سنن الله عز وجل في ظل أزمات اليوم

إن الناظر والمتمعن في الوقائع الجسيمة والأحداث العظيمة التي تحيط بالعالم اليوم عامة وبالأمة الإسلامية خاصة لا يستغربها ولا يفاجأ بوقوعها مسلم حينما يتصفح كتاب ربه وينطلق من توجيهاته في ضوء سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي أحدا على حساب أحد، ولا مجتمعا على حساب مجتمع آخر؛ ومرجع ذلك أن السنن الربانية في الحياة البشرية دقيقة كل الدقة، صارمة منتظمة أشد الانتظام، لا تحيد ولا تميل، ولا تحابي ولا تجامل، ولا تتأثر بالأماني وإنما بالأعمال، وهي في دقتها وانتظامها وجديتها كالسنن الكونية سواء بسواء. قال الله عز وجل((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا))
وهذه السنن والقوانين هي وفق إرادة الله ومشيئته النافذة، وأقصد بهذه السنن ((النظام الإلهي الذي يحكم سلوك البشر في انضباط واطراد))، وهي تدخل في كل نواحي الحياة، بحيث هي حاكمة في علم النبات والإنسان والحيوان والجماد والفلك والمعاملات والمطعومات والمشروبات وغيرها، وهذا يدل على قدرة الله اللامتناهية وحكمته البالغة إذ يقول جل في علاه: (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ )).
قال ابن الجوزي كما في “صيد الخاطر” : ظهرت حكمتُه البالغة في خلقه، خلقهم فأحكم خلقهم، وصوّرهم فأحسن صورهم، وأبدع الكون ورتّبه أكمل ترتيب، ونظّمه أجمل تنظيم، ومنح كلّ مخلوق شكله اللائق به فأبدع أيما إبداع وسن لهم قوانين ونواميس تنظم لهم شؤون حياتهم وذلك من أجل صلاح البشرية، وسيادة الحق وانتشار الخير” بتصرف.

وفي المقابل فإن الحياة الإنسانية تخضع وتجري بمقتضى هذه السنن التي أجراها الله في خلقه، وجعلها سبحانه وتعالى ثابتة لتنظيم الحياة البشرية؛ وإن معرفة هذه السنن تعتبر ضرورة شرعية التي لا غنى عنها، لأنها تُعَرِّفنا وتُبصرنا بكيفية السلوك الصحيح في هذه الحياة حتى لا نقع في أية جنَاية أو جَرِيرَة أو خَطِيئة، ولأنه من خرج عن مسلك هذه السنن الإلهية وهذه القوانين والنواميس التي أودعها الله تعالى في هذا الكون الشاسع وأخضعه لها بما فيه من مخلوقات؛ لتكون تلك السنن حاكمة لكل صغيرة وكبيرة، لا غرو أنه سيؤدي بنفسه إلى مهاوي العطب والضررـ، وأفضل مثال على ذلك ما يعرفه العالم الآن من الفواجع والأحداث المؤلمة من زلازل ونزاعات وحروب وأمراض وآخرها فيرس كورونا هذا المخلوق المتناهي في الصغر والذي أصبح بالنسبة للعالم وباء مثيرا للهلع والذعر، فكل هذه الحقائق دليل على أن العالم اليوم أصبح يتخبط خبط عشواء، بل يتأرجح في سيره لا يدري أي طريق يسلك، وما ذلك إلا لتخبط الناس في مناهجهم وأفكارهم وسوء فهمهم لهذه السنن الإلهية.

وختاما فإن أمتنا اليوم في أمس الحاجة إلى هذا الفكر الواعي الـذي يقـوم على التدبر في سنن االله تعالى وفقه التعامل معها، فـإن كثيـرا مـن أمراض أمتنا نشأت وشبّت في ظل غياب الفهم الدقيق والوعي العميق لمضامين القرآن الكريم، والغيبوبة التي طالت عـن مـراد االله تعـالى ونحـن بتقصيرنا في هذا الجانب -جانب السنن الربانية وفقهها- نشارك ونساهم فـي رسم صورة قاتمة وسيئة عن الإسلام عند الآخرين من أهل الملل والنحل، فإنهم يربطون بين تخلفنـا العلمي والحضاري والثقافي والمعيشي وبين ديننا، فيظلم هـذا الـدين الجريح بهذه النظرة الخاطئة إليه. اللهم اهدنا جميعا للرشاد وأدم علينا الأمن والأمان واصرف عنا فتن الليل والنهار إنك ولي ذلك والقادر عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى