المجتمع المدني وحالات الطوارئ الصحية

بقلم : الحاج الكوري

يعتبر العمل الجماعي أو الجمعوي من احدى مميزات الحياة الاجتماعية في بلادنا فمنذ قديم الزمان، كانت الجماعة و لا زالت مؤسسة أصيلة ومهمة في تكوين وتطور المجتمع المغربي على مر العصور، فكل القضايا التي كانت تستعصي على الفرد أو على العائلة يتم رفعها إلى الجماعة لتجد لها حلا مرضيا ومناسبا في وقت قصير، سواء تعلقت تلك القضية بمسألة قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية أو شرعية و يرأس الجماعة شخص له مؤهلات خاصة بصفته رئيساً يساعده أعضاء تتوفر فيهم كذلك شروط الكفاءة والخبرة والأخلاق الحميدة و التواصل الإجتماعي،
إن الأصول أو المصادر الأولى للمجتمع المدني في بلادنا هي الجماعة التي تتكون من أشخاص يدفعهم حب الوطن والغيرة على الجماعة أو القبيلة أو الدوار إلى إيجاد حلول لكل المشاكل التي تواجه السكان أو تعكر صفو حياتهم أيا كانت طبيعة تلك المشاكل وبذلك يمكن القول أن العمل الجمعوي هو من الخصال الحميدة التي يتميز بها المجتمع المغربي، ففي ثقافتنا يد الله مع الجماعة لذلك نجد أن الجماعة حاضرة ومتأصلة في تكوين شخصية الإنسان المغربي ونفسيته كيف لا و هي التي تستقبله حين ولادته بحضور حفل العقيقة وبعد دلك حضور حفل الخثان ثم حضور حفل الخطوبة ثم حفل الزفاف أو العرس، تم إن الجماعة هي التي تودعه حينما يحل أجله ويرحل إلى دار البقاء.
و بعد تطور المجتمع المغربي تم تنظيم العمل الجمعوي بواسطة ظهير شريف صدر سنة 1958 تم بعد ذلك الإرتقاء بالعمل الجمعوي وإعطاءه مكانة دستورية في كل الدساتير المغربية وفي هذا الصدد ينص الفصل 12 من دستور 2011 على أن جمعيات المجتمع المدني و المنظمات غير الحكومية تؤسس و تمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور و القانون و لا يمكن حل هذه الجمعيات و المنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي، و هكذا نلاحظ ان المجتمع المدني يتوفر في المغرب على مرجعية تاريخية وحضارية ودستورية كما يتمتع بحماية قانونية الشيء الذي جعله يتواجد في العديد من المجالات والفضاءات الوطنية ابتداء من المدارس كجمعية آباء و أولياء التلاميذ إلى المجال الثقافي و السياحي و الرياضي و البيئي و التنموي و حقوق الإنسان و الطفولة و حماية المستهلك و المعاقين و المتقاعدين و العناية بالمساجد كما تتواجد الجمعيات كذلك في العديد من القطاعات الوزارية وبذلك أصبحت الجمعيات تتواجد في مختلف ربوع المملكة وفي هدا الصدد قال صاحب الجلالة في الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الأيام الدراسية حول التدبير الجمعوي بتاريخ 14 فبراير 2002 ما يلي: “ولا يسعنا إلا أن نبتهج بما أصبحت تشكله الجمعيات المغربية من ثروة وطنية هائلة ومن تنوع في مجالات عملها و ما تجسده من قوة اقتراحية فاعلة أصبحت بفضلها بمثابة الشريك الذي لا محيد عنه لتحقيق ما نبتغيه لبلادنا من تقدم وتحديث).
أجل إن مسار المجتمع المدني في بلادنا جد مشرف و لكن حين استحضار الظرفية الراهنة المطبوعة بسريان حالات الطوارئ الصحية نتساءل عن مستوى مساهمة المجتمع المدني في تنزيل و احترام إجراءات هذه الحالات لأن الملاحظ أن القطاعات الأمنية مشكورة بكل مكوناتها هي التي تظهر في الواجهة و تقوم بمهمة التحسيس والتنفيذ لقانون الطوارئ الصحية لكن رغم الجهود المكثفة التي تبذلها هذه القطاعات تم تسجيل ارتفاع في عدد حالات خرق الطوارئ الصحية وذلك رغم حملات التحسيس والتوعية التي تقوم بها وسائل الإعلام السمعية والبصرية والصحافة الوطنية الشيء الذي دفع السلطات العمومية إلى الاستعانة في بعض الأحيان بطائرات الدرون لرصد مخالفي قانون الطوارئ المذكورة.
أجل إن المجتمع المدني المغربي ساهم إلى جانب العديد من الأشخاص والمؤسسات الوطنية في دعم صندوق مكافحة وباء كوفيد 19 كما ساهم في مد يد المساعدة إلى الأسر المحتاجة وإيواء الأشخاص الذين لا مأوى لهم في بعض الفنادق في بعض المدن كما توفق في إقناع المواطنين في بعض المدن بعدم الخروج من منازلهم طيلة يوم الأحد.
يتبين لنا من خلال هذه الظروف العصيبة التي يمر منها المغرب كباقي دول العالم أنه يتعين تأهيل المجتمع المدني لتمكينه من المساهمة في تدبير الأزمات لأنه لا توجد الآن طوارئ صحية فقط وإنما توجد كذلك طوارئ اقتصادية واجتماعية تتمثل في اضطرار العديد من المقاولات إلى توقيف نشاطها وبالتالي فقدان العديد من الأسر لدخلها وهنا تظهر مساهمة المجتمع المدني في تخفيف الأزمة سواء بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة أو بالنسبة لأجراء القطاع الغير المنظم على وجه الخصوص بل إن مساهمة المجتمع المدني مطلوبة أكثر بالنسبة للأسر المعوزة في البادية وهنا لابد من الإشارة إلى أن البادية المغربية لم تعد كما كانت في السابق تعول فقط على الزراعة المعيشية أي من أجل العيش ولكن هناك استمارات فلاحية ضخمة في العديد من الجهات تعمل على تزويد الأسواق الوطنية والخارجية سواء تعلق الأمر بالخضر أو الفواكه وهنا يكمن دور الجمعيات في جمع التبرعات من كبار الفلاحين وتوزيعها على الأسر المحتاجة التي تواجه في بعض المناطق كذلك أثار الجفاف وصعوبة الاستفادة من برنامج التعلم عن بعد
إن تأهيل المجتمع المدني في بلادنا والرفع من مستوى مشاركته يتطلب في نظرنا على وجه الخصوص ما يلي:
-التفكير في إعادة مأسسة المجتمع المدني وذلك على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني
-دعم وتشجيع إحداث جمعيات في العالم القروي لأن الهشاشة في بعض المناطق هي التي تجبر بعض الشبان على الانقطاع عن الدراسة والهجرة إلى المدينة وبالتالي الاشتغال في القطاع غير المنظم
-التفكير في مأسسة العلاقة ما بين المجتمع المدني والجماعات الترابية قصد مساهمته في كل القضايا ذات الصِّلة باختصاصه
– إحداث مراكز أو معاهد لتكوين اطر المجتمع المدني في العديد من المجالات العلمية والإدارية والمالية والاجتماعية مثل الاقتصاد الاجتماعي وعلوم التواصل ، والتضامن الاجتماعي والرعاية الاجتماعية
-تمكين المجتمع المدني من عقد شراكات مع الجهات المعنية على المستوى الوطني ومع جمعيات أجنبية على المستوى الدولي وذلك حتى يصبح فعلا بمثابة الشريك الذي لا محيد عنه كما قال جلالة الملك لتحقيق التقدم المنشود في بلادنا.

الحاج الكوري / أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس
كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى