مقاولات خارج سياق التلاحم الوطني

بقلم / سعيد بعزيز

في سياق الترحيب الواسع لعموم المواطنات والمواطنين، وإعلانهم بكل مسؤولية وحس وطني عن مساهمتهم في إنجاح مختلف المبادرات التي تعلن عنها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، وإشادتهم بما تقوم به مختلف المؤسسات، وتأسيس ثقتهم فيها من جديد، في إطار تلاحم قوي بين الملك والشعب، صدر عن لجنة اليقظة الاقتصادية المكلفة بتتبع وتقييم وضعية الاقتصاد الوطني ودراسة التدابير التي يتعين اتخاذها بهدف التخفيف من حدة هذه الأزمة، بلاغ بخصوص اجتماعها الرابع المنعقد يوم الثلاثاء 14 أبريل 2020، ومما تضمنه بعد تحليلها المؤشرات الظرفية، أن سلوك مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني لم يكن متجانسا، هناك بعض الفروع حافظت على حيويتها مستفيدة من التدابير الاحترازية المتخذة من طرف السلطات العمومية، مؤكدة أن تجاوز هذه المرحلة يقتضي الاعتماد على الشراكة الوطيدة بين الدولة والمقاولات، وعلى هذه الأخيرة البرهنة على حس حقيقي وطني، مضيفة تأكيدها على فرض احترام قواعد الاستفادة من المساعدات لفائدة المقاولات التي تواجه صعوبات، وأنه سيتم ذلك بواسطة مرسوم جديد يوجد في المراحل الأخيرة من إعداداه، لتوضيح الشروط الجديدة لمنح المساعدات المذكورة.
ليست لجنة اليقظة وحدها التي وقفت على التحايل الممارس من طرف بعض المقاولات، ومطالبة المقاولات بالتعامل بحس ومسؤولية وطنية، بعد صرف أول دفعة لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم، المتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، بل الحكومة بدورها، خلال مجلسها الحكومي المنعقد يوم الخميس 09 أبريل 2020، صادقت على مشروع قانون رقم 25.20 بسن التدابير الاستثنائية المتعلقة بهذا الشق، ومما تضمنته المادة السادسة منه، أنه يتعين على المشغل أن يرجع إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كل تعويض أو مبلغ تم صرفه بناء على تصريح كاذب منه، داخل أجل 30 يوما من توصله بإشعار في الموضوع من الصندوق المذكور، تحت طائلة تطبيق العقوبات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل.
مرة أخرى، يطلع علينا وزير الشغل والإدماج المهني يوم الثلاثاء 14 أبريل 2020 في اجتماع مع لجنة التعليم والشؤون الثقافية بمجلس المستشارين أثناء تقديمه لمشروع القانون المذكور، وهو يتحدث عن أوجه دعم الاقتصاد الوطني والحفاظ على مناصب الشغل، من خلال صرف مبالغ جزافية لأجراء القطاع الخاص المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في شهر فبراير 2020، بمبلغ 2000 درهم شهريا، من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد ـ19″، ليكشف عن المعطيات الرقمية المتعلقة بشهر مارس الذي صرحت خلاله 131.955 مقاولة بدعوى تضررها من جائحة كورونا من أصل 216.000 مقاولة منخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أي نسبة 61% من إجمالي عدد المقاولات، في حين وصل عدد الأجراء المصرح بتوقفهم عن العمل 808.199 أجير من القطاع الخاص من أصل 2.600.000 أجير، أي بنسبة 31%، ويخلص إلى وجود تصريح العديد من المؤسسات التعليمية الخصوصية تدعي بدورها مواجهة الصعوبات المترتبة عن تداعيات انتشار جائحة فيروس كورنا ـ كوفيد 19، للاستفادة من التعويضات الممنوحة من هذا الصندوق لفائدة الأجراء المنقطعين مؤقتا عن العمل، رغم أن جلها استخلصت واجبات التمدرس من الآباء نهاية شهر مارس، والتي صرحت بأكثر 48.000 أجير.
فمن جهة أولى، المؤسسات التعليمية التي تصرح بتوقف الأطر التربوية والمقدر عددها أكثر 48.000 أجير، تعني بشكل مباشر، وبمنطق مقولة “تبع الكذاب حتى لباب الدار”، يجب محاسبتها، لأنها لم تنخرط في الجهود الوطنية المبذولة من أجل الحد من تداعيات انتشار الفيروس، بسبب عدم تقديمها الدروس لفائدة التلميذات والتلاميذ عن طريق عملية “التعليم عن بعد”، وهو ما يستدعي موقفا رسميا للوازرة الوصية على القطاع.
ومن جهة ثانية، فاستعمال الاحتيال لإيقاع الدولة في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة، ودفعها بذلك إلى أعمال تمس مصالح الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد ـ19″، ومصالح الفئات الفقيرة والهشة التي أحدث هذا الصندوق من أجلها، بقصد الحصول على منفعة مالية، والذي غالبا ما يتم عن طريق تغيير الحقيقة في محررات يدلى بها بسوء نية، وتسبب في إلحاق الضرر، يجعلها أمام ارتكاب جريمة النصب والاحتيال المعاقب عليها في القانون الجنائي، وليست فقط مطالبتها بإرجاع كل تعويض أو مبلغ تم صرفه بناء على تصريح كاذب منه، تحت طائلة تطبيق العقوبات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل.
لقد آن الآوان لوقف جشع كل المضاربين والمحتكرين، والهادفين إلى الاغتناء غير المشروع ضدا على الظرفية الحرجة التي تمر منها بلادنا، وكل الأشكال التي يتم بموجبها استغلال الأجراء باعتبارها طرفا ضعيفا في العلاقة الشغلية، فالربح لا يعني الإقطاع، أو الاستغلال البشع للمحيط خارج القواعد والمعايير المعمول بها وطنيا ودوليا.
فمثل هذه المقاولات هي التي يصعب أن تساهم في تشجيع وتيرة التنافسية الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية للشغيلة، لكونها لا تحترم أصلا مضامين مدونة الشغل، من قبيل الحد الأدنى للأجر والساعات الإضافية وأيام العطل، وشروط حفظ الصحة والسلامة …إلخ، في زمن نطمح فيه إلى أن تصبح كل المقاولات مواطنة، يحافظ عليها المشغل والدولة والأجير باعتبارها ملكا للمجتمع، وبالتالي يتعين دائما الاشتغال من أجل الخروج بها إلى بر الأمان، عبر تمكينها من الدعم.
فالمقاولات التي تتهافت اليوم، خارج المشروعية، على ذات الدعم الذي يخصصه الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد ـ19″، لفائدة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة، المحددة شروطها في المادة الثالثة من مشروع القانون السالف الذكر، هي مقاولات تهدف إلى أخذ أموال الفئة الهشة والفقيرة بدون موجب حق، وفي تناقض صارخ مع السياق الوطني، الذي يمتاز بتظافر الجهود في إطار كتلة وطنية موحدة بقيادة ملكية، للعمل بالإمكانيات المتواضعة التي تتوفر عليها بلادنا لمواجهة تفشي فيروس كورونا ـ كوفيد 19، هي مقاولات يغيب لديها الحس الوطني والارتباط به والولاء له، وبالتالي انحلال الالتزام الأخلاقي الناظم بين المواطنة والوطن.
فالمواطنة الحقة تستوجب التمتع بالحقوق وكل المصالح المشروعة والالتزام بالواجب، في سياق احترام تام للقانون، بكل حس ومسؤولية، إنه تلازم ممارسة الحقوق والنهوض بأداء الواجبات.
فالتحلي بحس المسؤولية وروح التضامن الوطني مسؤولية المواطن والمقاولة على حد سواء.
لنرتق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى