الأمن المجتمعي: تحدي المرحلة الثانية من حالة الطوارئ الصحية

بقلم / سعيد بعزيز

وسط قلق شديد جراء ارتفاع عدد الإصابات المعلن عنها بشكل يومي، بسبب ظهور بؤر عائلية وأخرى مهنية، وانتشار أشرطة توثق لتجمعات بشرية في سياق سلوكيات مفزعة في هوامش كبريات المدن، وضعف المنظومة الصحية، دخلت بلادنا المرحلة الثانية من فترة حالة الطوارئ الصحية ابتداء من الساعة السادسة مساء يومه الإثنين 20 أبريل 2020.

لا شك أن الهلع الذي خلفته عشرات الإصابات في الوحدات الصناعية، والإجراءات التي تتخذ من أجل القيام بالكشوفات المخبرية لكل المخالطين، وبأفواج كبيرة، والنصائح الرامية إلى تطبيق التباعد الاجتماعي حتى في البيوت، جعلت المواطنات والمواطنين، ينخرطون من جديد في البقاء بمنازلهم وعدم مغادرتها إلا للضرورة المحلة، اعتبارا لما تقتضيه ضرورة الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19 في بلادنا.

فعالية الإجراءات المتخذة منذ الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية في نسختها الأولى، وما عرفته البلاد من خطوات ومبادرات استباقية، ذات طابع وقائي وحمائي، جعلت الحكومة تتحدث اليوم عن كون الحالة الوبائية ببلادنا متحكما فيها ومستقرة، وأنها كانت وراء تجنب سقوطها فيما لا يحمد عقباه.

نعم، سجلت المرحلة الأولى، تفهم المواطنات والمواطنين لبساطة الإمكانيات التي تتوفر عليها البلاد وحكمة القرارات المتخذة لتفادي تفشي الجائحة، وانخراطهم فيها بكل مسؤولية في سياق تلاحم وطني، تمكنت بمقتضاه من ربح رهان إعادة الثقة في المؤسسات، وعودة مبادئ وقيم التضامن والتآزر إلى المجتمع المغربي، وتحقيق تحول غير مسبوق في التصنيع على المستوى الوطني، حيث الإنتاج الوطني بإمكانه أن يحقق الاكتفاء الذاتي، والتوجه نحو التصدير إلى الدول الإفريقية، باعتبارها واجهة محورية في السياسة الخارجية، على مستوى إنتاج الكمامات والأقنعة الواقية وأجهزة التنفس الصناعية.

وفي ظل سياق القرارات الجريئة والحكيمة، التي تعتبر مكسبا للبلاد، نجد كذلك، الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد ـ19″، المحدث بمبادرة ملكية سامية، والتي توجد من بين أهدافه، محاور ذات حمولة اجتماعية محضة، من قبيل تأهيل المنظومة الصحية، ودعم الاقتصاد الوطني والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية للجائحة.

فكل القضايا الاجتماعية تحظى بالأولوية، إلا أنه بعد وضع الملف الصحي في مقدمة هذه الأولويات، لارتباطه بالحق في الحياة وسلامة الشخص وأقربائه، يأتي في المرحلة المقبلة مباشرة، تحدي الحفاظ على فعالية الحجر الصحي، في اعتقادي، هذا هو تحدي المرحلة الثانية من حالة الطوارئ الصحية، بهدف الحفاظ على الأمن المجتمعي، الذي يهدده الفقر والهشاشة، بالقرى وهوامش المدن، حيث الحاجة إلى الحصول على لقمة العيش من أجل ضمان الحق في العيش الكريم وبالتالي الحق في الحياة.

إنه سؤال، من أين نأكل في زمن الحجر الصحي؟ تلك الوجبات العادية والبسيطة جدا، الضامنة لبقاء الروح في الجسد، لمرور إلى مرحلة ما بعد فيروس كورونا ـ كوفيد 19.

فالتدخلات المتواضعة للدولة، الهادفة إلى الحد من التأثيرات والتداعيات السلبية للفيروس عن المنظومة الاجتماعية، تبقى قاصرة ومحدودة، حيث العديد من الأسر الفقيرة والهشة، أعلنت عن عدم استفادتها من هذه المبادرة، رغم عوزها، لكونها لا تتوفر على نظام التغطية الصحية ولا تشتغل في القطاع المهيكل أو غير المهيكل، ولا ترغب في تقديم تصريحات مغلوطة من أجل الحصول على الدعم. فعدم الاهتمام بهذه الفئة، يشكل تهديدا مباشرا للأمن والتماسك الاجتماعيين، وتحديا في توفير مقومات الحق في العيش الكريم من أجل تفادي الوقوع في انتكاسة أكثر خطورة، مما توجد عليه حاليا الوضعية الوبائية ببلادنا.

إنها تكلفة اجتماعية حقيقية، لها آثار سلبية، أبرزها التخوف من الانفجار والمساهمة في الانتشار الواسع لجائحة فيروس كورونا، التي ينبغي أن يكون الحد منها محط تلاحم متجدد، عبر انخراط جماعي، مهما كانت الإكراهات، بهدف الاستمرار بنفس القوة وبنفس العزيمة، في الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل.

إنه تحد اجتماعي محض، وتجاوزه لن يتم إلا بتوفير مقومات العيش الكريم، لكل الفئات الفقيرة والمعوزة التي تخضع للحجر الصحي، وتكثيف المبادرات المؤسساتية الداعمة للتخفيف من حدة معاناتهم من جهة. وبالمقابل ومن أجل تفادي تمديد ثالث ورابع …، على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في التنزيل السليم للأوامر والقرارات الصادرة عنها في إطار حالة الطوارئ الصحية، خاصة الشق المتعلق بالجانب الزجري، باعتبار القانون أداة للضبط الاجتماعي، وذلك بتفعيله تجاه كل من يخالف أوامرها وقراراتها بمناسبة حالة الطوارئ الصحية، سيما تجمعات الهوامش والأوساط الشعبية بمختلف المدن، والتهريب السري للأشخاص بين المدن، وكبح جشع كل المضاربين والمحتكرين، الهادفين إلى الاغتناء غير المشروع من مالية الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد ـ19″، ومتابعتهم من أجل النصب أو محاولته، وإلزام أرباب الوحدات المهنية بتوفير شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، تحت طائلة اللجوء إلى الإغلاق الفوري لوحداتهم، ووقف مختلف أشكال المساعدات السياسية المقدمة من ذوي النوايا السيئة واستغلالهم البشع للفقر والهشاشة، وكل أنواع الإتجار في المآسي، والحرص على إنفاق اعتمادات الحساب المرصد لأمور خصوصية الحامل لاسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19″، فيما أحدث من أجله، في احترام تام لمبدأي الحكامة والشفافية.

إنها ببساطة مسؤولية الحكومة في تنفيذ القوانين، فبإمكان تطبيقها الحقيقي، يوقف التمديد مجددا، ويعجل بخروج بلادنا من هذه الظرفية الحرجة، بأقل الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.

فلننساهم جميعا في التعجيل بوصول بلادنا إلى بر الأمان، ولنبق في منازلنا.

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. طالبنا من هذا المنبر الدخول في المرحلة الثالثة لكي لا نضيع الوقت بالمراحل وتنسيق الوباء ولا كن كالعادة مراحل وتجمعات واسواق.

  2. طالبنا من هذا المنبر الدخول في المرحلة الثالثة لكي لا نضيع الوقت بالمراحل وتنسيق الوباء ولا كن كالعادة مراحل وتجمعات واسواق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى