كورونا يكشف بعض الحقائق

بقلم الغازي لكبير

سواء كان طبيعيا أو تم صنعه في المختبر، و سواء كان تسريبه في إطار خطة حربية بيولوجية بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الإتحاد الأروبي أو تسلل سهوا نيجة خطإ من طرف الباحثين في المختبر، فإن فيروس كورونا سيذكره التاريخ و سيتحدث عن تداعياته. سيشهد أنه جائحة حصدت، في جميع أنحاء العالم، أرواحا عديدة لم تحص كلها، و سيخبر الأجيال القادمة، و يُذكِّر من عاش الحجر الصحي، أنه غيَّر ملامح بنية العالم، و أنه ميَّز بين ما قبله و ما بعده.
سيكشف أن النظام العالمي السائد قبله كانت مظاهره اقتصادية تقول بالحرية و الحقوق و الكونية بينما أعماقه مالية سلطوية استغلالية بين أطراف غير متكافئة تهدف من ورائها الدول القوية بكل الوسائل المتاحة لها إلى تحقيق أهدافها المعلنة و غير المعلنة.
و أن العلاقات بين الدول و تحالفاتها كانت صورية في واقع الأمر، لأن من كان يُملي المواثيق و نصوص الاتفاقيات، هم فاعلون مؤثرون يوجدون خلف الستار يخططون و ينفذون على أرض الواقع عبرالشركات عابرات القارات. و أن التعاون الذي كان الجميع يقول به لم يعْدُ أن يكون سوى تداخل المصالح و وحدة المقاصد.
سيحفظ التاريخ أيضا أن الشعوب، في الشمال و في الجنوب و بدرجات متفاوتة، كانت مغلوبة على أمرها. في الظاهر تَختار و تَنتخب، تَنتقد و تَرفض، لكن واقع الأمور ليس كذلك. فما تظنه اختيار هو في جوهره أمر و ما تحسبه انتخاب هو إلزام و ما تعتقده نقد ما هو إلا شرط و ما تعتبره رفض ليس إلا تعليمات. نفَذَت السلطة إلى عمق المجتمع و صيرته آلة طائعة و وضعت له مقودا توجهه أنّا شاءت. و أن الأفراد في العالم لم يكونوا سواسية لا في الحقوق و لا في الواجبات داخل الدول التي كانوا يشتغلون لصالحها و أنهم لم يحظوا بالتقدير نفسه بين مختلف مكونات كل مجتمع.
سيستثني التاريخ الجنوب و يروي أن بلدانا اسْتُنزِفت من خيراتها الطبيعية و طاقاتها البشرية، و أن البحر الأبيض المتوسط كان قبرا جماعيا مفتوحا و أن الموؤوذين لم يُسألوا قط بأي ذنب هُلِكوا.
سينبئ كيف أنه ( الجنوب) بايعاز من قوى خارجية، اعتبر التعليم و الصحة قطاعين غير منتجين و قرر التخلي عنهما، و همش الجد و الاجتهاد و المثابرة في الفن و الإبداع و رعى و صان الهزل و اللهو و التخاذل. و بالغ في الاقتراض من الهيآت المانحة و البنوك الدولية و رهن بذلك مستقبل شعوبه عند هذه المؤسسات لأجيال و أجيال .
و سيشهد أنه في عز الأزمة التي تسببها الفيروس و الشلل الذي نتج عنها، نهض الأطباء و الطبيبات و الممرضات و الممرضون و نساء و رجال التعليم، أولئك الذين كانوا إلى عهد قريب يجوبون شوارع العواصم صارخين و منددين بالسياسات المتبعة و بالقرارات المتخذة و تم تعنيفهم و النيل من سمعتهم لا لشيء إلا لأنهم نبهوا إلى الخطر الذي يتهدد المجتمعات. نهضوا بكل عزم و حزم و انطلقوا، مع الأمن جنبا إلى جنب، في مقدمة الغيورين على الوطن وعيا منهم أنه في حاجة ماسة إليهم، فوضعوا أنفسهم رهن إشارته تلبية للنداء و استجابة للاستغاثة. و تكبدوا، من أجل ذلك المتاعب و المصاعب و تحملوا أكثر من طاقتهم. تخطوا حاجز البنية التحتية الهرئة، و تسلحوا بعزيمتهم و اعتمدوا على كفاياتهم و ممتلكاتهم و لم يلتمسوا مدحا و لا ثناء و لم يترددوا لحظة قياما لما اعتبروه واجبا. فإذا كان لكل زمان رجالاته ، فإن لهذه المرحلة بطلات و أبطال ستحتفظ لهم ذاكرة الشعوب بما أبلوا من البلاء الحسن.
ستمر الضائقة و يزول العسر، و سيصبح الحدث في سجل التاريخ كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا و تستمر الحياة بمن بقي على قيدها. لكن،
هل ستستوعب الدول الدرس الكوروني و تعيد ترتيب أولوياتها؟ أم أنها ستبقى وفية لأفكارها و خالصة لنهجها و تغير فقط جلدها و تستعيد عاداتها ؟
هل ستصحو شعوب الجنوب من غفلتها و تدرك حجم الخسائر التي تكبدتها، و الخداع الذي كانت ضحيتها و تكون في الموعد مع التاريخ؟
هل ستعود الحكومات إلى رشدها و تتعقل و تفهم، رغم النأخير الحاصل، أن أهمية الصحة و التعليم في المجتمع لا تقاس بأي مقياس و لا تقدر بأي ثمن ؟
هل تسطيع أن تستثمر هذه اللحظة و هذه اللحمة الإجتماعية في ما يلي من الأيام؟

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. نتمنا من الله ان تكون بادرة خير وان ناخذ العبرة لبناء المستشفيات و المدارس.ونترك الغناء و المهرجنات.

  2. مقال بصراحة يفسر الوجه المظلم للامبريالية والجشع المتوحش الذي راح ضحيته دول العالم النامي التي ضحت بالتعليم والصحة والشغل مقابل الحصول على معدل يخول لها الحصول على قروض البنك الدولي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى