلتزام نكون بصدد قوة قاهرة، و لو كان تنفيذ الإلتزام ممكنا لكنه سيؤدي إلى خسائر فادحة، إثر ذلك سنكون بصدد نظرية الظروف الطارئة.
و بناءا على القاعدة القانونية السائدة و التي نصت عليها الدول العربية “لا إلتزام بمستحيل”. و بالرجوع إلى الفصل 269 من ظهير الإلتزامات و العقود نجده ينص على أن:《القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية (الفيضانات و الجفاف، و العواصف و الحرائق و الجراد)…..إلخ و يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا》. و يستشف من خلال هذا الفصل و عند ربط مضامينه بالآثار التي خلفها “كوفيد-19” يتضح جليا إرهاق المدين، و الأكثر من ذلك يجعل من هذا الأخير في وضعية يستحيل معها تنفيذ التزامه العقدي، و نتيجة تحقق شروط القوة القاهرة تلقائيا تؤدي إلى انفساخ العقد من تلقاء نفسه، و بتوافر هذه الشروط تكون سببا لإعفاء المدين من المسؤولية و هي كالتالي: عدم إمكان توقع انتشار هذا الوباء و استحالة دفعه عند تحققه، ثم عدم صدور خطأ من جانب المدين يكون سببا في عدم تنفيذ الإلتزام التعاقدي، و إثبات المطل في حقه؛ فيصير بذلك مسؤولا عن القوة القاهرة و الحادث الفجائي طبقا للفصل 266 من ظهير الإلتزامات و العقود.
كما يمكن اعتبار فيروس كورونا المستجد ظرفا طارئا، و ذلك بالوقوف على مجموعة من الإشارات الدالة على ذلك. فعدم إمكان النيل من القوة الملزمة للعقد الذي نشأ صحيحا، فتنشأ معه قوته الملزمة التي تفرض تنفيذه طبقا لما ورد فيه، بحيث لا يمكن تعديله أو نقضه إلا بإرادة الطرفين معا أو للأسباب التي يقررها القانون. و استحضارا للحوادث الإستثنائية. كالأوبئة مثلا: يصبح تنفيذ الإلتزام العقدي شديد الصعوبة و ليس بمبرر لفسخ العقد أو التحلل من الإلتزامات الناشئة عنه و الواقع أن الإقرار بمبدأ القوة الملزمة للعقد بصفة مطلقة، مما يتنافى في كثير من الحالات مع اعتبارات العدالة التي ينبغي ان تسود العلاقات التعاقدية.
و تماشيا مع مبدأ القوة الملزمة للعقد فهو لا يطبق على كافة العقود بناءا على نسبيته، كما أن العقود الفورية التنفيذ هي المعنية به أساسا لكون عنصر الزمن لا يلعب دورا فيها، فيما غيرها من العقود الزمنية و المستمرة، أو الفورية المؤجلة التنفيذ، فإنها تتأثر بتغير الظروف لوجود فاصل زمني بين انعقاد العقد و تنفيذه، و واقع الحال و بتفشي فيروس كورونا المستجد من شأنه الزيادة في أعباء المدين و إرهاقه بإلحاق الخسارة الفادحة إذا ما نفذ إلتزاماته على النحو المتفق عليه في العقد بسبب الظروف الإستثنائية الطارئة لم يكن بمقدوره توقعها أثناء إبرام العقد، الشيء الذي تفرض معه مبادئ العدالة تعديل العقد و إعادة النظر فيه حفاظا على التوازن العقدي.
إن إعمال نظرية الظروف الطارئة وإن لم يتم تقنينها من طرف المشرع المغربي في ظهير الالتزامات والعقود خلافا لبعض التشريعات المقارنة يبقى واردا من خلال تطبيقاتها العملية من قبيل نظرة الميسرة كما هو مشار إليه في الفصل 128 من ظهير الالتزامات والعقود.
و يشترط لتطبيق أحكام نظرية الظروف الطارئة ضرورة توافر الشروط التالية:
● الشرط الأول: أن يكون العقد الذي تثار النظرية بشأنه متراخيا في التنفيذ، كون عنصر الزمن عنصرا جوهريا.
● الشرط الثاني: ألا يكون العقد احتماليا، لأن طبيعة عقده تكمن في جسامة الكسب و الخسارة و بذلك يكون الإرهاق في التنفيذ من خصوصيات هذه العقود.
● الشرط الثالث: أن يقع بعد إبرام العقد حوادث استثنائية نادرة الوقوع و غير مألوفة، فوباء كورونا يستجيب لهذه الخصائص باعتباره استثناء و غير مألوف، بعد أن عزل أغلب دول العالم و فرض عليها عزلا صحيا، مما أثر بذلك على مستوى التشغيل و الإنتاج على السواء، و به انعكس سلبا على تقاعدات الأفراد و الشركات، هذا ما ينذر بمنازعات عديدة تتصل بتنفيذ الإلتزامات المدنية و التجارية و الإدارية.
و في نفس السياق، بدأت الدول الإقتصادية الكبرى كأمريكا باستصدار ما يسمى بشهادات “القوة القاهرة” التي تقضي بإبراء الأطراف من مسؤولياتهم التعاقدية التي يصعب الوفاء بها، بسبب ظروف استثنائية تخرج عن نطاق سيطرتهم. كما طالبت مؤسسات و شركات عالمية بالبلد المذكور بشهادة “القوة القاهرة” من أجل التحلل من إلتزاماتها التعاقدية، و عدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عنه في التنفيذ أو عن استحالته.
و من جانب آخر، أصدر القضاء الفرنسي حكما يقضي بأن جائحة كورونا تعتبر قوة قاهرة.
و نظرا لأهمية الموضوع المتناول من طرفنا نطرح تساؤلا في غاية الأهمية نطمح أن يلقى تفاعلا و تتم الإجابة عنه بكل أمانة حتى يلامسها العيان على أرض الواقع.
و عليه، إلى أي حد يمكن أن تتبنى حكومات الوطن العربي حلولا و أفكارا مماثلة مع ما أقرته الدول الإقتصادية الكبرى المذكورة سالفا؟

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى