المسؤولية الجنائية عن نقل فيروس كورونا

لا يزال فيروس كورونا المستجد يشغل دول العالم، فمنذ بدء تفشي الداء وأعداد المصابين في تزايد مستمر نتيجة لسرعة انتشاره، وتعدد طرق الإصابة به ،إذ يمكن أن يحدث التعرض نتيجة السعال، أو العطس، أو المصافحة، ويمكن أن ينتقل الفيروس أيضاً عن طريق ملامسة شيء لمسه شخص مصاب ثم لمس الفم، أو الأنف، أو العين.
ونظرا لخطورة هذا الوباء فقد عملت مختلف الدول على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية لمحاصرته والتقليل من عدد حالات الإصابة به ، ولعل أبرز هذه الإجراءات هو العزل الصحي للأشخاص الذين ثبت أصابتهم بالفيروس أو المشتبه في حملهم له.
ولعل السؤال القانوني الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو المسؤولية القانونية وخاصة الجنائية منها لحاملي هذا الفيروس في حالة تسببهم في نقل العدوى للغير إما عمدا أو خطأ نتيجة للتقصير والإهمال، وأي تكييف قانوني يمكن منحه لهذا السلوك .
بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي لا نجد أي نص يتحدث عن نقل الإصابة بالفيروس للغير ، لكن توجد إمكانية البحث في بعض الجرائم العمدية الممكن أن تنطبق أوصافها على الصور المختلفة لإصابة الغير مثل جريمة التسميم ، القتل العمدي أو القتل الخطأ.
إن الجريمة المنصوص عليها في الفصل 432 من القانون الجنائي والذي تضمن ما يلي : ” من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي،أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم”.
يتبين من النص السابق بأن الركن المادي للقتل الخطأ يقوم على ثلاثة عناصر أساسية وهي : السلوك الذي يتصف بالخطأ ( مثلا عدم التزام المصاب بفيروس كورونا بإجراءات العزل المفروضة من قبل السلطات المختصة )، ونتيجة إجرامية ( إصابة الغير بالفيروس )، ثم وجود رابطة سببية بين الفعل والضرر اللاحق بالغير .
ويكون الأمر أكثر خطورة وأشد عقوبة في حالة ما إذا تعلق الأمر بجريمة عمدية ،بحيث إذا ثبت أن المعني بالأمر وبالرغم من علمه بالإصابة بالفيروس عمل على توجيه إرادته للقيام بأعمال من شأنها توسيع رقعة انتشار الوباء ( مثلا قيام شخص مصاب بالفيروس بالرغم من سابق علمه بالإصابة باستعمال مجموعة من الكمامات و توزيعها على أشخاص آخرين لإعادة استعمالها مستغلا بذلك سذاجة البعض أو صغر سنهم ) ، في هذه الحالة نجد القانون الجنائي تضمن عقوبات جد مشددة في حالة ما إذا ارتأت معه المحكمة تكييف الفعل باعتباره جريمة قتل عمد أو تسميم ، بحث أن الفصل 392 من القانون الجنائي تضمن ما يلي :” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا، ويعاقب بالسجن المؤبد” وكذا الفصل 398 الذي جاء فيه : ” من اعتدى على حياة شخص بواسطة مواد من شأنها أن تسبب الموت عاجلا أو آجلا أيا كانت الطريقة التي استعملت أو أعطيت بها تلك المواد وأيا كانت النتيجة، يعد مرتكبا لجريمة التسميم ويعاقب بالإعدام”.
خلاصة القول فإنه وبالرغم من إمكانية متابعة الأشخاص المسؤولين عن نقل الإصابة بالفيروس للغير خاصة في الحالات العمدية والذي يبقى من اختصاص السلطة القضائية لما لها من سلطة تقديرية في تكييف النصوص القانونية معتمدة في ذلك قواعد التطبيق السليم والعادل للقانون ، إلا أن القواعد القانونية ليست لوحدها كفيلة بمحاربة هذه الممارسات في حالة ظهورها مستقبلا لدى البعض ، بحيث أن قواعد الأخلاق والضمير الحي من المفترض أن يكونا أيضا عاملا مساهما، لذا يجب على كل مصاب أن لا يتردد في اللجوء للمرافق الصحية الاستفادة من الخدمات العلاجية وأن يلتزم بشكل صارم بالتدابير والإجراءات التي تفرضها السلطات المختصة .

ذ/ عبد المالك صبري باحث في العلوم القانونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى