هل تهاون علماء الفيروسات في إيجاد لقاحات ضد كوفيد-19؟

ذ. رشيد وهابي
المحامي بهيئة الجديدة
maitre4ouahabi@gmail.com

الشأن الصحي الآن لم يعد شأنا خاصا يهتم ويتتبع أدق تفاصيله فقط الأطباء و الصيادلة والعلماء المكلفين والمهتمين بعلم الفيروسات وعلم الأدوية والأمراض في هذه الأيام السوداء من تاريخ البشرية ، بل أصبح شأنا عاما تهتم به كل طبقات المجتمع ، ووصل الأمر ببعض من لا علاقة لهم بهذه العلوم والمهن إلى تتبع تفاصيل الجديد فيه خصوصا في كل ما يتعلق منها بعلم الفيروسات واللقاحات ، وأصبح حديث رجل السياسة والاقتصاد والاجتماع وحتى رجل الثقافة والآداب ، بل أغرى البحث عن الحديث فيه وهو مكره حتى من لم تسمح له الظروف بحمل القلم ودخول المدرسة للتعلم ، باتوا جميعا يتتبعون كل جديده على مدار اليوم عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي التي تعتبر براكين نشطة تتدفق منها المعلومات العلمية والطبية المتعلقة بالفيروسات خلال هذه الأيام بشكل هائل بمختلف اللغات ومن مختلف المنصات وبترجمات تتيح وصول المعلومة إلى كل من هو متصل بملكوت الأنترنت على وجه البسيطة سواء كانت قنوات ، برامج وثائقية ، حوارات ، مقالات علمية وغيرها، وإذا كنا متفقين على أن بعض هذه الأخبار قد تكون ملفقة وموجهة وغير حقيقية وكاذبة ، فإن الكثير منها يكون صحيحا ولا يأتيها الباطل من بين الأيدي التي سطرت جملها و لا من خلف المنصات التي أطلقتها خصوصا إذا كانت من تطلقها و تبثها وسائل إعلامية تتميز بالمهنية والمصداقية أو منظمات دولية تكون تقاريرها شفافة ولا يمكن أن يساورنا الشك حول صدق أخبارها .
وإذا كنا متفقين على أن رجال السياسة والاقتصاد وباقي العلوم في مختلف دول العالم كانوا يعملون في مساحات تسلط عليها أضواء كثيرة ، ويتعرضون بسبب عملهم لتقريع متواصل ونقد قد يكون في بعض الأحيان بناء وفي أحايين أخرى هداما ، وكان لهذا التتبع والنقد دور مهم في الارتقاء بعملهم وتطويره وجعله أكثر فائدة للمواطنين ، جنى العالم من نقدهم ثمارا طازجة تزداد حلاوتها سنة بعد أخرى ، ، فإنه في ضفة أخرى براقة من بعيد ومجهولة الأعماق نجد أن العلماء ممن يرتبط عملهم بعلم الفيروسات ويعملون في المختبرات التي تتعاون مع منظمة الصحة العالمية أو الذين يعملون لحساب دولهم أو لحساب شركات أدوية عالمية كانوا دائما يعملون في الظل ولا تسلط عليهم الأضواء إلا أدا تم اكتشاف لقاح جديد أو تم اكتشاف فيروس جديد ، و بسبب بعدهم عن كاميرات الإعلام المهووسة بتتبع رجال السياسة وبعض الظواهر الاجتماعية التي يتتبعها المجتمع ويستمتع بالتعرف على جديدها ، كانت أعمالهم لا تنتقد و لا يتم يتتبعها وأبحاثهم لا يعرف عنها أي واحد من عامة الشعب أو خاصته ولا يتتبعها إلا خاصة خاصتهم ، و كانوا لا يحاسبون على الوقت الذي استغرقوه في إيجاد لقاحات للأمراض التي كانوا مكلفين بإيجاد لقاحات لها والأدوية التي يمكنها أن تعالج بعض الأمراض المعدية التي تتسبب فيها فيروسات متنوعة، وأصابت الإنسان من قبل وتم التعرف عليها وعزلها والاحتفاظ بعينات منها في المختبرات ، لكن الآن تغير الأمر ودقت ساعة الحزم وساعة المحاسبة بعد أن أصبحت حياة البشرية التي كان علماء الفيروسات مؤتمنين على حمايتها وصونها من تهديدات الفيروسات التي قد تفتك بها ، وأصبحوا لزاما علينا إما أن نصوب لهم سهام المحاسبة والانتقاد إذا فشلوا أو تهاونوا أو نطوق أعناقهم بنياشين الإطراء والثناء إذا هم نجحوا فيما هم منشغلون به ، فهل نجح علماء الفيروسات في المهمة التي كلفوا بها طيلة عقود أم فشلوا في ذلك ، أم كانوا بين المنزليتين وتهاونوا في الكد لتجنيب البشرية ويلات هذه اللحظات المحيرة التي يعيشون أحداثها مع البشرية ، وهل كانوا يؤخرون عمل اليوم إلى الغد كما يقال حتى فوجؤوا بهذه الحرب المفاجئة والغير المنتظرة التي شنها عليهم الفيروس المسمى كوفيد 19 و هو الفيروس الذي كانوا يعرفون الكثير من تفاصيل وخطر وأعراض فيروس يكاد يكون توأما له ظهر قبل عدة سنوات ، وما يؤكد صحة ما نطرحه هو أن كل الأخبار المسربة حاليا للجميع و ومنها الأبحاث والتحليلات الجينومية ، تؤكد أن فيروس كوفيد 19 يقترب في مكوناته وبياناته الجينومية بشكل كبير جدا من الفيروس التاجي تقريبا المسمىSars-CoV-2 ، وفي مقالنا المختصر هذا لن نتكلم عن الفيروسات والتي تعد بالملايين ولم يتم اكتشاف سوى 5000 فيروس منها حسب موقع وكيبيديا ، بل سأتحدث عن فيروس السارس Sars-CoV-2 أو متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد كما يسمى أيضا والذي اكتشف لأول مرة في الصين سنة 2002 و يتميز حسب الأبحاث التي أجريت عليه و المرضى الدين أصيبوا به بالإنتشار السريع لعدواه ، كما هو الحال بالنسبة لكوفيد 19 وأصاب البعض وتوفي بسببه من توفي ، و فيروس كوفيد 19 وفيروس Sars-CoV-2 لهما نفس الأعراض التي تظهر على المصابين به من ضيق في التنفس وارتفاع لدرجة الحرارة وسعال جاف ، وتنتقل العدوى فيهما بنفس الطريقة ، عن طريق الرذاذ المتطاير من الفم بعد السعال أو العطس ، وينتشران من خلال لمس مقابض الأبواب وأزرار الكهرباء أو المصعد وغيرها . ويتطلبان نفس الإجراءات للوقاية منهما كغسل اليدين بالصابون وارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي …، ورغم أن فيروس سارس Sars-CoV-2 يعتبر أخطر لأن وفياته مرتفعة حسب الخبراء ، ورغم أنه ظهر منذ مدة تزيد عن ثمانية عشرة سنة فإنه لحد الآن لم يتم اعتماد أي لقاح أو دواء رسمي لمواجهته من طرف منظمة الصحة العالمية ، فهنا من حقنا أن نطرح السؤال حول سبب الـتأخر في إيجاد علاج أو لقاح لمرض معدي وخطير جدا مشابه لمرض كوفيد 19 ظهر قبل حوالي عقدين من الزمن ، وهل الأموال التي تصرف على منظمة الصحة العالمية والتي تقدر بالملايير والعلماء والمختبرات التي تهتم بالفيروسات والتي يكون همها الأول والوحيد تتبع الفيروسات والسعي لإيجاد أدوية ولقاحات للقضاء عليها وجعلها غير مهددة لحياة الإنسان لم تصل بعد إلى نتيجة مهمة طيلة 18 سنة ولم تصل إلى دواء أو لقاح لفيروس السارس Sars-CoV-2 ، فحاضر ما يقع للبشر مع فيروس مشابه لفيروس ظهر قبل 18 سنة يجعل من حقنا أن نعرف هل هناك تعاون في الأبحاث التي كانت تجريها الدول و المختبرات المتعاونة مع منظمة الصحة العالمية والمختبرات العالمية للوصول إلى دواء ولقاح لذلك المرض بدون تهاون وبكل مسؤولية وجدية أم كل كان يغني لدراساته المستقلة التي يريد منها أن تلد له ذهبا خالصا له لا يشاركه في ثروته إنسي آخر ولا جان ، أم أن ظاهر ما يجري يميط اللثام عن تقصير بادي في العمل و تلكأ في الاجتهاد بشكل متواصل دون توقف لإيجاد أدوية ولقاحات لفيروس سارس كوفيد 2 ، فمن المؤكد أنه لو نجحت تلك المختبرات التي كانت تعمل لإيجاد اللقاحات و الأدوية لفيروس سارس COVID 2 ، لكان الدواء فعالا في علاج من يعانون الآن من عدوى مرض كوفيد 19. لأن العدوى والأعراض والتأثيرات هي نفسها ولتم تلقيح الباقين ممن لم يصابوا بالعدوى بلقاحه . وكان لقاحه سيبعد عن الإنسان شر كوفيد 19 أو على الأقل سيخفف من أعراضه وآثاره و سيكون سريع الزيارة والمغادرة دون أن يقدر على أن يزهق روحا بشرية واحدة أو يوقف الحركة الاقتصادية لكل دول المعمور بهذا الشكل المريع .
لكن بكل أسف شديد عشنا حتى تابعنا بعد أن ضعفت حيلة العلماء والأطباء في إنقاد الأرواح البشرية والتخفيف من شدة المرض وقوة لكماته ، توسلهم و اعتمادهم على دواء يعالج مرض الملاريا ، وهو الدواء الذي ظهر من قبل يوهان “هانز” أندرساغ وزملاءه في زمن موغل في القدم وبالضبط سنة 1934 ، حين قاموا باختبار وتصنيع واختبار حوالي 12.000 مركب، ووصلوا في النهاية إلى صناعة الريسوشين ، كمادة فعالة لعلاج الملاريا ، و هو الدواء الذي تمت تسميته بالكلوروكين واعتماده رسميا سنة 1946 ( هذه معلومات مأخوذة من ويكيبيديا . تاريخ الملاريا ) وهذا الدواء الخاص بمرضى الملاريا الديب يلغ من العمر 86 سنة أصبح يتم الاعتماد عليه لعلاج مرضى كوفيد 19 في سنة 2021 ، وهو دواء اعتمدته مجموعة كبيرة من الدول ومن بينها المغرب في بروتوكولات علاج مرضى كوفيد 19 ، رغم أنه لم يسبق أن تمت تجربته من قبل بشكل رسمي متعارف عليه وفعال ومتواصل على هؤلاء المرضى ، ولكن الحاجة الملحة ولو بشكل مؤقت لإنقاذ أرواح تسرب إلى أجسادها المرض جعل المسؤولين يغامرون دون انتظار التجارب عليه ويبدؤوا في تقديمه في بروتوكولات علاجية يظهر أن نتائجها مشجعة على الأقل أمام غياب أي علاج آخر لمواجهة المرض ، و تدخلهم كان اضطراريا حتى لا تبقى الدول تتفرج على كوفيد 19 وهو يزهق أرواح مواطنيها ويصيب آخرين دون أن يتم علاجهم ، ويتم علاج المرضى حاليا بدواء الكلوروكين دون الإلتفات إلى آثاره علاج المستقبلية على المعالجين به لأن الوقت ليس وقت تفكير في المستقبل بل هو تفكير في إنقاذ نفوس بشرية حاليا أولا وقبل كل شيء . واعتماد علاج لمرض آخر ظهر قبل عدة سنوات ليعالج به مرضى كوفيد 19 يجعلنا نتسائل بكل أسى ونقول : هل أصبحنا عاجزين عن علاج من يعيشون في القرن الواحد والعشرين بعلاج مصنوع في نفس السنة أو العقد ، وأصبحنا نعود القهقرى إلى تاريخ موغل في القدم ، لنستعين بأدوية مصنعة منذ مدة تقارب التسعين سنة حضرت لعلاج مرض آخر لكي نعالج به المرض الحالي ، وهل كان علماء البيولوجيا والفيروسات القدماء الذين لم تكن تتوفر لهم وسائل تساعدهم على البحث ( كمبيوتر ، انترنت ، سرعة الحصول على المعلومة ) أكثر جدا واجتهادا من علماء اليوم ممن توفرت لهم كل سبل البحث والعلم الحديث المعزز بالذكاء الإصطناعي الذي يقرب لهم كل معلومة يريدونها و يمكنها أن تساعدهم في أبحاثهم ، وهي معلومات يمكن أن يحصلوا عليها في ثانية أو دقيقة وبمختلف اللغات . أسئلة كثيرة أصبحت تطرح بعد أزمة كوفيد 19 ، ففي هذا الوقت الذي عرفت فيه البشرية خلال عشرين سنة فقط ، قفزة علمية وتطورا اقتصاديا وعمرانيا وثقافيا هائلا لم تعرف مثله البشرية تطورا مثله طيلة عمر عيشها على الكرة الأرضية في مختلف مناحي الحياة ، أثبت الواقع الذي نعيشه في هذه اللحظات أن المختبرات المؤتمنة على صحة البشرية وعلاجها ولقاحها لا تسير بنفس السرعة التي تسير بها قطاعات أخرى في العالم. أسئلة حارقة قد يقول قائل بأن الوقت غير مناسب لطرحها ، ونقول له بل هو الوقت المناسب الذي يجب أن نتكلم فيها ، ونطرح فيه مثل هذه التساؤلات ، و مثل هذه الاستفهامات قد تدفع المسؤولين والقيمين على تتبع عمل هذه المختبرات والوقوف على الخلل الذي يؤخرها عن مسايرة تقدم البشرية ، و الإعتناء بها ومراقبة حيوية عملها ونتاج ما تقدمه كل شهر وكل سنة . ودافع ما طرحناه هو ما نشاهده اليوم من عجز عن توفير لقاح لفيروس ظهر قبل 18 سنة وهو فيروس سارس كوفيد 2 من جهة ، وفي الوقت نفسه هناك من مازال يخرج علينا في وسائل الإعلام ليطمئن العالم بأن لقاح كوفيد 19 سيكون متاحا بين ثمانية أشهر وسنة ونصف ، فهل سنصدقهم ونحن نرى أن فيروسا مشابها ظهر قبل 18 سنة مازال العالم بكل مختبراته العلمية لم يجد له لقاحا أو دواء لحد الآن ، ونزيد لنظهر الصورة بشكل أوضح ونقول بأن فيروس الملاريا نفسه والذي ظهر منذ مئات السنين وكانت تجري التجارب عليه لإيجاد لقاح له أو دواء له ، و نجح علماء في الثلاثينات في إيجاد دواء مخفف لأعراضه ولم ينجحوا حتى هذه اللحظة في إيجاد لقاح يعتمد بشكل رسمي لعلاجه ، بل فقط تم اعتماد لقاح له بشكل غير رسمي في بداية سنة 2019 وما زالت التجارب تجرى عليه ، وإن أشارت التقارير إلى أنه سيكون فاعلا ولكن لم يتم الوثوق بفعاليته بشكل رسمي ، وحتى لو صدقوا في وعدهم وأنتجوا اللقاح في المدة الموعودة ، فإنهم سيؤكدون ما قلناه وهو أنهم تهاونوا من قبل في إيجاد لقاح وعلاج لسارس COVID 2 ولباقي الفيروسات ، لأنهم لو عملوا بمسؤولية وجدية وبشكل متواصل لا ينقطع لإيجاد لقاح ودواء لفيروس السارس Sars-CoV-2 لقدموه لمرضى كوفيد 19 ولكانت فعاليته أكبر من دواء الملاريا الذي أصبح يعتمد تحت الإكراه لعلاج هؤلاء المرضى .
نحن لا نريد أن نكون متفائلين بما يقدم لنا من تقارير عن غد مشرق سينتصر فيه الإنسان على مرض كوفيد 19 ، ولا نريد أن نكون متشائمين مما سيحدث غدا ونطفئ مصباح الضوء الذي تشعله كل يوم تقارير الساسة والعلماء لطمأنة البشرية ، بل نريد أن نكون بين العدوتين متشائلين نأمل مع الآملين ، ونرمي الحجر على الأبحاث والدراسات الراكدة حتى يستفيق محركوها وينهضون بهممهم ويشتغلون حتى وقت السحر ليفرحوا العالم والبشر بطي ليل هذا الفيروس المعتدي الذي طال و يسارعون للمساعدة في انبلاج ضوء الفجر .
الفكرة الأخرى التي نريد أن نوصلها الى من يهتمون بأمر هذه المختبرات ، هي أن دول العالم عن طريق ساستها مدعوون إلى أن يتخذوا قرارات بتأميم المختبرات العلمية التي تهتم بإيجاد علاج ولقاحات للفيروسات التي تصيب الإنسان و يعملون على ضبط آليات مواكبة دقيقة لمراقبتها وتتبع نتائجها على مدار السنة ، ومكافئة المجدين من العاملين فيها ، ومنحهم محفزات مالية مساوية لما يقدموه من نتائج وتشجيع طلبة العلوم و البيولوجيا المتفوقين على الالتحاق بهذه المختبرات .
والعمل كذلك على أن تكون هناك جائزة عالمية سنوية توازي قيمتها المالية والمعنوية جائزة نوبل تقدم لكل من يتوصل إلى لقاح أو أدوية لعلاج فيروس من الفيروسات التي تهدد الجنس البشري.
وجعل قسم من علماء الذكاء الإصطناعي يركزون ويحولون مجال عملهم لعلم الفيروسات وسبل خلق تعاون بينهم وبين علمائه لمواجهة هذه الكائنات المعادية الخفية التي باتت تهدد حياة الإنسان على وجه الكرة الأرضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى