الخوف من الأمتحان

كلما قربت الإمتحانات كلما تملكنا الخوف , وكثير منا لا يفهم كيفية التعامل مع هذا الخوف , ليخدم لصالحنا وليس ضدنا . قد يكون الخوف الطبيعي حافزا للإنجاز.
الخوف بشكله العام , يفوق حدود الخوف من الإمتحان الدراسي, الذي هو جزء لا يتجزأ من آمتحانات عدة , بل الحياة كلها آمتحان .
ففي التواصل البشري مثلا نجد الخوف أكبر معيق له , قد يفقدنا الخوف عفويتنا الجميلة , وطبيعتنا الودية , وقدرتنا على الإحتواء , وقد يشوش على صفاء ذهننا حتى نفقد القدرة على الكلام الطيب واللائق و المبادرات الحلوة , والتحليل المنطقي والموضوعي .
ربما ببساطة ,نكون محتاجين لبعض الوقت لنستوعب ونترتب, فنتجاوز آضطرابنا, وبهذا نحافظ على تواصلنا الجيد .
ينطبق هذا على المجال الدراسي كذلك , الذي نكون فيه أكثر حاجة للاستيعاب والترتيب والتحليل المنطقي الموضوعي ,وصفاء الذهن والبصيرة, والإستفادة من قدراتنا وطاقاتنا حتى نصل لجودة التعبير والاجابة على السؤال المناسب بالطريقة الصحيحة .

تتزامن الشهور الجميلة للسنة الفلاحية :شهر مارس, أبريل وماي مع اقتراب موسم الإمتحانات وخاصة الإشهادية منها , فينتاب تلامذتنا الذعر والخوف, والذي تتجلى مظاهره في :
– ظهور تغيرات عليهم , فتجد البعض أصبحت وجوههم شاحبة , ولم تعد نظرة كما كانت في بداية
السنة , وحب الشباب أصبح يطفو على وجوه التلاميد , والهندام أصبح يميل للعملية أكثر .
– هناك من يضع القلم ويفقد القدرة على مواصلة المراجعة لإحساسه أن الوضعية أكبر منه .
– هناك من يهرب من هذه الوضعية بطريقة معينة : إما بالغياب عن القسم أو الإنشغال بأشياء أخرى ,
الإدمان الإلكتروني ,أو بتقديم خدمات للكل دون مراعات مصلحته أو آحترام وقته وجهده .
-هناك من يفقد التركيز , ما أن يبدأ بمراجعة مادة حتى ينتقل لأخرى ,لخوفه من ضيق الوقت دون
التمكن من أي واحدة منها ,وتختلط عليه الأولويات في المراجعة .
-أمام هاته المتاهات , وآقتراب شبح الإمتحان ,هناك من ينهار بالبكاء الهستيري ويفقد السيطرة على الوقت , فتضيع منه ساعات بل أيام عن المراجعة.
-يصاب البعض بالأرق وقلة النوم أو كثرة النوم .
-يعاني آخرون من أعراض صحية كاآلام في البطن والقيء والإكتئاب.

لنتجاوز هذه المعضلات دعنا نعرف معنى الخوف الدراسي وتداعياته ليسهل علينا التحكم فيه:
الخوف هو اتصال الشخص مع محيطه وبيئته عندما يكون ضروريا وللتعامل مع هذا الواقع المفروض عليه , يحس أنه يفوق قدراته : معلومات كثيرة , وزائدة (surcharge ) ,شعور بالالحاح (sentiment d’urgence ) , وقت محدود, عدم اليقين , الشك في قدرته على خلق معادلة بين قدراته والمعلومات والوقت المتبقي .
إن للخوف منحنى يظل تصاعديا وإيجابيا , حتى إذا وصل لقمته, بعدها فإنه ينقلب لخوف سلبي .
فالخوف الإيجابي يحفزك للإنجاز, ويدفعك للتحسين من إمكاناتك وقدراتك ,لتتنمى وتتحسن وتحصل على تقديرات و شواهد.
يصبح الخوف سلبيا ,إذا أصبح يؤثر على المردودية ,إما بالمغالاة في المظاهر التي ذكرناها سابقا , أو بتعميم السلبية على الدماغ ,حتى ينفتح على زاوية مظلمة من الإحباطات و المعيقات, ونفقد بذلك النظرة الموضوعية للوضعية ونستسلم .
علينا أن نعي خاصية التعميم التي يشتغل بها دماغنا , وهي: إذا ركزنا على شيء معين, فان الدماغ يعممه , ويصبح لا يرى غيره ,وهي قوة ,إن آستعملت في مجال إيجابي, تدفع الدماغ يشعشع في الإيجابيات ,وإلا فإنه يشعشع في غير ذلك ,ونحن من نوجهه في الأصل .
كمثال : إذا أردنا أن نشتري قميصا أحمرا,وركزنا عليه ,فلن نعد نرى غير الأقمصة الحمراء من حولنا أينما ذهبنا.
يختلف تأثير الخوف من شخص لآخر حسب : تجاربه وخبراته, سنه, جنسه, قدراته ,تداريبه و تربيته ومدى آستيعابه لمشروعه وإيمانه به .
لذا لإدارة الإجهاد والخوف ,وجب أن نوجه تفكيرنا ونبرمج أنفسنا على خمسة مفاتيح :
-العمل الجاد وبذل قصارى الجهد وبنشاط .
– الاستثمار الجيد للوقت .
-عدم التعلق بالنتيجة لأن للكون رب يدبره
– التسامح مع النفس حين نخطىء لنعاود تصحيح مسارنا ,
– الاستمرارية والإقدام وعدم الرجوع للوراء , فبالإصرار والإلحاح والبحث والسؤال ,تفك أصعب
الإشكالات.
وحتى لا نبقى نظريين و نكون عمليين علينا أن نتبع الخطوات التالية :
– ضع هدفك بين عينيك واكتبه , وتخيل كم ستستمتع بالنجاح وتعمل لاسبابه دون التعلق به ,
– رفع الغموض لتتضح الرؤية : أكتب على ورقة المواد التي ستمتحن فيها , ما هي الدروس التي لازلت لم تستوعبها بعد ,وما هي التي آستوعبتها ,مع وترتيب الأولويات حسب الصعوبة والمعامل
– قرائة الدرس بتمارين تطبيقية ثم تمارين مركبة فالإمتحانات الوطنية ,ومن ثم معاودة مراجعة نفس الدرس مع تلخيصه بالطريقة التي تريحك وتفهمها أنت ( الرموز , الرسوم , الألوان…….)
– النظام والتخطيط :
-وضع آستعمال الزمن لكيفية توزيع عدد ساعات اليوم, ثم الأسبوع على المواد (على أن
نستغل 12 ساعة للعمل في اليوم ) .
-المرونة : تغيير استعمال الزمن كلما آحتجنا لذلك .
-الراحة : وضع وقت الراحة واضحا وكافيا في آستعمال الزمن , على أن نرتاح بعد الإنجاز
-المكافئة : أن نوعد أنفسنا بمكافئة ,بعد الكد والتحصيل والانجاز( متابعة مباراة أو فيلم
, الرياضة , التنفس ,الإستمتاع بلعبة معينة(على أن يكون الوقت محسوبا))
-النوم الكافي والجيد : أن لا نغفل حصة النوم الكافي في وضع آستعمال الزمن ,لأن
دماغنا يحتاج للنوم الكافي ليخزن المعلومات ويستنبطها .
-الأكل الكافي والملائم والصحي وآحترام أوقاته والإبتعاد عن المشروبات الغازية والأكلات السريعة .
-الإبتعاد عن الهاتف والتلفزة و الحاسوب لإستغلاله في الدراسة لكي تتحكم في وقت الإنجاز, لأنك
قد تتخيل أنك أنجزت ساعات, في حين أنك لم تستغل سوى أقل من ربع الوقت ,بإضاعته في محادثة
أو شررود في واتساب أو يوتوب .

بهذا ستقود نفسك بنفسك , وتكون قد برمجت دماغك بنفسك في المسار الذي آخترته أنت ,ولن يسهل على التفكير السلبي, ولا لأحد, ولا لبيئة ,أن يوجهك ويضيع وقتك, إلا بارادتك الواعية .
أهمس في أذن كل طالب علم أو تلميذ وأقول له :إنك أنبل مخلوق على هذه الأرض , فإننا نحييك من هذا المنبر, على التزامك بالصف وإخضاع وقتك وجهدك للتحصيل وطلب العلم ,وقبولك أن تمتحن منذ نعومة أظافرك, وهذا في حد ذاته شجاعة كبرى وإقدام وتقدير , فليفتخر كل طالب بنفسه ,وليقدم على الإنجاز بكل ثقة وتفان وطموح ,ولن يخيب الله أمانيك , قال تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” الكهف 30 .

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. موضوع رائع فلقد أثرت مشكلة حقيقية اعيشها والصراحة استفدت كثيرا وسأعمل بالخطوات المقترحة شكراا لك سيدتي

  2. مقال جيد جودته في أن سر تجاوز الخوف يكمن من الداخل في تغيير طريقة التفكير و برمجة عقولنا على أن نلغي التفكير السلبي ونبدأ فورا بالعمل واستثمار الوقت , بوضع برامج وخطة , ولا نتعلق بالنيجة لأن الخوف من الفشل يجعلنا نقع فيه , لنعمل ونعمل ونعمل والله الموفق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى