مرسوم تمديد حالة الطوارئ الصحية

بقليم سعيد بعزيز – برلماني

صادقت الحكومة خلال المجلس الحكومي المنعقد يوم أمس السبت 18 أبريل 2020 عن طريق تقنية التواصل عن بعد، على مشروع مرسوم رقم 2.20.330 بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، والذي من المنتظر أن يتم نشره في الجريدة الرسمية يوم غد الإثنين 20 أبريل 2020 ليبدأ العمل به ابتداء من الساعة السادسة مساء من نفس اليوم.
فمن جهة أولى، نسجل نقطة إيجابية تضمنتها الفقرة الثالثة من ديباجة المرسوم الجديد، وتبعث على الأمل في أن تخرج بلادنا من هذه الظرفية الحرجة بأقل الخسائر، والتي يمكن اعتبارها تقييما جزئيا للفترة الأولى من حالة الطوارئ الصحية، مفادها أن التمديد يستند على ما تقتضيه ضرورة الحرص على الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19.
هذه الجملة الأخيرة، توحي بشكل مباشر إلى فعالية الإجراءات والتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية بمختلف أرجاء التراب الوطني من أجل مواجهة تفشي هذه الجائحة، وبالتالي يتعين الحفاظ على فعاليتها، سيما أنها حصيلة التجاوب الإيجابي للمواطنات والمواطنين، ودون تردد مع كل الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية في هذا المجال، مما جسد تلاحما قويا بين الدولة والشعب، في إطار كتلة وطنية موحدة، رغم ما يعانيه العديد من الأسر الفقيرة والهشة من عوز، تزايدت حدته وتداعياته خلال فترة الحجر الصحي.
ومن جهة ثانية، فإن المرسوم الجديد حاول تدارك السقوط في ما خلفه المرسوم الأول من نقاش حول تاريخ بداية سريان فترة حالة الطوارئ الصحية في مرحلتها الأولى، والتناقض الحاصل في الممارسة العملية لدى المؤسسات العمومية، إذ جاء في المادة الأولى منه أنه تمدد من يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم 20 ماي 2020 في الساعة السادسة مساء مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، المعلن عنها بالمرسوم رقم 2.20.293 بتاريخ 24 مارس 2020 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، بشكل يضمن استمرارية حالة الطوارئ الصحية.
ومعلوم أن هذا المرسوم الأخير، نص في المادة الأولى منه، على إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء، وذلك من أجل مواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، دون أن يحدد موعد بدايتها، مما يعني من حيث الزمان، أنه دخل حيز التنفيذ يوم 24 مارس 2020 تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، وهذا هو المبدأ المعمول به في المجال الزجري، فيما يخص تجريم الأفعال، إذ لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون، مما جعل النيابة العامة، تبدأ في متابعة المخالفين للأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، عن الأفعال المرتكبة من طرفهم، ابتداء من تاريخ النشر، وهو ما تعلنه في بلاغاتها الرسمية بشكل واضح، على أساس أنها تابعت المخالفين منذ دخول المرسوم بقانون حيز التنفيذ بتاريخ 24مارس 2020.
لكن بالرجوع إلى بلاغ مجلس الحكومة المنعقد يوم 22 مارس 2020، والذي صادقت خلاله على مشروع مرسوم رقم 2.20.293 أوضحت أنه يندرج في إطار التدابير الوقائية الاستعجالية التي تتخذها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر التراب الوطني ابتداء من يوم 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء، مما يعني أن المرسوم المصادق عليه يسري بأثر رجعي ابتداء من 20 مارس 2020، وهو ما لا يتنافى مع البند الرابع من الفصل 6 من الدستور، الذي ينص على أنه ليس للقانون أثر رجعي، اعتبارا لما تقتضيه المصلحة الصحية العامة للبلاد، من ملاءمة مع بلاغ وزارتي الداخلية والصحة الصادر بتاريخ 18 مارس 2020 بشأن إعلان حالة الطوارئ الصحية، والذي مفاده أنه حفاظا على صحة وسلامة المجتمع المغربي، وفي سياق التحلي بحس المسؤولية وروح التضامن الوطني، وبعد تسجيل بعض التطورات بشأن إصابة مواطنين غير وافدين من الخارج بفيروس “كورونا المستجد” تقرر إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس 2020 على الساعة السادسة مساء لأجل غير مسمى، والعبارة الأخيرة، أي “أجل غير مسمى” هي الوحيدة التي ألغاها المرسوم في إطار تدرج النظام القانوني.
وفي هذا يقول ذ. عبد الكبير طبيح، أن المبرر الذي دفع بمشرع مرسوم 2.20.293 الذي أعلن حالة الطوارئ الصحية بأن لا يذكر تاريخ بداية حالة الطوارئ الصحية في مواده لم يكن سهوا أو خطأ، بل إن الدافع وراء ذلك هو الوعي والعلم بكون السلطات المغربية سبق لها أن اتخذت تدابير تدخل في مجال تدابير حالة الطوارئ الصحية استبقتها كل الإجراءات التي ستعلن عنها الحكومة بواسطة المرسومين، على رأس تلك التدابير الاستباقية قرار إغلاق المجال الجوي منذ 10/03/2020.
لكن هذا لا يعني، في اعتقادي، أنه يمكن اعتبار يوم 10 مارس 2020 موعد التعليق الجزئي للرحلات من وإلى الخارج، أو يوم 15 مارس 2020 موعد التعليق الكلي للرحلات الجوية والبحرية، موعدا لانطلاق سريان فترة حالة الطوارئ الصحية، لكون الأمر يتعلق بقرارات سيادية لها ارتباط بحماية التراب الوطني تجاه العدوان والتهديد الوبائي لجائحة فيروس كورونا، دون أن تؤثر على الحركية داخله، كما أن الحكومة خلال تلك الفترة نفت عزمها إعلان حالة الطوارئ، ولم يكن وصفها ظاهرا أو معلنا هل صحية أم غير ذلك؟
كما أن حالة الطوارئ الصحية، ولأول مرة يعلن عنها وبهذه الصفة في بلاغ رسمي للحكومة بتاريخ 18 مارس 2020 على أن تبتدئ من يوم 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء، واعتبارا لإمكانية تطبيق رجعية القانون، لما تقتضيه المصلحة الصحية العامة للبلاد، فإن انطلاق حالة الطوارئ الصحية يوم 20 مارس 2020 يصبح مشروعا وفق ما تسمح به مقتضيات الفقرة الأولى من المادة الثالثة من مرسوم بقانون رقم 2.20.292 وتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الذي يرخص للحكومة اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض.
ختاما، ووفقا لما تقتضيه ضرورة الحرص على الحفاظ على فعالية الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، فلنتحمل مسؤوليتنا جميعا، ولنساهم في احترام الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بهذه المناسبة.
حماية الوطن مسؤوليتنا جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى