“رِسَالَة إلى كُلِّ السَّادَة فوق العَادَة” : مِن المَعَالي مرُوراً بِالأَهَالِي وُصولاً إلى الأَعَالِي

كَثُرَ الحديث والقَوْل مُؤَخَّراً حول الطموحات الشخصية والسُّيُولات الجَارِفَة لَدَى البَعض والإسهَال المُفرِط لِحَدّ التضحيَّة بالنزاهة والضمير والكرامة المهنية من أجل ضمان كرسي لِرِئَاسَة المؤسسات الجامعية وهذا جزء من طبيعة الجشع والطمع الكامن في البِنيَات النفسية والذهنية للكِيَانَات البشرية لِدَرَجَةٍ أنَّ هذه الظاهرة قد سَال مَعَهَا المِدَادُ شَلاَّلاَت وتَعَدَّدَت الأقلام والمَوَاقِفُ أشكالًا وألوانًا، أَجمَعَت في مُعظَمِهَا على انحراف في مسلكيات انتقاء العمداء والمدراء والرؤساء، وخُرُوج المنظومة بِنَسَقِهَا وسِيَاقِهَا عن مسارها وخَطِّها الذي حَدَّده الشّارِع بمنطوق النص والمساطر، مع بروز ظاهرة عدم الرِّضَا بالصفَة والوظيفَة والبحث المُفرِط عن الكراسي الخشبية وما تُوَفِّره من مُرَاكَمَة المكاسب والمنافع أمام غياب آليات للرقابة والتصريح بالممتلكات وما مَلَكت أيمانكم.
مَرَدُّ هذا العَبَث المؤسساتي هو تقاطع لَحْظي في زمن الفوضى بين أسلوب التدبير المَزَاجِي لدى المسؤولين و محدودية سقف النص التنظيمي لِعَمَلِيَّة الإنتقاء والذي اسْتَوفَى فَعَّالِيَته ونَجَاعَته وأضحى عائقاً أمام مستلزمات وشروط المنافسة الشريفة. وبالتالي أضحى لِزامًا على الجهات الحكومية وَضْع حَدٍّ لِفِعْل التسيب المُمَنهَج والتحكم المُهَيكَل في مُسَلسَل صِنَاعَة البَلاَدَة والتَّهكُّم وتدمير رَصِيد وسُمْعَة ومَكَانَة المؤسسات الجامعية داخل المجتمع وانهيار الثقة المفقودة أصلاً بين الجامعة والأطراف المُتَدَخِّلَة في عمليات التكوين والبحث: عفواً البحث عن المسؤول المُناسب وليس عن الفاسِد/المُفسِد الغير مُنَاسب في المكان والموقِع المُناسب (كلية العلوم نموذجاً). لِكلّ هذه الأسباب وغيرِهَا وأمام التحدّيات المركّبة والرهانات المُعَقَّدة والتَّشَوُّهَات البِنيَوِية والإِجرائِيَة في عمليات الإنتِقاء لا بدّ من مستلزمات عَشْرَة لتصحيح هذه الإنحرافات من خلال:
1- إعادة النظر في منطوق النص ومقتضياته والذي أصبح ضرورة تشريعية مُلِحَّة لإيقاف شبكات الفساد ولوبيات الإفساد من التمكين والتَّجدُّر بدون حيَاء أو استحياء في مواقع المسؤولية التربوية.
2-لا يكفي تقديم مشروع تطوير المؤسسات التي قامت بصياغتها مكاتب الخبرة والاستشارة المُختَصّة في التجارة بالمفهوم و العبارة، إضافة إلى كَوْن جُلّ المشاريع يَتِمّ استنساخها مع استبدال آلِي لِإسم المؤسسة أو الجامعة.
3-لا تكفي شهادة الدكتوراة أو صفة أستاذ التعليم العالي لولوج منصب المسؤولية في التدبير الإداري والمالي والبشري فلا بد من إضافة شهادة في علم الإدارة والقانون وإثبات التجربة الفِعلية والتكوين الذاتي مع التدريب العَمَلاَتِي في المجال.

4-السيرة الذاتية للمترشحين في معظمها لا تجسد الواقع وحقيقة الأمر في شيء فهي لا تخضع لتدقيق أو تمحيص من أجل التصديق وعادة ما تتعدى حدود الصحة إلى درجة صناعة الكفاءة الوهمية بمنطق الأكذوبة التعبيرية.

5-لا بد من تقرير أخلاقي يسبق عملية الإنتقاء للِتَّأكُّد من مُلاَزَمة المعرفة للقيم وغياب سَوَابِق غير أخلاقية و زَلَّات مِهَنيَة.

6-وتفاديًا للشطط في استعمال سلطة القهر والإزاحة من طرف اللجن فلابد من آلية للمراقبة والتحكيم لضمان تكافئ الفرص أمام المترشحين والمترشحات
وهنا نتذكر في بداية الستِّينِيَات من القرن المنصرم إلزاميَّة حضور قَاضِ مُحَلَّف أثناء تقديم أطروحات الدولة أمام اللجن العلمية لضمان مصداقية وشرعية الطرح والجلسة على مستوى المناقشة والتداول برمتها انتهاءا بإعلان النتائج بناءا عن تقارير ذات مصداقية.

7-سلام عملية الإنتقاء وضمان شرعيّة نتائجها تقتضي اليوم أَجْرَأَة عَلنِيّة تقديم العُرُوض والمشاريع أمام الحضور من الرأي العام الأكاديمي وليس الإقتصار على جلسات مغلقة شبيهة بالإعتقال الإحتياطي لِلْمُتَرشِّحِين وفتح المجال لأعضاء اللجن الذين يتم اختيارهم بالمزاج دون معايير وضوابط محددة والذين في الغالب لا يفقهون أصلا في قواعد وأدوات الهندسة والتقييم، وعادة ما يأتمرون بتعليمات الإزاحة والإتاحة التي قد تصل أحياناً إلى المساس بكرامة المترشحين من خلال الإستفزاز والإبتزاز وتصفية الحسابات.

8-لا بد من تفعيل المسطرة في حق كل من سَوَّلَت له نفسه التَّلاَعب بالنص وبالمسطرة وبالمَسَار الإجرائِي لأن الأمر يتعلق بتدبير مؤسسات عمومية ومرافق خدماتية لمدة قد تزيد عن أربع سنوات.

9-لا بدّ من وَضْعِ حَدٍّ لثقافة الريع وتوزيع المناصب استنادًا لمعيار الإيديولوجيا والتدخلات والمحسوبية بدل الجدارة والإستحقاق والمهنية في إطار استراتيجية استباقية انتخابية في مجال يَعرِف أكبر احتِيَاطي بشري.

10-في الأخير نُجَدِّد مَطلَبَنَا التاريخي بالإنتخاب المباشر للمسؤولين على رأس المؤسسات الجامعية في صيغة انتخاب رئيس الجامعة وفريق عمله المؤسساتي تحت سقف تفعيل آليات الرقابة والتدقيق والمتابعة، لأننا لسنا أقلّ رُشْداً ونُضجاً من جَارَتِنَا تونس عِلْماً بأنّنا قُمنا بتجربة كل أنصاف الحلول والتي أفضت في مخرجاتِهَا إلى كوارث وحوادث مصيرية.
هذا بلاغ للمسؤولين ولِيُنذَروا به في سياق التسابق المحموم والمُستَعجَل لِنَمذَجَة منظومة التنمية بعيداً عن مفهوم أَنْسَنَة الفضاءات وتَخلِيقِهَا…!!!!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى