الطالبي العلمي: جائحة كروونا رفعت اللثام عن أكذوبة اسمها «التكافل العالمي»

رشيد الطالبي العلمي

حلت جائحة كورونا لترفع اللثام عن أكذوبة اسمها «التكافل العالمي». انزوت الدول وأعلنت حالة الطوارئ الصحية خوفا من اجتياح الوباء، فكان التعامل إما بالاستخفاف من سلطة الوباء الفتاكة أو بالجدية اللازمة لاحتواء انتشاره وتداعياته.

وإذا كان المغرب قد سارع إلى اتخاذ قرارات وتدابير حمائية خوفا على أرواح مواطنيه، فإن دولا كبرى أبانت عن مدى تفشي ظاهرة الشعبوية قبل التوجه إلى معالجة تفشي الوباء. ولن نقف هنا لتقديم إيضاحات حول من أحسن أو أساء تدبير المرحلة بقدر ما سنركز على تحديد ملامح جديدة لعالم يختلف تماما عن عالمنا الذي رسم لنا حدودا وقيودا ألزمتنا التحرك بداخلها دون تجاوزها.

جاءت الجائحة لتكسر كل تلك القيود والقناعات والقيم أكانت حقيقية أو وهمية، لترسم لنا خطوطا مغايرة وتدفعنا إلى التفكير العميق حول المصير الجديد للأنظمة الاجتماعية والاقتصادية اللتان ستتشكلان فيما بعد.

إن التجربة المغربية، مقارنة مع دول أخرى، تؤكد أن حضور الدولة القوي في مواجهة الجائحة – الأزمة، قد وضع حدا للشعبوية المفرطة والتي قد تكون صالحة في زمن الرخاء، كوسيلة لحصد الأصوات والارتقاء إلى ممارسة السلطة، لكنها أثبتت محدوديتها في زمن الازمة، بل فشلها وافتقارها إلى القدرة المرغوبة وقت الحاجة. ولولا تواجد الدولة بمختلف مؤسساتها لكانت النتائج كمثيلاتها في بعض الدول، وحصدت الجائحة أرواح الأبرياء الذين اصطفوا في زمن، بحسن النية، وراء خطابات هاجسها الوحيد يرتكز على قضم سلطاتها المركزية.

من الممكن أن أختزل زمن ما بعد الجائحة في إجراءات وتدابير منعزلة ومشتتة، لكنني اخترت، وعن وعي، طريقا شاقا قد يثير حفيظة من أشرت إليهم. لكن لا يمكن لي أن أتصور نموذجا متكاملا دون التطرق إلى «التضامن السياسي» قبل التضامن الاجتماعي أو الاقتصادي.
ويشكل التضامن السياسي المدخل الرئيسي لمواجهة كل القضايا التي تؤرق بال المجتمع المغربي. فإذا استخلصنا الدرس الذي قدمته لنا الجائحة، ولو كان مكلفا، عبر التعبئة الشاملة والجماعية لكل مكونات المجتمع المغربي وراء جلالة الملك، وكذا انخراطها بكل ثقة في القرارات المؤسساتية، والإجراءات والتدابير التنفيذية، فيتوجب علينا فورا التوقف عن التراشق الذي لا يفيد مغربنا ولا مستقبل بلادنا. وأن تكون لنا ما يكفي من الجرأة للتحرر من القيود التي ساهمنا في وضعها تحت غطاءات مختلفة تبدو في ظاهرها نبيلة وفي طياتها يسكن الشيطان. إنها دعوة لمراجعة الذات قبل مراجعة منظومتنا القيمية والدستورية والقانونية والتنظيمية. إن إقامة مؤسسات ديمقراطية بعقلية لم تقو على تغيير ذاتها، وبممارسات تجاوزها الزمن ولا تتوجه نحو المستقبل قد يضر بالديمقراطية نفسها. إن اللجوء إلى الانتخاب كآلية ديمقراطية لتحديد من سيتولى تدبير الشأن العام لا يعطي الحق للفائز باللجوء إلى ممارسة الاستبداد الانتخابي. لو حاول الفائز الأول بتعبئة الطاقات المجتمعية حول القضايا الكبرى التي تؤرق بال المجتمع على غرار ما فعلته الجائحة، ولو وظف الزمن الحكومي في حشد الدعم الاجتماعي في مقاربته للملفات الشائكة، بعيدا عن التصنيف والتفرقة، فلن نحتاج إلى «الجائحة» لكي نستخلص الدرس.

لقد أثبت التاريخ أنه خلال الأزمات الكبرى يتوقف التكافل العالمي، ويبقى التكافل الوطني السبيل الوحيد لمواجهة هذا النوع من الإشكالات. إن حكمة جلالة الملك، وقوة الدولة المغربية، والرأسمال المواطن، والمؤسسات الدستورية والعمومية، وشعب مسؤول قد اكسبتنا رؤية أعمق للتضامن والتكافل الاجتماعي.

ولما وضع جلالة الملك الأمن الغذائي في خانة تحديات المستقبل، كان الجواب مخطط «المغرب الأخضر» الذي وفر لنا في عز الأزمة كل ما نحتاجه من مواد غذائية عكس ما تعيشه دول أخرى، وهي بالمناسبة تطلب يد المساعدة من المغرب، قصد تزويد أسواقها. فإذا كان مخطط «المغرب الأخضر» يتعرض للقصف والتشويه، فإن تزويد السوق الوطنية بالمواد الفلاحية كلها لخير جواب على سداد الاختيارات وفعالية التنفيذ.

ولما سهر جلالة الملك على مواكبة النسيج الصناعي الوطني، فكان الجواب أيضا مخطط «التسريع الصناعي». ولم يكن هذا المخطط يحتاج إلى أزمة كي يثبت نجاحه، فقد قام بذلك خلال العقد الأخير برفع مساهمة التصنيع الوطني في الناتج الداخلي الخام. غير أن الازمة جاءت لتؤكد هي الأخرى نجاعة الاختيارات خصوصا لما يتعلق الأمر بتوفير «الكمامات الصحية» في رمشة عين.

ولن أستمر في سرد البرامج الاستراتيجية كالماء، والطاقات المتجددة، والسياحة، وغيرها؛ ثم الوقوف عند محاسنها وآثارها؛ بل أكتفي بهذين النموذجين فقط للتأكيد أن السياسات العمومية المندمجة وحدها قادرة على مقاومة كل التحولات، كانت طبيعية أو قيصرية. وأن الإجراءات المتناثرة والمتنافرة والمشتتة وبدون رؤيا استراتيجية، تموت لحظة يغيب السياق الذي ينتجها. وهنا أجد نفسي أتحدث عن مجموعة من الإجراءات ذات البعد الاجتماعي. فلا أحد ينكر أهميتها بالنسبة للمستفيدين من فقراء وأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم. ولا أحد ينكر المخصصات المالية التي وفرتها الدولة خلال العقدين الأخيرين. كلنا اليوم يتحدث عن التعليم وعن جودته وفائدته وإصلاحاته. وكلنا أيضا يتحدث عن الصحة وعن الخصاص في الأطر الطبية والتجهيزات والأدوية وعن ضرورة وضع حلول جدرية. وكلنا يتحدث عن البطالة والشغل والاندماج الاجتماعي وعن مدى قدرة الاقتصاد الوطني في خلق مناصب الشغل وامتصاص البطالة وتوفير دخل مستقر للعائلات وضمان كرامة المواطن.

في المقابل أبحث عن نموذج شمولي قادر على دمج كل هذه الإشكالات في تصور واحد، يحمل الإجابة واستدامة الفعل والإجراءات والتدابير.

فإذا كانت الركيزة المؤسسة لنظام اقتصادي هي خلق الثروة، فإن الركيزة المؤسسة لتوزيع هذه الثروة يجب أن تكون ببساطة «دولة الرعاية الاجتماعية الحديثة». فالتوزيع للثروة لا يعني الاستفادة من الامتيازات بقدر ما هو مشروع مجتمعي ينبني على عقد اجتماعي جديد، تحت لواء «دولة الرعاية الاجتماعية».

أثبت الوباء أن إشباع الحاجيات المادية للإنسان لوحدها غير كاف لحمايته من التقلبات كيفما كان نوعها. فبالإضافة للحاجيات المادية فهو يحتاج إلى الحماية الاجتماعية بكل أبعادها. وإلى حين وضع هذا التصور الشمولي، يلزمنا التفكير في إعادة تحريك العجلة الاقتصادية حتى نتمكن من إنقاذ مناصب الشغل والاستمرار في إنتاج الثروة. وهنا لا بد من التأكيد على عدم الوقوع في فخ التقشف الذي قد يعصف بالمقاولة ومناصب الشغل وإنتاج الثروة وبالرأس المال الوطني.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. تحليل دقيق و يحمل اجوبة لنوع الرهانات المقبلة لما بعد هذه الجائحة و الرافعات التي يجب التركيز عليها من تعليم و صحة و نمو اقتصادي و بحث علمي و تكنولوجي و الاستثمار في الطاقات الوطنية و العمل على الحد من هجرة المتخرجين الذين انفق عليهم البلد في التكوين و يستفيد منه الغرب . دون أن ننسى العدل و توزيع الثروات لتقليص الفوارق الاجتماعية، و القطع مع التهرب الضريبي و تهريب الأموال للخارج و …
    خلاصة: زرع الأمل لذى الشباب و العزة بالانتماء للوطن. فكما يقال “ما أظنك العيش لولا فسحة الأمل “

  2. انت ايها (العفريت) الفايق) اخر من يتكلم عن التكافل.بالله عليك واش نتا كتقدم شي سنتيم في اطار التكافل؟ كل فرك خرج من جيبك فليس لاجل التكافل ولكن لامور اخرى انت ونحن نعرفها والشعب كما عارف .اليس كذلك يا …..صاح؟ وا تكمش الحملة باقا بعيدة وكورونا هو لي عراف ليكم ايها الوجوه البالية. الوطن لا يستفيد منكم وانتم تخربونه لا شك. تبا لكل من خانم ولا سلام معكم ابدا….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى